HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

الملك، اليوسفي، والفساد ...


بقلم الأستاذ: محمد الحجام*
الثلاثاء 25 أكتوبر 2016




الملك، اليوسفي، والفساد ...








حدثان بارزان حظيا باهتمام ونقاش واسع، في منتصف هذا الشهر، (أكتوبر 2016) الحدث الأول: خطاب الملك محمد السادس حول الإدارة في افتتاح مجلس النواب الجديد، والتي دعا فيه الحكومة والبرلمان والأحزاب والنقابات إلى إصلاح الإدارة وجعلها في خدمة المواطن، وليس المواطن في خدمة موظفيها.

الحدث الثاني: زيارة الملك محمد السادس للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بالمستشفى وتقبيل رأسه.

ورغم أن الحدث الأول سياسي والثاني إنساني، إلا أن الحدثين لهما رابط رفيع وعميق ومباشر، لأن شخصية اليوسفي المتعددة والغنية، والتي ارتبطت في آخر محطاتها لحكومة التناوب التوافقي في أفق التناوب الديمقراطي، هذا الأخير الذي تحول إلى خروج عن المنهجية الديمقراطية وتعيين جطو من خارج الطبقة السياسية، فأكمل المكتب السياسي للاتحاد هذا الخروج عن المنهجية الديمقراطية أو التعاقد، بعدم تبنيه موقف كاتبه الأول وإعلان الولاء لجطو والمشاركة في حكومته بحجة استكمال الأوراش التي فتحت، فكانت النتيجة، الارتفاع المهول للعازفين عن الانتخابات 2007 كنتيجة لتنحية اليوسفي في 2002.

رسم الملك صورة سوداء عن الإدارة المغربية وعدد ظلمها وفسادها وتخلفها المضر بالمغاربة والمغربيات في مختلف مراتبهم الاجتماعية والعمرية، وبالخدمات العمومية، وهي نفس المسار الذي سار عليه اليوسفي لمعالجته، في حكومة التناوب التوافقي التي سحب البساط من تحتها في مرحلة الانتقال إلى التناوب الحقيقي.

مع اليوسفي عرفت مؤسسة الوزير الأول هيبة ومكانة واستقلالية واسعة لأول مرة في تاريخ المغرب، بعد حكومة المناضل عبد الله ابراهيم، في حكومة اليوسفي أجريت إصلاحات إدارية عميقة على أرضية العمل الإداري المؤسساتي وفق وضوح الاختصاصات والمسؤوليات، حيث تمت دراسة أزمة الاستثمار والمؤسسات المنتجة ووضع حل التشجيع والإعفاء الضريبي، وشفافية مسطرة الصفقات العمومية، وترشيد تدبير التسيب المستشري في النفقات العمومية، بإلغاء الغير الضروري منها، وتنظيم سيارات المصالح الإدارية وغيرها من القرارات والبرامج الهادفة إلى إصلاح الإدارة والرفع من مردودية خدماتها العمومية، الشيء الذي أدى باللوبي التكنوقراطي المتنفد داخل دواليب المسؤولية في إدارات ومديريات مختلف وزارات الدولة، إلى عدم الرضا على هذه المنهجية، لأنها بدأت تحد من التسيب والفساد والزبونية، ولم يرتاحوا إلا بعد إزاحة اليوسفي وإحلال تكنوقراط إسمه جطو ليس فقط محله، بل إجهاض مرحلة ذهبية من تاريخ المغرب، لو اكتملت لكان موضوع خطاب الملك في افتتاح البرلمان عن موضوع أعلى من الفساد والحڭرة الإدارية، التي تفشت بشكل مخيف أفقد الدولة هيبتها، خصوصا في القطاعات المصيرية التي تعتبر أولى حقوق الإنسان الأساسية والطبيعية، الصحة والتعليم والعدل والشغل، رغم انتفاضة حركة 20 فبراير (التي ازدادت شروط وجودها الموضوعية تضخما) وما تلاها من دستور 2011 وحكومة بنكيران (المطبعة مع السلوك المخزني المولد للفساد الإداري، مقابل خدمة مصلحة قواعدها وتنظيماتها الموازية) والتي احترمت المنهجية الديمقراطية مع بنكيران عكس اليوسفي؟.

إن الدولة في أدبيات علوم الاجتماع البشري والسياسي، هي مجموعة من المؤسسات المختلفة الاختصاصات والمهام والخدمات، تشتغل وفق طبيعة الحكم السياسي المؤطر لها، أو المصرفة لفلسفته، ومهما اختلفت تسميات الأنظمة، يتقاسمها نوعان بدرجات متفاوتة.

أنظمة ديمقراطية سواء ملكية أو جمهورية، تكون فيها الدولة في خدمة المجتمع، وبالتالي تستمد قوتها من قوة المجتمع السياسي والمدني والاقتصادي، في أحزابه ونقاباته وجمعياته الحقوقية والثقافية والمهنية على أرضية حرية التعبير والمنافسة في الاقتصاد، لأن الدولة الديمقراطية تتغذى في أطرها ورأسمالها البشري والبرنامجي والاستثماري من قوة المجتمع.

أنظمة تسلطية سواء ملكية أو جمهورية، يكون فيها المجتمع هو الذي في خدمة الدولة، وبالتالي تستمد الدولة قوتها من الإضعاف المسترسل للمجتمع السياسي والمدني والإقتصادي، لأحزابه بتدجينها ومضايقة واعتقال وتصفية الأطر المعارضة بل وحتى الوطنية وكذلك في جمعياته الحقوقية والثقافية والمهنية على أرضية تغييب وتغليف حرية التعبير والمنافسة الاقتصادية باقتصاد الريع، وسيادة ثقافة الخنوع والخضوع والتجهيل بدل التعليم والمرض بدل الصحة والظلم بدل الإنصاف والعدل، وهو حال المنظور المخزني في الحكم، الذي لا زال حيا ووازنا في الدولة المغربية، رغم كل ما بدل من مجهودات وما قدم الشعب المغربي من تضحيات، مثبتا كل مرة أنه يستحق أفضل مما هو عليه.

وهو ما عبر عنه بوضوح خطاب الملك محمد السادس في افتتاح البرلمان بجعل الدولة في خدمة المواطن بدل أن يكون المواطن في خدمة موظفيها، كما دعا جزء كبير من البرلمانيين الذين يعطون الأسبقية لخدمة مشاريعهم الخاصة على حساب تمثيل المواطنين، إلى التفرغ لمشاريعهم مادام ليس لهم الوقت والاستعداد للعمل التشريعي والسياسي.

فهل هذه الطبقة السياسية المنتخبة وأحزابها ذات تمثيلية الضعيفة، هي التي ستترجم هذا التوجه الملكي، أم الأغلبية الساحقة من السكان الذين لا يدينون بالولاء للأحزاب لأنها لا تمثل طموحاتهم، بل أغلبها أصبح امتدادا للوبي التكنوقراطي موضوع الحدث/ الخطاب، ولا تدين كذلك (الأغلبية) بالولاء للدولة، لأن أبنائهم لا مقاعد وتعليم عمومي حقيقي موفر لهم، ولا مؤسسات صحية وخدمات طبية لمرضاهم، ولا قضاء ذو مردودية ومنتوج منصف لتظلماتهم ولا شغل للخريجين، بل ولا صفقات للمقاولات الصغيرة والمتوسطة الممنوحة بالزبونية والولاء العائلي أو الحزبي الضيق، بل وحتى الطبقة الوسطى والشركات الشبه كبيرة التي يفترسها اقتصاد الريع وغياب المنافسة الاقتصادية التي تمثل الوجه الثاني للديمقراطية السياسية.

ومع ذلك يبقى الأمل كبيرا والمغرب يسير في استقرار بدون أساس اجتماعي، لأن الشعب المغربي له ضمانة الوصول إلى مرحلة تسمية الأشياء بمسمياتها، وهي بداية الطريق، خصوصا أن هاته المسميات جاءت على لسان الملك، ليس في البرلمان فقط حول الإدارة، بل كذلك سابقا حول الدبلوماسية المغربية، وقبلها حين أعلن عن المفهوم الجديد للسلطة، وقلص من الطقوس المخزنية، والتي عادت بقوة، ومع ذلك لنا الأمل ونحب الملك.


         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير