النزعة الاقتصادوية والسياسوية في مجال المعرفة، نعت سلبي وعيب نظري، يحول دون امتلاك معرفة علمية أو شمولية عن واقع التجمع البشري موضوع البحث أو الدراسة، فالتحليل الاقتصادي أو السياسي يكونان سليمين بارتباطهما بمجاليهما وفق الضوابط الأكاديمية المؤطرة لكل مجال، لكن في مجال البحث الاجتماعي الشامل إذا غلب أحد هذه المجالات واختزل واقع وتطور التجمع البشري في العامل الاقتصادي وحده أو السياسي وتم إغفال العوامل الأخرى الفاعلة، ينعت آنذاك التحليل بعاهة الاقتصادوي بدل الاقتصادي أو السياسوي بدل السياسي.
وفي مجال التحليل السياسي نفسه، حين نضيف له الواو ليصبح سياسوي، فالمقصود في هذا الحال هو انفصال السياسة عن مرجعياتها الفكرية والثقافية، وتحولها إلى مجرد مواقف وتحليلات آنية نفعية متحررة من ضوابط المنطلق والأفق، وتصبح لها قدرة تبريرية هائلة لمواقفها المتناقضة فتصبح مبتذلة وذيلية ومحتقرة للمعرفة والوضوح، فينفر منها المثقفون والعارفون وكل من يحمل قيم المبادئ والتقدم والكرامة ومحاربة الفساد، وفي المقابل تجمع السياسة السياسوية حولها جوقة من الوصوليين والانتهازيين والسطحيين، على أرضية تحليل الحرام وتحويل الغدر إلى ذكاء والخيانة إلى وجهة نظر، أما الفعل السياسي الحقيقي فهو فعل مرتبط كما سبق الذكر بمنطلقات ثقافية وفكرية في أفق تحقيق أهداف المصلحة العامة في التقدم وبناء المشروع المجتمعي، وبهذا المعنى فالسياسة هي التصريف المرحلي الساخن والصراعي للتصور الفكري المجتمعي المؤطر لقوى التحرر، والأحزاب الحاملة للطموحات الشعبية، فيكون الخطاب والفعل السياسي رافعا راية الثقافة والمعرفة و مترجما لهموم الجماهير التي تلتف حوله وتدعمه.
في حين تشتغل السياسوية بخطاب شعبوي وليس شعبي طبعا، لأن الخطاب الشعبي يحترم القيم و يتضمن الصدق والتطلع إلى الأفضل ونبذ الرذيلة ويستجيب للخطاب والفعل السياسي الحقيقي بحسه الشعبي الذي يجعله قادرا على التمييز بين الحقيقة والتضليل، فينتج الاقبال أو العزوف على الأحزاب أو الانتخابات مثلا.
أما الشعبوية فهي إفراغ الخطاب الشعبي من مضامينه وتصريف سياسة جوفاء وممارسة التضليل وإلهاء العامة، لأن الإلهاء كما يقول نعوم تشومسكي هو استراتيجية تشكل عنصرا أساسيا في التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل إنتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغيير التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة.
لقد ناضل المغاربة ضد الاستعمار وناضلوا بعد الاستقلال لبناء مجتمع الكرامة والتقدم ودولة الحق والقانون، وبعد مرور أكثر من ستة عقود في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلدنا، مليئة بالتضحيات والجراح الكبيرة والصدامات بين مشروعين مجتمعيين متناقضين لهما امتدادات تاريخية أفقية وعمودية، أحدهما يعتبر المجتمع في خدمة الدولة (التصور المخزني) والثاني يعتبر الدولة في خدمة المجتمع (قوى التحرر)، وصلنا اليوم إلى انتصار التصور المخزني، حيث أصبح جل الأحزاب يسودها الخطاب والفعل السياسوي وتحولت إلى نقط تجميع وتبرير الفساد بعدما كان مشروعها محاربة الفساد.
لقد عاش المغرب فترة مصالحة، كان من نتائجها استقرار ظاهري وضبابية في الرؤية السياسية "تلف على المغاربة لعدو"، وبدأت تحالفات وتشكلات سياسوية مبنية على زعامات غاية في الشعبوية سواء في الأغلبية الحكومية وليست الحاكمة طبعا، مثل بنكيران ومبدع، أو في أحزاب معارضة الحكومة وليس الحكم طبعا، مثل شباط ولشكر، حيث تمخض هذا المعسكر الأخير ليبشر بميلاد أو إحياء الكتلة الوطنية بشكل عصري وجديد، ليست على شكل كتلة تاريخية بالمفهوم الغرامشي طبعا، ولكن على شكل كتلة مخزنية.
يبقى الأكيد من كل ما سبق أن الآلة المخزنية قوية ورهيبة وقادرة على امتصاص رحيق كل قوة أينعت، والآن فإن بلادنا تعيش وضع الدولة القوية على حساب استقطاب النخب وإضعاف المجتمع، وهو صلب التصور المخزني العتيق، الذي له قدرة هائلة على التجدد، وليس العصرنة.
ومهما يكن فالاستقرار الحقيقي والمضمون هو الذي تكون فيه الدولة في خدمة المجتمع وليس العكس، وتكون الدولة تستمد هيبتها من الخدمات، الصحة لمن مرض، والتعليم للناشئة (ليس على النمط العيوشي طبعا)، والشغل للمعطلين وعدالة القضاء للمظلومين و...و ليس بالأدوات والأجهزة الزجرية.
كل علوم الاجتماع البشري تجمع على أن التمرد هو الوجه الثاني للخضوع، ومادامت ثقافة الخضوع قد اتسعت، فإن التمرد في الافق، وما الاحتجاجات المتزايدة إلا مقدمة له، والتمرد لا يعني بالضرورة التغيير، لان هذا الاخير يبنى على ارضية شيوع قيم المعرفة والديمقراطية والكرامة، وليس الجهل والامية وهدم المدرسة العمومية لصالح التعليم النخبوي، تعليم الأسياد والعبيد.
إن عالم اليوم أصبحت فيه العوامل الخارجية هي الاخرى محددة بنفس قوة العوامل الداخلية، وردا على كون ما قيل يمثل نظرة سوداء، فإن المجتمع المغربي بكل جراحه والجرائم التي مورست وتمارس في حقه، مجتمع تاريخي وحي، والعزوف هو موقف ضد المسرحية الجارية التي تلعب فيها جل احزابنا دور الكومبارس بسيناريو لنص غير ديمقراطي، مقابل قوى وجمعيات مناضلة ذات مصداقية لابد ستكبر مستقبلا لتجنيب بلادنا ويلات التقاتل الذاتي وداء سرطان الواو الذي أصاب السياسة والسياسيين.
وفي مجال التحليل السياسي نفسه، حين نضيف له الواو ليصبح سياسوي، فالمقصود في هذا الحال هو انفصال السياسة عن مرجعياتها الفكرية والثقافية، وتحولها إلى مجرد مواقف وتحليلات آنية نفعية متحررة من ضوابط المنطلق والأفق، وتصبح لها قدرة تبريرية هائلة لمواقفها المتناقضة فتصبح مبتذلة وذيلية ومحتقرة للمعرفة والوضوح، فينفر منها المثقفون والعارفون وكل من يحمل قيم المبادئ والتقدم والكرامة ومحاربة الفساد، وفي المقابل تجمع السياسة السياسوية حولها جوقة من الوصوليين والانتهازيين والسطحيين، على أرضية تحليل الحرام وتحويل الغدر إلى ذكاء والخيانة إلى وجهة نظر، أما الفعل السياسي الحقيقي فهو فعل مرتبط كما سبق الذكر بمنطلقات ثقافية وفكرية في أفق تحقيق أهداف المصلحة العامة في التقدم وبناء المشروع المجتمعي، وبهذا المعنى فالسياسة هي التصريف المرحلي الساخن والصراعي للتصور الفكري المجتمعي المؤطر لقوى التحرر، والأحزاب الحاملة للطموحات الشعبية، فيكون الخطاب والفعل السياسي رافعا راية الثقافة والمعرفة و مترجما لهموم الجماهير التي تلتف حوله وتدعمه.
في حين تشتغل السياسوية بخطاب شعبوي وليس شعبي طبعا، لأن الخطاب الشعبي يحترم القيم و يتضمن الصدق والتطلع إلى الأفضل ونبذ الرذيلة ويستجيب للخطاب والفعل السياسي الحقيقي بحسه الشعبي الذي يجعله قادرا على التمييز بين الحقيقة والتضليل، فينتج الاقبال أو العزوف على الأحزاب أو الانتخابات مثلا.
أما الشعبوية فهي إفراغ الخطاب الشعبي من مضامينه وتصريف سياسة جوفاء وممارسة التضليل وإلهاء العامة، لأن الإلهاء كما يقول نعوم تشومسكي هو استراتيجية تشكل عنصرا أساسيا في التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل إنتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغيير التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة.
لقد ناضل المغاربة ضد الاستعمار وناضلوا بعد الاستقلال لبناء مجتمع الكرامة والتقدم ودولة الحق والقانون، وبعد مرور أكثر من ستة عقود في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلدنا، مليئة بالتضحيات والجراح الكبيرة والصدامات بين مشروعين مجتمعيين متناقضين لهما امتدادات تاريخية أفقية وعمودية، أحدهما يعتبر المجتمع في خدمة الدولة (التصور المخزني) والثاني يعتبر الدولة في خدمة المجتمع (قوى التحرر)، وصلنا اليوم إلى انتصار التصور المخزني، حيث أصبح جل الأحزاب يسودها الخطاب والفعل السياسوي وتحولت إلى نقط تجميع وتبرير الفساد بعدما كان مشروعها محاربة الفساد.
لقد عاش المغرب فترة مصالحة، كان من نتائجها استقرار ظاهري وضبابية في الرؤية السياسية "تلف على المغاربة لعدو"، وبدأت تحالفات وتشكلات سياسوية مبنية على زعامات غاية في الشعبوية سواء في الأغلبية الحكومية وليست الحاكمة طبعا، مثل بنكيران ومبدع، أو في أحزاب معارضة الحكومة وليس الحكم طبعا، مثل شباط ولشكر، حيث تمخض هذا المعسكر الأخير ليبشر بميلاد أو إحياء الكتلة الوطنية بشكل عصري وجديد، ليست على شكل كتلة تاريخية بالمفهوم الغرامشي طبعا، ولكن على شكل كتلة مخزنية.
يبقى الأكيد من كل ما سبق أن الآلة المخزنية قوية ورهيبة وقادرة على امتصاص رحيق كل قوة أينعت، والآن فإن بلادنا تعيش وضع الدولة القوية على حساب استقطاب النخب وإضعاف المجتمع، وهو صلب التصور المخزني العتيق، الذي له قدرة هائلة على التجدد، وليس العصرنة.
ومهما يكن فالاستقرار الحقيقي والمضمون هو الذي تكون فيه الدولة في خدمة المجتمع وليس العكس، وتكون الدولة تستمد هيبتها من الخدمات، الصحة لمن مرض، والتعليم للناشئة (ليس على النمط العيوشي طبعا)، والشغل للمعطلين وعدالة القضاء للمظلومين و...و ليس بالأدوات والأجهزة الزجرية.
كل علوم الاجتماع البشري تجمع على أن التمرد هو الوجه الثاني للخضوع، ومادامت ثقافة الخضوع قد اتسعت، فإن التمرد في الافق، وما الاحتجاجات المتزايدة إلا مقدمة له، والتمرد لا يعني بالضرورة التغيير، لان هذا الاخير يبنى على ارضية شيوع قيم المعرفة والديمقراطية والكرامة، وليس الجهل والامية وهدم المدرسة العمومية لصالح التعليم النخبوي، تعليم الأسياد والعبيد.
إن عالم اليوم أصبحت فيه العوامل الخارجية هي الاخرى محددة بنفس قوة العوامل الداخلية، وردا على كون ما قيل يمثل نظرة سوداء، فإن المجتمع المغربي بكل جراحه والجرائم التي مورست وتمارس في حقه، مجتمع تاريخي وحي، والعزوف هو موقف ضد المسرحية الجارية التي تلعب فيها جل احزابنا دور الكومبارس بسيناريو لنص غير ديمقراطي، مقابل قوى وجمعيات مناضلة ذات مصداقية لابد ستكبر مستقبلا لتجنيب بلادنا ويلات التقاتل الذاتي وداء سرطان الواو الذي أصاب السياسة والسياسيين.