HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

هل بإمكان القنافذ والخفافيش الانتخابية أن تنتصر على الإرادة الملكية؟


الدكتور زهر الدين طيبي
الاثنين 20 أكتوبر 2014




هل بإمكان القنافذ والخفافيش الانتخابية أن تنتصر على الإرادة الملكية؟
طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور ترأس جلالة الملك في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر التي وافقت العاشر منه بمقر البرلمان بالرباط افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة، وقد جاء الخطاب الافتتاحي بحمولة سياسية موجهة بالخصوص للأحزاب والفاعلين السياسيين في أفق الاستحقاقات المقبلة والتي سوف تعرفها السنة التشريعية الحالية٬ حيث دعا جلالة الملك الجميع للإعداد الجيد لها والتحلي بروح الوطنية الصادقة في احترام إرادة الناخبين.
وقال جلالة الملك في هذا الصدد، إن “هذه السنة ستكون حافلة أيضا باستحقاقات هامة وفي مقدمتها إقامة الجهوية المتقدمة”، مضيفا أنه ” وعلى بعد أقل من سنة، على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين : ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام ؟”.
وأكد جلالة الملك أن التحدي الكبير الذي يواجه مغرب اليوم، لا يتعلق فقط بتوزيع السلط، بين المركز والجهات والجماعات المحلية، وإنما بحسن ممارسة هذه السلط، وجعلها في خدمة المواطن، موضحا أن الانتخابات المقبلة، لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها. وإنما يجب أن تكون مجالا للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية.
ونحن نقبل بخطى حثيثة على تنزيل الجهوية المتقدمة، يبقى هذا السؤال الملكي هو محور اهتمامات النخب والأحزاب والمواطنين على حد سواء. لقد كنت وسوف أظل من المدافعين على الدستور الجديد بالمغرب، لقناعتي أن حمولته وإن لم ترق إلى المستوى المطلوب، تبقى حمولة مهمة في إطار الانتقال الديمقراطي الذي يعرفه المغرب والذي يعد حتمية تاريخية لابد منها حتى لا تكون هناك سكتة قلبية وتصبح السقطة قاتلة، على الأقل على المدى القريب والمتوسط. قد يتفق معي البعض، وقد يختلف معي البعض الآخر، لكني أومن أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. وأعترف اليوم أن البسطاء من هذا الوطن الممتد من طنجة إلى الكويرة، ومن وجدة إلى أقصى غرب المغرب، والذين صوتوا بنعم لصالح الدستور، سيكونون على صواب إذا ما باتوا يرددون اليوم ومنذ التصويت وربما قبله، أن الدستور الجديد لن يغير من وضعنا الاجتماعي شيئا، وأن تلك الطبقة السياسية المهترئة سوف تستغل مرات ومرات بؤس فقرائنا الكثر، والذين قد يزداد عددهم مع الإحصاء الأخير. ومرد ذلك هو جهل ساكنة الكثير من أحياء مدننا وقرانا التي أثثها الزمن والسياسة السياسوية بالطرقات المنهكة بعملية الترقيع المتكرر، وانعدام الصرف الصحي وغياب أبسط البنيات…على اعتبار أن كل الفاسدين والمفسدين في هذا البلد سوف يستمرون في مكامنهم وأوكارهم يمارسون شغلهم الشاغل في العهر السياسي و تزييف الواقع وممارسة هوايتهم في تزوير نتائج كل الاستحقاقات بالطرق المعهودة، ونهب المال العام جهارا بالتملص والتهرب الضريبيين وكل الامتيازات الأخرى البعيدة عن مفهوم اقتصاد الريع الذي أنهكتنا به أبواق الحكومة الحالية٬ والتي سوف لن تتغير حتما بعد هذه الجمعة الثانية من أكتوبر، والتي تتزامن مع الدخول البرلماني والسياسي الساخن بالقرارات اللاشعبية و المثقل بالانتظارات الشعبية في ظل إصلاحات أنظمة التقاعد التي تثقل كاهل الموظف الذي لا ذنب له فيما آلت اليه الصناديق وسوف يجد نفسه مرغما على المساهمة أكثر٬ والعمل أطول من أجل تأمين تقاعد أقل٬ إضافة إلى الاعتماد الجزئي لنظام المقايسة والزيادة السابقة في الوقود والاضرابات القطاعية المختلفة التي تلوح في الأفق.
وبالعودة الى الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان نتساءل: هل يحق لنا أن نحلم بنخب جديدة في مشهدنا السياسي المغربي المثخن بجراح الفساد الانتخابي؟ وهل سيمكن تنزيل الدستور من تجاوز أخطاء الماضي، التي جعلتنا في هذه الربوع من الوطن العزيز لا نعدو أن نكون مجرد سوق انتخابية يبيع فيها مجازا “الناخبون الكبار” أصواتهم مقابل سيارات أو امتيازات أو مبالغ مالية لبعض هؤلاء، في حين لا يتورع عامة الناس أن يبيعوا أصواتهم لبرلمانيي آخر زمان في سوق النخاسة الانتخابي، مقابل دريهمات معدودة إما بفعل الحاجة أو بفعل الأمية والجهل، وربما أيضا بفعل غياب الطبقة الصامتة من المثقفين عن العمل السياسي وعدم ثقتها في الأحزاب وهي الطبقة التي لا تصوت ولا تحسن غير الانتقادات في المقاهي….
المأمول حقا هو أن يتجاوز المغرب بعد تنزيل هذا الدستور كل هذه التعثرات الخطيرة والهيكلية في الفعل السياسي، وإن كان الواقع يؤكد أن هذا المطلب لا يزال بعيد المنال ما دامت معالم النخاسة الانتخابية تعود للواجهة بمدينة وجدة ومختلف مدن الجهة الشرقية عند كل موسم انتخابي، وحتى التصويت العقابي لم ينفع باعتبار ان مشروع حزب العدالة والتنمية أرهق العامة بالزيادات والإصلاحات دون تحقيق ولو جزء أدنى ومقبول من الوعود الانتخابية في محاربة الفساد٬ وفشل المعارضة في إيصال انتظارات الشارع المغربي الكبيرة بعد التعديل الدستوري لسنة 2011. وما دمنا نجد نفس سلوكات المرشحين، فهذا يهرول بحقيبته المالية المثخنة بأموال لا يزكى عنها ولا تؤدى عنها الضرائب، بل وقد تفوح منها رائحة المال الحرام، الذي لا يستفيد منها غير أخطبوط الفساد، و أولئك الذين تخصصوا في النصب الانتخابي حتى كدنا نعتقد أن الفساد والنصب الانتخابي زادا استفحالا عوض تراجعهما، وهاهم هؤلاء قد عادوا جميعهم ليضحكوا أمام الملأ من جديد على ذقوننا وذقون الحالمين بالنخب الجديدة.
عن أي نخب يتحدثون، والبرلمان قد أصبح ساحة للركل والضرب والعض مباشرة بعد انتهاء الخطاب الملكي؟ وعن اي نخب يهمسون، ونحن لا نرى غير الأسماء ذاتها، نفس الوجوه والأسماء بمختلف الأحزاب، منهم من يحسم أمر التزكية في المركز، ومنهم من ينتظر دوره في سلم الترتيب وما بدلوا تبديلا، وكأن وجدة لم تنجب غير هذه الوجوه الفاشلة بامتياز والمتفننة في بيع المناصب و تحويل الصفقات و في تقسيم الكعكة بين الجهة والبرلمان والجماعة، وكأن رحم الأحزاب المغربية لم ينجب غير ذات الأسماء، وغير أبناء الزعماء الجاثمين بالوراثة على ظهورنا منذ الاستقلال، يأتون من بعيد لشراء مقعد كان حتى وقت قريب يضمن الامتيازات والمصالح، فعن أية نخبة يتحدثون وهم لا يزالون يحضرون لإدماج أسماء بناتهم وأولادهم في اللوائح الوطنية، والأسماء المقترحة للاستوزار، بل أن بعض المكاتب التنفيذية تشتعل نيرانها بين الأعضاء بخصوص توريث المناصب للبنات والبنين، ومناسبة التعيينات في المناصب العليا وقد منحتهم اللائحة الوطنية أحقية الدخول من النافذة مباشرة للبرلمان، دون عناء ودون احتكاك، ولسنا نفهم لا من يمثلون ولا أية دوائر انتخبتهم، شأنهم شأن النساء، فنحن لا يجب أن نتفضل على المرأة بالكوطا سابقا وباللائحة الوطنية حاليا، ما دامت هذه المراة تطالب بالمناصفة وهو حقها، فما عليها إلا المقاومة داخل أحزابها وخوض الانتخابات المباشرة، ولها أن تحصد حتى الأغلبية إن استطاعت لها سبيلا..
إن اعتماد الكوطا سابقا لم يكن دستوريا، وبالتالي فما نخشاه عبر اللائحة الوطنية الحالية، هو عودة الثلث غير المباشر بقناع جديد، حيث أن 90 مقعدا تمثل نسبة مهمة تقارب الثلث من المقاعد التي تمنح دون حساب ولا متابعة من طرف الناخبين، فنحن لا نعرف أية دائرة يمثل الشباب أو النساء في هذه اللائحة٬ اللهم ارتباط أسماءهم بالزعامات الديكتاتورية داخل الأحزاب أو لوبياتها… والمعول أن تدخل غمار المشهد السياسي المغربي فئة جديدة من النخب داخل الأحزاب لتغير هذا التوجه السائد في الواقع السياسي المغربي.
الواقع أننا، وحتى إشعار آخر، لا يجب أن ننتظر نخبا جديدة لا محليا ولا جهويا ولا حتى وطنيا، ولا يحق لنا حتى التساؤل عن النخب لأنها ببساطة لا تزال مرتبطة بمفهوم الخلان والأحباب والصحاب، وذوي المال والنفوذ، وبالتالي نقول أن علم أمر النخب يوجد فقط عند الحكومة والأحزاب، ولا داعي حتى للحلم ببصيص أمل في نخب جديدة، بمعيار الكفاءة والأحقية، مادام التوزيع يبدأ في مراكز القرار ولا نسمع عند كل نوبة انتخابية سوى أنه انتهى والسلام…
أدرك أن هامش الثقة بدأ يزداد تقلصا في الطبقة السياسية المغربية، وإن كنت أعي جيدا أنه لم يكن قط في قنافذها أملس، لكني بدأت أتساءل من جديد هل بإمكان هؤلاء القنافذ وتلك الخفافيش التي تحسن اللعب في الظلام أن تنتصر علينا مرة أخرى، رغم الدستور وكل هذه المكاسب التي أحرزناها !؟؟ وحتى انتخابات أخرى بطعم التنزيل الحقيقي للدستور، لا يسعنا أن نقول إلا دام المواطن في رعاية النصب والفساد الانتخابي٬ ودامت النخب للأحزاب ومن فيها من الأحباب والأبناء والأصحاب.
المأمول أن يتمكن القانون الانتخابي من تجاوز أخطاء الماضي، لكن المطلوب في قانون الأحزاب والقوانين التنظيمية المرتقبة وكذا مدونة الانتخابات هو القطيعة مع كل أساليب العهود البائدة في الحصول على التزكيات وشرائها، وزجر استعمال المال العام وأساليب النخاسة الانتخابية ومنع كل أشكال تلك الكائنات التي أصبحت كائنات انتخابية بامتياز، والأساسي قبل هذا وذاك، هو فسح المجال للشباب المثقف والنخب الحقيقية لتحمل المسؤولية وخوض غمار التجربة وفق الكفاءات وليس عبر الولاءات.
المطلوب أيضا اليوم هو إرادة حقيقية من طرف كل الأجهزة المعنية في دواليب الدولة والأحزاب للقطع مع أساليب الماضي، وتوفير الشروط لنخب جديدة وكفؤة للوصول إلى قبة البرلمان. حتما، سوف نثمن استقالة كل الخفافيش البرلمانية إن هي استطاعت لذلك سبيلا، وسوف نثمن عاليا عدم تزكيتها من طرف هياكل أحزابها إن هي تجددت، والمؤكد أن الخفافيش سوف تلح في طلب خوض التجربة الحداثية بمالها الحرام وأساليبها المعهودة، والقنافذ سوف تخلف صغارها في كراسي القرارات. لكن المغرب اليوم يريد نساء ورجالات من طينة جديدة، يريد نخبا تعوض كل الأسماء المبتذلة جهويا، كما يطمح كل المغاربة في تغيير تلك النخب التي عمرت طويلا في هرم الأحزاب والبرلمانات المغربية المتعاقبة، وما نريد حقا هو ألا تركب موجة التغيير والتشبيب بآلية الوراثة، لتنتقل النخب والامتيازات من الآباء إلى الأبناء، كما انتقلت سابقا من الأجداد إلى الآباء الذين هرموا في السلطة والتسيير وما ظنوا أنهم سيعيشون مثل هذه اللحظة التاريخية، لحظة تطبيق روح الدستور والقطيعة مع أساليب الماضي…. فهل ستخرج الخفافيش من جحورها بعدما سطعت شمس الدستور الجديد، وهل تغير الطبقة السياسية عندنا فروتها بعد الخطاب الملكي؟ هذا ما سوف نتمنى أن تكشف عنه القوانين والاستحقاقات المرتقبة….

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير