HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

إسكوبار الصحراء و اختطاف الأصالة والمعاصرة … رسائل لمن يهمهم الأمر


عبد المنعم الكزان
الاحد 4 فبراير 2024




لا أحد يختلف أن الديمقراطية الاجتماعية ولدت من خلال نقدها لبعض المقدمات الماركسية، والسجال عن الأليات التي يمكن من خلالها تبيئة المساواة،لتأتي الإجابة من خلال فكرة بناء المجتمع ديمقراطيّ والنضال من داخل المؤسسات كمقدمة في اتجاه تكريس هذه المساواة ، بحيث جادل المؤسسون للفلسفة الإجتماعية النظرية الماركسية في تحليلاتها بخصوص فكرة الوصول إلى مجتمع المساواة، إذ اعتبر المؤسسون أن الوصول إليه ليس نتيجة الرهان على البروليتاريا وبؤس الطبقة العاملة كمحرك لصيرورة حتمية التاريخ، بل الأمر يرتبط بالقضاء على احتقار هذه الطبقة نفسها وذلك من خلال القضاء على البؤس والفقر و التهميش، هذه المقدمات البديهية تجعل كل من تبنى مرجعية الديمقراطية الاجتماعية يدخل بشكل مباشر في خانة اليسار، إنه ذلك اليسار الحداثي المناهض لخرافة انتظار زوال الطبقة البرجوازية و واوهام تأزيم الرأسمالية التي تحمل تناقضاتها داخلها.
إذن من خلال هذه المنطلقات اختار المؤسسون الدفاع عن مجموعة من الأفكار اللبيرالية على رأسها حقّ التصويت العام والمساواة فيه، وعلى حريّة التعبير والتجمّع، و المساواة بين الجنسين للنساء، والفصل بين السياسية و المسألة الدينية و السعي نحو بناء الدولة الإجتماعية، لتنطلق بعد ذلك الإجتهادات المنفتحة في إطار صيرورة الدولة والمجتمع الى حدود ماوصل إليه الفكر الإجتماعي الديمقراطي و تأثره حتى بفلسفة ما بعد الحداثة .

و نحن على بعد أكثر قرن من بذور تأسيس هذه المدرسة اليسارية ذات النزعة الليبرالية التي ترفض كل نزعة دغمائية وثوقية بإسقاطاتها المادّيّة الماركسية على تأويل التاريخ و الإيمان الأرتودكسي بحتميّة الأحداث التاريخيّة و ضرورة ديكتاتورية البروليتاريا بعتبارها المسيح المخلص من توحش الرأسمالية و الإمبريالية وذلك قصد الوصول إلى الإشتراكية ثم أخيرا حلم المجتمع الشيوعي، خصوصا أن تلك المرحلة عرفت إعترافات للكنيسة على ضوء الإحصائيات ببؤس العمّال وطالبت الطبقات المالكة بتحمل مسؤوليّتها الأخلاقية في تحسين شروط حياة الطبقة العاملة. أن الكنيسة هنا أيدت بشكل أو باخر حق العمال في تأسيس النقابات لكنها في نفس الوقت أيدت حق الملكية الخاصة هذا التقاطع، إضافة إلى ظروف الحروب والتحولات الجيوستراتيجية العالمية، ساهم في الدفع بشكل غير مباشر إلى الرفع من تبني هذا الفكر السياسي الجديد الذي يرتكز على كبح هيمنة وتوحش اقتصاد السوق، و الدفاع عن توسيع الطبقة المتوسطة ومحاربة الفقر للرقي بالمواطنين إلى الطبقة المتوسطة ،لهذا اختارت فكرة تنظيم اقتصاد السوق، وليس تأميمه، من خلال ربط هذا الاقتصاد بالنموذج الكينزي والسعي لبناء الدولة الاجتماعية أو دولة الرفاه، كحل لمكافحة البطالة وفي نفس الوقت ضمان استرار الملكية الخاصة و المقاولة من جهة و الطبقة العاملة و عناصر الإنتاج الرأسمالي، إذا هذه الإشكالية التي تحاول الفلسفة الاجتماعية الديموقراطية الجواب عليها وعلة وجودها حسب تعبير المناطقة ، مع بعض الانفتاحات حسب بنية كل مجتمع و حسب القضايا التي ترتبط به سواء أكانت تلك القضايا ثقافية اجتماعية اقتصادية سياسية …
فهل حزب الأصالة والمعاصرة كان وفيا لهذه الفلسفة الديمقراطية الاجتماعية، أم انحرف عنها ؟
قبل الدخول في الإجابة عن إشكالية الانحراف في تطبيق مرجعية الحزب، لابد أن ننبه إلى أمر غاية الأهمية هو أن العديد من منتسبي الأصالة والمعاصرة يلحون على عدم مشروعية مخرجات المؤتمر الخامس نظرا لعدم امتثاله لضوابط الحزب في كل ما يتعلق بأعداد هياكله، وعدم الإمتثال هذا، كان نتيجة حتمية للإختطاف الذي تعرض له الحزب في المؤتمر الرابع و الذي تبقى رئاسة المؤتمر و بعض المثقفين مسؤولين كذلك من خلال صمتهم وعدم تحمل مسؤوليتهم في جزء كبير من الانزلاقات التي عاشها حزب الأصالة والمعاصرة خلال المؤتمر الوطني الرابع، و التي كان من نتائجها ما جرى وما يجري ، فإن الواجب يفرض تحميل المسؤولية في مجريات هذه الوقائع الخطيرة لكل الذين كانوا طرفا في نتائج المؤتمربدل تبادل الإتهامات خصوصا أن مرحلة الإعداد للمؤتمر شهدت بروز فئة كبيرة لها من الزاد الفكري ومتشبعة بالمناهج العلمية المعاصرة الشيئ الكثيير، خصوصا فئة خريجي الجامعات المعطلين و طلبة الجامعات الذين همشوا من المشاركة في رئاسة المؤتمر كما همش جزء، ليس باليسير، من هياكل الحزب، وهي كما نعلم أحد الفئات الأكثر مركزية في اهتمام الفكر الإجتماعي للأحزاب الديمقراطية الإجتماعية عموما، هذه الفئات ناضلت سواء قبل المؤتمر أو طيلة مرحلة النقاش العمومي المرافق للإعداد له أو خلال أشغال المؤتمر ، في ما اختار بعض المثقفين بشكل انتهازي مقيت الترافع عن واقع غير الواقع الذي ينتمون إليه والتحالف مع فئات بعيدة عنها، على مستوى التحالف الموضوعي مما خلق التحول في ميزان القوى داخل المؤتمر فتم استغلاله من طرف تلك الفئات الاليغارشية السالفة الذكر وكان الإنتهازيون أول ضحايا هذا التحول ليتم تعويضهم بنفس الفئة المهيمنة، هذا التحول تم بلورته من خلال الممارسة سواء خلال الانتخابات وماشابها في طبيعة المرشحين أو من خلال العمل الحكومي، أو طبيعة الإختيارات لتحمل المسؤوليات فيمجموعة من هياكل الدولة ،كنتيجة موضوعة لهيمنة الطبقة رأسمالية بشقها الريعي أو المتوحش ، من خلال إختبائها وراء نظرية الخط الثالث النيوليراليو لكنها في الأساس تتبنى البيرالية في طابعها المتوحش ، كعدم الترافع على غلاء المحروقات و الدفاع عن أرباح الشركات الكبرى ،عدم الدفع بقانون الإثراء الغير المشروع، الرفع من تكلفة الرفاه الاجتماعي المشروط للفئات الهشة ، عدم تحقيق تقدم على مستوى ملف البطالة ، دعم التشغيل باعتماد المعيار العائلي والذي يبقى أبرز تجلياته القطاع المهني الذي ينتمي إليه السيد وزير العدل، فأين هي مبادئ الدولة الإجتماعية من منظورها الديمقراطي الإجتماعي من هذا !!! ثم مادور الحزب أصلا داخل الحكومة إذا كان لم يستطع حماية مبادئه الأساس التي تشكل من أجلها !!!!

إن غياب التعاطي مع الديمقراطية الإجتماعية على المستوى التنظمي، وذلك من خلال مد الجسور مع بنيات المجتمع، حزبيا، والتصالح معها وعدم الترافع على الفئات الأكثر تهميشا طبقا لمبادئ الديمقراطية الإجتماعية، قصد خلق التوازن داخل المجتمع، وتكريس الدولة الإجتماعية كخطوة أولى لبناء مجتمع المساواة من خلال تفعيل النمودج التنموي كأفق لهذه المرجعية ، أدى إلى التراجع عن دعم المشروع الحزبي ،كما أدى فقدان العديد من الفئات الشيئ الذي صعب التفاوض حتى مع الحركات الإحتجاجية التي فقدت الثقة في الأحزاب السياسية والنقابات.

أما فضيحة أسكوبار الصحراء فتلك قضية إسثنائية نتبرأ منها ونحمل المسؤولية فيها بشكل غير مباشر للمشرفين على رئاسة المؤتمر الرابع كما نحمل المسؤولية مباشرة لكل من اختطف الحزب بعد ذلك وجعله غنيمة حرب ، لكننا نمتنع عن النقاش فيها فكريا دفاعا عن حرمة السلطة القضائية.

إن مطالبة بعض المنتسبين بلجنة تحضيرية من الأمناء المؤسسون و أمناء الحزب جاء ليسبعتباره ترفا فكريا أو لاوعي سياسيا من إبداعات روجيسدوبري كما يتوهم بعض الغارقين في قشور الحداثوية ، الراغبون عن فهم أبسط أبجديات و دروس الحداثة، المسرفون في تبني التنظيم اللاهوتى الكنسي حتى النخاع ، بل هو فقط إجراء مرحلي لإنقاد الحزب من التشتت والإختناق .
يتبع…..

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير