HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

صراع الخدم المخزني وديمقراطية ماروكان


ذ. محمد الحجام
الثلاثاء 17 يناير 2017




صراع الخدم المخزني وديمقراطية ماروكان





حين يكون هذا العدد قد صدر إلى الوجود، تكون الحكومة عفوا البرلمان قد بدأ في انتخاب رئيسه ومكتبه وهيكلة لجانه، نتيجة الأمر الملكي السامي لاستكمال المصادقة على القوانين المنظمة للاتحاد الإفريقي، لأن الزمن أصبح ضيقا لتقديم طلب المغرب للانضمام إليه، وليس العودة كما هو شائع في الكلام الرسمي، لأن هذا الاتحاد تأسس سنة 2000 على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، التي انسحب منها المغرب سنة 1984، إذن فالأمر انضمام للاتحاد وليس عودة لمنظمة لم تعد قائمة.

أما عامل الزمن المغربي في تشكيل مؤسساته التنفيذية والتشريعية، "فلا زرْبة عْلىَ اصْلاح" حتى يتم تدارك وإعادة ترتيب خسارة الحساب التي أفرزتها نتائج انتخابات 7 أكتوبر الفارط، رغم كل ما رافقها من تخطيطات وتدخلات وترتيبات، أثبتت في النهاية أن أصحاب الحال عليهم استبدال الأساليب بل الفهم لما يجري في بلدنا السعيد، وأولها أن المصباح هو نسيج اجتماعي وليس حزبا وفق المتعارف عليه، والدليل أن حكومة بنكيران الأولى أسندت إليها كل الملفات والقرارات الماسة بقوت الشعب ونفذتها، ورغم ذلك احتل المصباح المرتبة الأولى، لأن قوته في قاعدته البشرية المرتبطة بمصلحة نون الجماعة في الجمعيات والتعاونيات، وليس في الأداء السياسي الحكومي، حيث ينافس صقور المصباح خدام المخزن في الولاء وخدمة المقدسات بما فيها المربعات المخزنية المناهضة لأي تقليص لسلطات الملك لفائدة المؤسسات المنتخبة.

لهذا فالصراع والبلوكاج والحوارات الجارية بين الأحزاب تكمن أساسا في احتلال المواقع والمربعات داخل الحرملك، إنها صراعات الخدم المخزني الإخواني والحداثي على حد سواء، ويبقى الأكيد أن الضحية الأولى لهذا الترهل السياسي الذي أصاب الأحزاب هو الحداثة والتقدم والتنمية وكرامة الشعب والتنزيل الديمقراطي لدستور 2011 ، والرابح الأكبر هو توغل التصور المخزني داخل دواليب الحكم، هذا التصور الذي لا يقبل لخدمه أو لأي طرف منهم أن يكبر أكثر من اللازم، لأن الخدم الحاملين أو الجارين للعربة المخزنية يجب أن يشعروا بأن سير العربة غير متوقف على أي أحد منهم وأنها تسير بوجوده أو بغيره.

إن ما يجري الآن هو تقليص من تجاوز حجمه السقف المطلوب من الخدم، وفعلا تسير الأمور في عزم المصباح عن الباقي، لإعادة وضعه ضمن المربع المراد وضعه فيه.

وهكذا نرى أن من ميزات المغرب هو غياب الخط الفاصل بين الأغلبية والمعارضة، وهو ما جعل البرلمان يتكون ويتهيكل قبل الحسم في من سيكون محسوبا عن المعارضة أو في الأغلبية.

أكيد أن مخرجي السيناريوهات المخزنية في بلدنا السعيد والآمن والمستقر، لهم ما يكفي من الذكاء والدهاء لإنتاج خريطة سياسية وفق المطلوب، لكن لهم ما يكفي من العناء الاجتماعي والتاريخي، لأن قتل وليس إضعاف القوى التقدمية في تجربة التناوب ل 2002 خلقت الظروف خصبة للنبات السلفي والتي يشكل المصباح جانبها المضيء وقتله هو الآخر من شأنه أن يقوي الجوانب المظلمة في السلفية المستشرية، خصوصا أن قاعدة كل الأحزاب والفاعلين السياسيين في الانتخابات لا تتجاوز 20 في المائة من الشعب المغربي، وتبقى 80 في المائة التي لا تدين بولائها للأحزاب، ليست أوتوماتيكيا تدين بولائها للدولة والنظام ككل، لأن الولاء للدولة حتى ولو كانت مستبدة يكون بتوفيرها للخدمات العامة للشعب وخصوصا المقدسة والأساسية منها، في التعليم المجاني للناشئة، وفرص الشغل للخرجين، والخدمات الطبية للمرضى، والإنصاف والعدل للمظلومين، والسكن والبيئة السليمة والكرامة للأسر، كحقوق وليس امتيازات، وفي هذا الوضع أو السياق حذرت مؤخرا الأمم المتحدة المغرب من شبابه، نتيجة إحباطهم ووجودهم خارج الرهانات، بالرغم من أنهم قاعدة الهرم السكاني؛ وذلك بعدما كشفت دراسة تقييمية مستفيضة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشباب، في الفترة من 2011 إلى 2016، عن مؤشرات صادمة تنبئ، في حال استمرارها، بوضع مقلق في أفق 2030.

وورد في التحذير ذاته أن المؤشرات التي تم الاستناد عليها تتعلق أساسا بالنظرة التشاؤمية للشباب بخصوص التحديات التي تواجه المغرب، إذ تقتنع الأغلبية بسوء أوضاعها الاقتصادية، بالقول إن الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار هي التحديات الأولى للمغرب بنسبة 83.9 في المائة، والفساد المالي والإداري بنسبة 9,6 في المائة، ثم عدم الاحساس بالسلامة والأمن 41 في المائة.

ومعلوم أن كل علوم الاجتماع البشري تؤكد أن الاستقرار الحقيقي هو الاستقرار الاجتماعي، وليس الأمني فقط، لأن هذا الأخير يكون مضمونا ومستداما إذا كان مبنيا على أساس اجتماعي يضمن للمواطن كرامته الإنسانية والمعيشية.

إن الذين يعتبرون هذا الكلام سوداوي بحجة أن المغرب أفضل حال من مصر وليبيا وسوريا والجزائر وتونس، هم محقون إزاء المغرب النافع المشكل ل 20 في المائة من السكان، وليس لسواد الشعب أو "اشْعيبَة" المغلوبين على أمرهم، كما لهم الحق في أن "اشعيبة" محروس بقبضة حديدية ومخترق بالثقافة المخزنية المنتجة للرضوخ والخوف، غير قادر على إحداث تغيير في الوطن، لكن ما يجب استحضاره حسب قوانين التاريخ والجغرافية والسياسة وما يجري فينا وحولنا يؤكد أن "اشعيبة" إذا لم يتم تدارك وضعه المأزوم سينتج وهذا ما لا يتمناه أي إنسان فبالأحرى وطني، سينتج التمزق الاجتماعي واتساع الجريمة والفوضى المجالية والفتنة التي تسقط هيبة الدولة وتعمم وتشرعن سلط الجرائم المنظمة والفئوية، لأن التمرد هو الوجه الثاني للرضوخ.

ومع ذلك فالشعب المغربي يختزن من الطاقات البشرية النزيهة ما يكفي لإصلاح عبث الطبقة السياسية وتخلفها، ويبقى السؤال كيف السبيل إلى إعادة الاعتبار للثقة في السياسة خصوصا لدى الطبقة الوسطى التي تعتبر "حَمٌارْ الخيمَة" ووضعها اجتماعي إلى كان ميسورا ينعش معه القاعدة الشعبية التي ولدتها، ويحد من نهم وبطش الفئة المهيمنة التي توغلت أكثر ليس في المغرب فقط بل حتى في أوروبا وأمريكا، مما يذكر بعودة فترة الديكتاتوريات في الثلاثينات بعد التآكل المتزايد للديمقراطية في الغرب الذي تجتاحه موجة اليمين والتطرف والعنصرية.









         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير