HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

حفل الولاء


الأستاذ عبد اللطيف مطرح
الخميس 30 يوليوز 2015




حفل الولاء








يعتبر حفل الولاء والبيعة حفلا رسميا بالمملكة المغربية يقام بالمشور قرب القصر الملكي بحضور رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب والمستشارين لصاحب الجلالة ورؤساء الهيئات الدستورية وكبار ضباط القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية والمدير العام للامن الوطني وشخصيات مدنية وعسكرية والولاة والعمال وممثلي جهات المملكة يرتدون الزي التقليدي المتمثل في البرنس والجلباب والطربوش الاحمر.
انه حفل بمناسبة اكبر عيد وطني يحتفل به المغاربة قاطبة يترأسه الملك برحاب المشور السعيد تخليدا لذكرى عيد العرش المجيد وذلك تجديدا للتعاقد الوطني الدائم بين العرش والشعب.
الا ان حفل الولاء اصبح يتعرض لعدة انتقادات بين مؤيد ولكل حججه وتبريراته.
من هنا يتعين الوقوف على معنى البيعة وتاريخها ومصدرها وحتى انواعها وما مدى شرعيتها قبل اصدار أي حكم كما يقول الحكيم نارادا (يجب ان نقرأ لكي نتعلم ونتعلم لكي نفهم ونفهم حتى نحكم) مثلما يفعل القاضي فلا يصدر الحكم بالادانة او البراءة حتى يستمع الى الدفاع محاميا ونيابة عامة وبسط جميع الدفوعات وطرح مجموعة من الاسئلة ليصدر حكما مبنيا على قناعته الشخصية المستمدة من وقائع وملابسات القضية مبنية على وسائل اتباث لا تدع مجالا للشك.
فمن لا يعرف معنى البيعة يبقى كلامه مردود لان فاقد الشيء لا يعطيه وليس كل من هب ودب يمكنه اصدار الاحكام على حفل الولاء او البيعة وحتى الفقهاء اختلفوا حول مفهومها الا انهم لا ينفونها والا نفوا تاريخا مجيدا من تاريخ المسلمين وسياستهم في الحكم.
ان التاريخ يحدثنا عن بيعة الرضوان وبيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية ثم بيعة ابي بكر الصديق وبيعة عمر بن الخطاب وسفيان وعلي ومن بعدهم جميع حكام المغرب.
ان البيعة تجد سندها من القران والسنة ان الذين يبايعونك إنما يبايعون الله الاية وعن رسول الله من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة الجاهلية وفي حديث اخر من بايع اماما فاعطاه صفقة يمنيه وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فان جاء اخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر.
اما من الناحية القانونية فالبيعة عند الفقهاء اعطاء السلطان حق الرئاسة في امور الدنيا والدين وهذا ما اكدته محكمة العدل الدولية عندما عرض عليها انزاع الصحراء فاقرت بان هناك روابط بيعة قانونية بين الصحراء والمملكة المغربية. وان الصحراء كانت تدين للملكة بالولاء.
واكد الحسن الثاني ملك المغرب رحمه الله بان البيعة هي رباط بينه وبين المغاربة وانه خديمهم وملكهم في نفس الوقت.
من خلال ما ذكر يتضح ان البيعة عقد وعهد وثيق وميثاق عظيم ومقدس يجمع بين الراعي والرعية، بيعة قائمة على حقوق متبادلة من دون اكراه او قهر.
ان البيعة بهذا المفهوم هي نظام حكم سياسي حظي باهتمام كبير من قبل فقهاء القانون والفلافسة والمفكرين.
لكن البيعة ظلت تتارجح عبر التاريخ وتاخذ اشكالا مختلفة بحسب الظروف السياسية و الاجتماعية.
الا ان ما يهمنا هو الوقوف على ماهية القيمة القانونية للبيعة، فانه لا بد من الوقوف على دساتير المملكة المغربية التي قننت الامارة و نظمة الحكم حسب الفصلين 19 و 20 منه.
ان اول دستور لسنة 1962 لا ينص على البيعة بالحرف ولكن يعتبر في مضمونه بيعة بواسطة استفتاء الشعب على الحاكم والدستور يبقى عبارة عن وثيقة مكتوبة بشكل واضح وصريح على من يتولى الإمارة.
فالملك هو من يختار خلفه ويترك لأهل الحل والعقد تقديم البيعة للخلف. بحيث أصبح حق اختيار ولي العهد مسالة من اختصاص الملك ولم يصبح للنخبة اختيار الأصلح من بين أفراد الأسرة الملكية فهل معنى هذا إسقاط الشورى في اختيار الخلف واستغناء عن الأمة في اختيار الأصلح.
نقول ردا على هذه الاسئلة بان الجواب عنها يكمن في الدساتير المغربية وطريقة الاستفتاء الذي يعتبر استفتاءا شعبيا مباشرا وبالتالي فهو استفتاء للامة عن الحكم ولما وافقت الامة على مضامينه بخصوص الاستخلاف والامارة فان هذا يدخل في باب الاستشارة وبالتالي فالبيعة بهذا المفهوم اصبحت مدسترة. وبالرغم من ذلك فانه بمجرد وفاة الملك الحسن الثاني طيب الله تراه فان محمد السادس اقام مراسيم البيعة بالقصر الملكي وشاركت فيه هيئة سياسية من الوطنيين الشيء الذي يزكي شرعية الملك بالرغم من كون جميع الدساتير المغربية لا تنص على البيعة وفي هذا تماشيا مع راي الفقهاء اهل السنة الذين يرون بان البيعة شرط واجب لصحة الولاية ويشبهها البعض بعلاقة الوضوء بالصلاة وانه من دون بيعة تسقط الطاعة الواجبة تجاه الامام في الوقت الذي يرى فيه الشيعة ان الولاية ثابتة والبيعة هي مجرد تاكيد لها.
وبالتالي فإقامة حفل الولاء والبيعة ركن أساسي لاكتمال شرعية إمارة المؤمنين بحضور المؤسسات الدستورية والعلماء والأعيان ورؤساء القبائل حتى لا يكون الأمير فوق القانون بالرغم من قراءة الراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله لكتاب ميكيافيلي "الأمير" أكثر من مرة فهو لم يكن ميكيافيليا
متحللا من كل الالتزامات القانونية بل كان يومن بدولة القانون ودولة المشروعية. ان البيعة تبقى عقدا بين الراعي والرعية قوامه الترتضي بين الطرفين، هذا التراضي الذي من دونه يكون العقد معيبا قائما على القوة والغلبة فقط والتي لم يراها رحمه الله على هذا المنوال بل اكد اكثر من على حرية التعاقد في هذا الباب .وما اقامة حفل الولاء والبيعة الا تاكيد لارادة ممثلي الامة واضفاء الشرعية على السلطة.
ان الحسن الثاني لم يكن في فلسفته بخصوص عقد البيعة هوبزيا نسبة الى الفيلسوف هوبز، فلم يعتبر افراد الامة قد تنازلوا عن كل حقوقهم حتى يتصرف فيها بدون قيد او شرط.كما انه لم ير ان الحاكم ليس طرفا في هذا العقد وان اوامره يجب ان تقابل بالطاعة في جميع الاحوال مما يكرس الاستبداد والطغيان.
ان الحسن الثاني رحمه الله كان قريبا جدا من فلسفة (لوك) الذي اعتبر الحاكم طرفا في العقد بحيث اذا لم يحافظ على شروطه جاز للجماعة فسخ العقد. أما الفيلسوف جان جاك روسو فكان يعتبر مصدر السلطة هو الشعب والحاكم معبر عن هذه الإرادة. هو المفكر الذي يمكن القول انه من أشعل فتيل الثورة الفرنسية سنة 1789 ميلادية بالثورة على الكنيسة عكس نظام الحكم في الإسلام الذي لم يكن كهنوتيا في يوم من الأيام بل شريعة نظمت علاقة الانسان بدينه وعلاقته بغيره من الناس وبالتالي فان نظرية العقد الاجتماعي جاءت لاسترجاع الحقوق في حين الإسلام أسس للقانون.
ان الاسلام لن ينص على شكل معين ومحدد لقيادة الدولة بل وضع تصورات عامة واصول ثابتة حتى يترك الباب مفتوحا للتماشي مع المتغيرات، وعرف فصل السلط حيث السلطة التشريعية هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس. والسلطة التنفيدية في يد الامام اما السلطة القضائية فبيد القضاة ولما كانت الامة لا يمكنها ان تحكم فان الحاكم هو الامام الذي يتم اختياره عن طريق البيعة واطراف العقد هما الشعب والامام على الشعب
الولاء والطاعة وعلى الحاكم ان يحكم بما انزل الله وما يؤكد فصل السلط قول عمر بن عبد العزيز "ايها الناس انه لا كتاب بعد القران ولا نبي بعد محمد الا واني لست بقاضي ولكن منفذ ولست بمبتدئ ولكني متبع" الشيء الذي يوضح ان صاحب السيادة هو الشعب وما دام لا يملك مباشرة الحكم بنفسه فان الوكيل عنها هو الامام المختار عن طرق البيعة. يلتزم الامام بتطبيق الشرع وبالمقابل يلتزم الشعب بالطاعة والخضوع لأوامره في إطار تحقيق الرقي.
تبقى مسالة مهمة من ضمن الانتقادات الموجهة الى حفل الولاء وهي مسالة تقبيله اليد او الانحناء اثناء الحفل التي يمكن وصفها بانها تدخل في ثقافتنا الشعبية ومنتشرة منذ زمن بين الشرفاء وغيرهم حيث يقبل الولد يد ابيه والمتعلم يد معلمه والمريد يد شيخه يبقى حفل الولاء سواء انعقد بالمصافحة او تقبيل اليد أو الانحناء امتدادا لثقافتنا وتقاليدنا من القاعدة الى اعلى الهرم ومجرد تذكير بواجب الطاعة والولاء لامير المؤمنين طبقا للاية الكريمة "وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين".
السؤال فما هو سر عظمة اليابان ورقي اخلاق شعبها. ان الولاء والطاعة لاولي الامر من دونهما لا تستقيم حياة الامم والشعوب و ما قوله تعالى في هذا الباب الا تاكيد لما ذكر.يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولى الامر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه اللا الله والرسول ان كنتم تومنوا بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا وانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما هو حال عند تجنب العدل بين الرعية في الحقوق والواجبات وعدم اشراك الشعب في رسم سياسة الدولة فهذا يعني التخلي عن مبدأ الشورى عند المسلمين.
ان الولاء والانتماء الى الوطن يبقى كفيلا لسد النقص في الموارد والثروات الطبيعية كما هو الشان عند اليابنيين باعتبارهما السبب الرئيسي في التطوروالازدهار الذي حققته اليابان رغم قلة مواردها بعيدين كل البعد عن الولاء للطائفة او القبيلة او العائلة التي تعتبر من اخطر التاحديات التي تواجهها معظم الدول العربية الان.
ويلتقي هنا الفكر الماركسي مع اللبيرالي وحتى الوجود على اعتبار الاواصر والروابط الاسرية روابط لا قيمة لها بحيث المهم هو اخلاص المؤمن لدينه كاخلاص الربان لسفينته واخلاص المواطن لوطنه لان للوطن فضل علينا وبالتالي يبقى الولاء له دين في عنقنا مهما اتخذ من اشكال فعندما اقبل يد امي في انحناء شديد ليس ركوعا لها وانما اعتراف بجميلها وكيف لا وهي التي حملتني في بطنها كرها ووضعتني كرها كما جاء في كتاب الله عز وجل.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير