أنا مع بنكيران.. أنا ضد بنكيران !!


حميد المهدوي
الأربعاء 2 نونبر 2011


داخل ثلاجة بمستشفى شارع الزاوية بالعاصمة الليبية طرابلس، احتفظ (المسلم !!!) "الديكتاتور" الراحل معمر القذافي لمدة تقارب الثلاثين سنة، بجثث مواطنين ليبيين، كانوا قد شاركوا في محاولة إنقلاب فاشلة على حكمه عام 1984.


وبسادية لا تقل عنها قسوة، نكل الثوار(المسلمون !!!) بجثة القذافي شر تنكيل، وصل الأمر حد إفتاء الشيخ الصادق الغلياني مفتي الديار الليبية بتحريم إقامة الصلاة على القذافي في مساجد المسلمين أو إقامة صلاة الجنازة عليه من قبل العامة والأئمة والعلماء، لأن القذافي بنظر المفتي (كافر)، علما أن الكفر لايسقط عن صاحبه إلا إذا امتنع عن الشهادة بأن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، أو ترك الصلاة، مصداقا للحديث النبوي"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ومن تركها فقد كفر". وما كان القذافي بتاركها.

وفي مشهد آخر لا يقل خسة وجبنا عن المشهدين الأولين وإن كان ذلك بطريقة أخرى، شارك (المسلمون !!!) القطريون إلى جانب إخوانهم (المسلمين !!!) الثوار الليبيين تحت قيادة حلف "الناتو" (الكافر) حسب قواعد عقيدة أولئك (المسلمين !!!) في عمليات تحرير الأراضي الليبية من قبضة "الديكتاتور" الراحل معمر القذافي، كما لو كان الأخير بمثابة إيهود أولمرت الذي دك جنوب لبنان عام 2006 مخلفا أكثر من 1200 شهيد معظمهم من المدنيين العزل، أو حين أوقعت إسرائيل أكثر من 1400شهيد و5000مصاب غالبيتهم من الأطفال والنساء سنة 2008، في عمليات أطلق عليها اسم "الرصاص المسكوب".

وفي عمق التاريخ الإسلامي، قتل (المسلمون !!!) علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، بل إن الصحابي الجليل عثمان بن عفان قتل بفظاعة لا نظير لها، ودفن جثمانه، ليعاد نبش قبره مرة أخرى، حيث سحبت جثته، وهشمت عظامها بوحشية قل مثيلها من طرف (مسلمين !!! ) كان مشهودا لهم بالالتزام بفرائض الشرع، حسب ما أورده أشهر أئمة الإسلام كالطبري وابن تيمية في كتبهم المؤرخة لذلك.

عندما تحضرني هذه المشاهد الفظيعة، والتي هي المناسبة فقط نزر قليل، من فظاعات عديدة ارتكبها من ينتمون لخير أمة أخرجت للناس، ونحن على أبواب إستحققات إنتخابية جديدة، حيث كل المعطيات السياسية الإقلمية منها والداخلية تسير في إتجاه تصدر حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية للمشهد الإنتخابي المغربي المقبل لا يسعني إلا أن أقبض على قلبي خوفا من القادم.
صحيح أن حزب العدالة والتنمية لايبدو متطرفا في مواقفه السياسية، غير أن كل شئ يبقى واردا مادام أنصاره قابلون لتغيير جلدهم في أية لحظة. الم تكن المقاعد البرلمانية رجس من عمل الشيطان في أدبيات الشبيبة الإسلامية والجماعة الإسلامية التي يشكل مناضلوها اليوم قيادة العدالة والتنمية ؟

ولعل المتأمل للبرنامج الإنتخابي الذي قدمه الحزب مساء الثلاثاء 25أكتوبر الجاري، في ندوة صحافية بالرباط، سيستشف منه عمقا انتهازيا وحسا "براغماتيا" يحاول بواسطته بنكيران وإخوانه، دغدغة عواطف المغاربة عبر استهداف نقطة ضعفهم، جيوبهم، بتحديد 3000 درهم كحد ادني للأجور و1500درهم كحد أدني للمعاش، علما أن الأجور لا تأخذ قيمتها إلا عندما تكون الأسعار في المتناول ومستقرة. فتكلفة العيش قد تصبح مضنية حتى ولو حدد أدنى الأجر في 10000درهم.

إن البرنامج الذي قدمه بنكيران وإخوانه في تقديرنا المتواضع لا يطرح الأسئلة المحرقة التي من شأن الإجابة عنها الخروج من الأزمة العميقة التي تتخبط فيها البلاد.
ولعل في صدارة تلك الأسئلة نجد الديون التي تمتص لوحدها قرابة 50 في المائة من الناتج الوطني الخام، إضافة إلى سؤال آخر لا يقل أهمية يتعلق بالتملص الضريبي لكبار الملاكين العقاريين وأرباب الشركات والمقاولات الكبرى، حيث ملايين الدراهم تفوت سنويا على ميزانية الدولة، والتي من شانها على الأقل نزع فتيل البطالة التي باتت القنبلة رقم واحد في المغرب.

والظاهر أن بنكيران بـ"براغماتيته" المعهودة، يعي التبعات السياسية للتطرق لمسالة الديون والتملص الضريبي، ففي الأولى يخشى غضب الغرب على ديونه التي هي الآلية السحرية الوحيدة لفرض توصياته على الحاكمين في المغرب، وفي الثانية يخشى دعم الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج من شركات كبرى وعقارات شاسعة. ألم يقل الملياردير كريم التازي صراحة إنه سيصوت لحزب بنكيران؟

وصراحة، تتوزعني رغبتين اتجاه مصير بنكيران وإخوانه في الإنتخابات القادمة، فمن جهة يحدوني أمل بفوزهم بقيادة الحكومة، كي يظهر للعموم بعد ذلك أن الحزب لا برنامج له، وانه فقط كان يتغدى من فشل "تجربة التناوب"، التي جعلت الليبراليين والاشتراكيين بشكل عام مهما كان صدقهم وهمتهم في وضع حرج، علما أنهم لم يحكموا يوما بشكل فعلي، بقدر ما كانوا مجرد "كراكيز" أستعين بها في سياق فرضته شروط سياسية داخلية وخارجية لايتسع المجال هنا لذكرها، ومن جهة أخرى أتحفظ أن يقود بنكيران وإخوانه الحكومة لأنهم بكل بساطة، ودون شك، سيدخلون المغرب في قاعة انتظار جديدة، لم يعد صدر الشعب يتسع لها، ما داموا يقفزون عن أهم مداخل الأزمة العميقة في البلاد.

رحم الله "لينين" حين قال "كان الناس وسيظلون في حقل السياسة أناس سذج يخضعهم الآخرون ويخضعون أنفسهم ما لم يتعلموا استشفاف مصالح القادة السياسيين وراء برامجهم الدينية البراقة ووعودهم الزائفة الرنانة".
وبارك الله في روجي جارودي حين قال "الحمد لله الذي عرفني على الإسلام قبل أن اعرف المسلمين".

مقالات ذات صلة