HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

التجمع الوطني الاحرار ...بين موقعي الاصلاح و المحافظة.


عبد الحق الاشهب
الثلاثاء 10 يناير 2017








ولد حزب التجمع الوطني للأحرار بعد فشل المحاولة الرئيسية الاولى للاستصدار موافقة احزاب " الكتلة الوطنية " على دستور 1972 الذي شارك قادتها في إعداده، وايضا فشل مسعى اشراك نفس التحالف في حكومة 1972. لنفرض جدلا ان حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية كانا قد قبلا المشاركة في الحكومة، هل كان حزب الاحرار سيولد؟ ان التاريخ لا يؤمن بالفرضيات بل بالوقائع. وهذه تؤكد ان حماس المسيرة الخضراء جعل عددا من الوزراء يتوجهون الى الحسن الثاني والتمسوا منه السماح لهم بتأسيس حزب سياسي ينضاف للحركة الشعبية في تأثيث المشهد الحزبي "، وكانت انتخابات 1977 التشريعية على الابواب طبعا، كان هناك شك في امكانية مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات انطلاقا من النقاشات التي كانت جارية، وايضا بناء على موقف مقاطعة " برلمان " 1970. وهذا " التخوف " ولد الرغبة في خلق حزب احتياطي. لكن الظروف تسارعت بعد انتخابات 1977 التي مكنت حزب الاتحاد الاشتراكي من الحصول على فريق برلماني مهم، وتعزيز موقعه في الشارع بتأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978 ومما اربك الاصطفاف التقليدي اشراك الاستقلال في الحكومة برفقة الحركة الشعبية، وأيضا إعلان حكومة عصمان، رئيس حزب الأحرار، إجراءات ذات نكهة اجتماعية من قبيل الشروع في كهربة العالم القروي والإصلاح الزراعي.
إن تسارع الاحداث بعد ذلك وتشابكها مع حرب الصحراء، جعلت احمد عصمان، الوزير الأول، يقدم على نقد صريح لطريقة تسيير الدولة، فطلب منه الاستقالة، وهو ما حصل استقال عصمان دون استقالة حزبه، وفسر الامر على اساس انه " تفرغ للعمل الحزبي " ولما وقعت انتفاضة الدار البيضاء سنة 1981، وكان موقع الاتحاد الاشتراكي واضحا في دعمها، وجه احمد عصمان رئيس حزب التجمع رسالة الى ملك الحسن الثاني انتقد فيها الوضع السياسي والاقتصادي انتقادا شديد اللهجة، وكذلك الشأن بالنسبة لرأي الحزب في قضية الصحراء المغربية، وطريقة تعيين الحكومة واستبعاد الاحزاب السياسية منها.
ويقول حزب الاحرار، بعد اقتراح الاستفتاء في مؤتمر القمة بنيروبي لمنظمة الوحدة الافريقية (يونيو 1981) ان " نتيجة ذلك الاستفتاء مرهونة بتوثيق الصلات والوشائج مع افراد كل قبيلة صحراوية، وبما سيتخذ من تدابير إصلاحية وتغييرات جذرية، على الصعيدين المركزي والمحلي، في مجموع البلاد، لجعل حد للإنحلال واللامبالاة في تسيير شؤون الدولة...وفي مذكرة اخرى عقب احداث يونيو 1981 التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، رفع نفس الحزب مذكرة اخرى لملك البلاد انذاك مما جاء فيها : " حلل كل واحد منا حالة التذمر والاستياء (...) ويعود بعضها الى تفشي الرشوة بالشكل الذي اضحى منتقدا عاما، والى اختلال موازين العدالة بكيفية ملموسة ومحسوسة " تحمل هذه المذكرة تاريخ 22 يوليوز 1981، ولا تختلف في لغتها عن لغة اليسار انذاك. وطالبت مذكرة ثالثة موجهة للوزير الاول موقعة في 25 اكتوبر 1981 ب " تدعيم الطابع السياسي للحكومة تعزيزا للدور الذي ينيطه دستور المملكة بالأحزاب السياسية " واعتبر الحزب التشكيلة المعلنة " لا تعكس الرقعة البرلمانية ولم يرفع حزب الأحرار أي مطلب دستوري شأنه شأن باقي الأحزاب التي ولدت ولأصحابها مواقع في السلطة والى اليوم، فهذا مطلب معطل – أو لنقل كامن – في ممارسة الحزب، رغم ما تطالب به بعض التيارات الشبيبية وكوادر الحزب المخضرمة، والتي لا تزال بصدد بلورة فكرة إصلاح الحزب كمقدمة لتوفير أداة لإصلاح المجتمع.
ان الديمقراطية الاجتماعية خيار نظري إصلاحي في مغرب اليوم، يحتاج لتكييف سياسي، وهذا سبب استمرار تعطيل انخراط الأحرار في الدينامية القصوى لنهج الإصلاح، بل ان سبب التردد في مسار الحزب هو تجاذبه بين موقيعين : موقع الإصلاح، وموقع المحافظة.
لما تبني حزب الأحرار سنة 1983 الديمقراطية الإجتماعية، قدم الحدث على أساس أنه انتصار لمفهوم الاقتصادي الاجتماعي وحرية المبادرة القائمة على انفتاح السوق والانتصار لقيم دولة الحق والقانون وما في ذلك ما يتعلق بالمجال الاقتصادي وخصوصا حرية المنافسة والمساواة في الفرص آنذاك، انفصل عنه الاتحاد الديمقراطي وسرعان ما عدا الحزب لقيادة الاغلبية البرلمانية التي كان العدد الأكبر فيها لأعضاء الاتحاد الدستوري لكن ترافق هذا مع برنامج التقويم الهيكلي والتضييق على الحريات العامة، وخصوصا ما شهدته أوساط الثمانيات، حين تم إطلاق حملات اعتقال واسعة في وجه نشطاء حقوق الإنسان والمطالبين بالديمقراطية وحرية التعبير. وعاش المغرب قمعا أسود انضاف لما عاشته أجيال سابقة في الستينات والسبعينات. يقول قادة هذا الحزب أن رأيهم لم يؤخذ بعين الإعتبار، وأن حريتهم – هم أيضا – صودرت، وأن وزارة الداخلية آنذاك أطبقت قبضتها على الجميع. ولهذا الموقف بعض من الصدق لأن الأحداث توالت، ووضع رئيس الحزب في مواجهة مباشرة مع وزير الداخلية آنذاك. ورغم هذا، لم يستطيع حزب الأحرار التحول الى حزب فعال بحجم الفعالية الموضوعية لنظريته السياسية : الديمقراطية الاجتماعية فحزب الأحرار يظل رغم قوته البرلمانية والانتخابية عبارة عن التقاء لمجموعة أشخاص بدون أفكار، إضافة إلى كونه يعد الحزب الأول في المغرب الذي فتح دائرة الاستوزار في الحكومة باحتضانه لتكنوقراطيين لا علاقة لهم بتنظيمه الحزبي خلال حكومة 2002.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير