HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

المعارك الحاسمة بعد أديس أبابا


ذ. محمد الحجام
الخميس 16 فبراير 2017




المعارك الحاسمة بعد أديس أبابا


انتهت أخيرا الدورة العادية الثامنة والعشرين لرؤساء دول وحكومات قمة الاتحاد الافريقي في مقر الاتحاد بأديس أبابا بدعوة قوية إلى الوحدة للحفاظ على السلام والاستقرار في القارة وعقدت القمة هذا العام تحت شعار الاتحاد الإفريقي "تسخير العائد الديموغرافي من خلال الاستثمارات في الشباب".

ومن ضمن أهم نقط أشغال القمة طلب انضمام المغرب للاتحاد، هذا الطلب الذي سبقه وواكبه العديد من المجهودات والاتفاقيات واللقاءات والنقاشات، ظاهرها طلب الانضمام المغربي ومضمونها قضية البوليساريو وصراع المغرب مع أعداء وحدته الترابية، حيث قلّل مراقبون من أهمية بعض المواقف الرافضة لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي على اعتبار أن 13 دولة أفريقية فقط من أصل 54 هي التي تعترف بجبهة البوليساريو، وأن عودة المغرب ستسمح له بالدفاع عن وحدته الترابية، وأن الترحيب الواسع بقرار الرباط مؤشر على أهمية المغرب بالنسبة لأفريقيا بحكم موقعه ووزنه الإقليميين.

ومعلوم أن المغرب كان قد انسحب من منظمة الوحدة الأفريقية، التي تغيّر اسمها لاحقا إلى الاتحاد الأفريقي، في نونبر 1984 احتجاجا على قبول انضمام البوليساريو.

وكانت أول ردود الفعل الرافضة لطلب المغرب قد صدرت عن وزيرة خارجية ناميبيا التي قالت إن المغرب لا مكان له في الاتحاد الأفريقي، وهي التصريحات التي كانت منعدمة التأثير بالنظر لكون 13 دولة أفريقية فقط من أصل 54 هي التي لم تصوت لصالح المغرب وليس بالضرورة ستستمر في موقفها المساند للبوليساريو، في حين شكلت الجزائر وجنوب إفريقيا خصما عنيدا ضد المغرب، وباءت محاولاتهم ومجهوداتهم المكثفة للحيلولة وعرقلة قبول طلب المغرب بالفشل.

وقبل انعقاد القمة وأثناءها كان الملك محمد السادس والوفد المرافق في أديس أبابا يجري اتصالات مكثفة أكد من خلالها أن هذه العودة "ستمكن المغرب من الدفاع عن حقوقه المشروعة، وتصحيح المغالطات، التي يروج لها خصومه داخل المنظمة الأفريقية، وسنعمل على منع مناوراتهم لإقحامها في قرارات تتنافى مع الأسس التي تعتمدها الأمم المتحدة لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وتتناقض مع مواقف أغلبية دول القارة".

من جانبها قالت ممثلة المغرب في الاتحاد البرلماني الأفريقي آمنة ماء العينين للجزيرة نت إنه من الطبيعي أن يكون هناك مؤيدون كثر لعودة المغرب باعتباره مؤسسا تاريخيا لمنظمة الوحدة الأفريقية، وهو ما يعبّر عن الوعي بمكانة المغرب ودوره الهام في تقوية العلاقات الأفريقية، وما سيعطيه ذلك من إشعاع للقارة بفضل موقعه الجغرافي وثقله السياسي باعتباره نموذجا جاذبا في المنطقة.

ومن الطبيعي أيضا أن تعارض بعض الدول عودة المغرب نظرا لتأثرها بتحركات الجزائر، وارتباط مصالحها بها "وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الطابع المصلحي والانتهازي الذي توظف من خلاله الجزائر أموالها في أفريقيا، حيث تربط المنح والمساعدات والاستثمارات بانتزاع مواقف معادية للوحدة الترابية للمغرب".

ومن الجزائر عبر قناة CNN العربية، عبّرت جبهة البوليساريو عن ارتياحها لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي خلال القمة الـ28 للاتحاد يوم الاثنين 30 يناير 2017، واعتبرت أن انضمام المغرب يمثل "انتصارا جديدا للشعب الصحراوي وقضيته العادلة"، وجاء موقف البوليساريو على لسان محمد سالم ولد السالك، عضو الأمانة الوطنية للجبهة، ووزير شؤون الخارجية داخل الجمهورية الوهمية التي تعلنها، متحدثًا عن أن المغرب "انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984 ، وها هو يعترف اليوم، بعد 25 سنة من محاولات متكررة، باءت كلها بالفشل، بأن ذلك هدف مستحيل".

وتابع ولد السالك في تصريحات صحفية نقلتها وكالة أنباء البوليساريو إن المغرب قرّر بعد كل هذا المسار من المحاولات "الجلوس مع الدولة الصحراوية داخل المنظمة القارية"، مضيفًا أن "انضمام المغرب بلا تحفظ إلى الاتحاد من شأنه أن يساعد في إيجاد حل للنزاع الصحراوي المغربي بين دولتين أفريقيتين جارتين وتتمتعان بالعضوية في الاتحاد الإفريقي".

في حين أكد الباحث الدكتور لكريني للجزيرة نت إنه يجب الانتباه إلى أن الرسالة التي وجهتها أغلبية أعضاء المنظمة بخصوص عودة المغرب لا ترحب بعودته فقط، بل إنها تدعو إلى إخراج جبهة البوليساريو من المنظمة باعتبار الجبهة كيانا دفع المغرب إلى المغادرة.

واعتبر أن الظروف الإقليمية والسياقات الداخلية والدولية التي يقرّر فيها المغرب اليوم العودة مختلفة تماما عن السياق الذي قرّر فيه المغادرة، وهي عودة -برأي لكريني- ستسمح للمغرب بتكسير منطق الصوت الواحد الذي ظل يتردد منذ الثمانينيات مروّجا لمغالطات تهم ملف وحدته الترابية.

وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية المكلف أمينه العام بنكيران بتشكيل الحكومة، فقد ورد في موقع الحزب تصريحا لنبيل شيخي، رئيس فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، إن "عودة المغرب للإتحاد الإفريقي هي عودة طبيعية وتتويج لسيرورة انخراط المغرب في تنمية القارة وتقوية شراكات جنوب-جنوب"، وأن المغرب ظل دوما قريبا من إفريقيا بفضل الملك محمد السادس ووالده الراحل الملك الحسن الثاني، أما غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي فقد فرضته الانحرافات التي عرفتها منظمة الوحدة الإفريقية بقبول عضوية كيان وهمي لا تتوفر فيه شروط العضوية حسب الفصل الرابع من ميثاق المنظمة، أي أن يكون العضو دولة مستقلة وذات سيادة، معتبرا أن عودة المغرب من شأنها أن تساهم في تصحيح الصورة للجيل الجديد من الرؤساء والدبلوماسيين الأفارقة ويقطع الطريق على أعداء الوحدة الترابية للمغرب.

ويبقى الأكيد في خضم كل هذه التطورات أن المغرب قد حسن موقعه بانضمامه للاتحاد الإفريقي، مما سيجعل الدبلوماسيات المغربية الرسمية منها والاقتصادية وباقي المجالات تشتغل وفق أجندات وبرامج وصلاحيات واضحة تتيح إمكانية الاجتهاد والإبداع والجرأة.

ويبقى الأكيد كذلك أن الضمانة الحقيقية ليس فقط لتحصين الوحدة الترابية (رغم أهمية المنظمات القارية والدولية) بل لكسب رهان التنمية والأمن هو ضمان كرامة المواطن المغربي في الديمقراطية والخدمات العامة خصوصا التي تعتبر حقوقا مقدسة في الأعراف والمواثيق والثقافات والديانات لدى كل الشعوب وعبر كل الأزمنة، وهي الحق في التعليم للناشئة والحق في الشغل للراشدين والحق في الصحة للمرضى والحق في العدل والإنصاف للمظلومين، ولا شيء مستحيل لأنه كما قالت الفيلسوفة سيمون فايل: "تحقيق حاجة شعب إلى الحقيقة يلزمها توفر أناس يحبون الحقيقة".

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير