’’الانحياز المكشوف للمجلس الوطني لحقوق الانسان‘‘


عزيز إدامين
الثلاثاء 10 أغسطس/أوت 2021



أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتاريخ 9 غشت 2021، تقريرا معنونا ب”خلاصات أولية بشأن ملاحظة محاكمة السيدين سليمان الريسوني وعمر الراضي، على خلفية جنايات متعلقة بالعنف الجنسي”.

معلوم أن ملاحظات محاكمة ما تقتضي ضمان الحقوق بشكل متساو لكلا طرفي القضية، ضمان محاكمة عادلة للمتهم الذي هو بريء إلى أن تبث إدانته، وحقوق المشتكي / المشتكية في الولوج للعدالة.



في قضية الصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني، توجد أطروحتان، أطروحة تقول بكون الاعتقال هو سياسي والمحاكمة هي محاكمة حرية الرأي والتعبير، وهذه الأطروحة هي السائدة لدى المجتمع الحقوقي بكل تلاوينه تقريبا، وهناك أطروحة ثانية تقول بكون القضية مرتبطة بحق عام، أي الاعتداء الجنسي والاغتصاب، وأصحاب هذه الأطروحة يتبناها دفاع المشتكية والمشتكي وبعض المواقع الاليكترونية.

بالعودة للتقرير، ومنذ فقراته الأولى، يلاحظ أنه تبنى الأطروحة الثانية المتعلقة بالاعتداء الجنسي، وذلك من خلال العناصر التالية:

لم يذكر المجلس في تقريره نهائيا صفة ومهنة عمر الراضي وسليمان الريسوني، ولو على سبيل الإخبار أو الاستئناس؛
كان على المجلس أن يجيب على سؤال مركزي، هل نحن أمام معتقلي رأي أم لا؟ وذلك من خلال تفكيك عناصر المحاكمة التي تنطلق منذ ما قبل الاعتقال مرورا بالاعتقال الاحتياطي والتحقيق ووصولا إلى النطق بالحكم.
تقرير المجلس الوطني لم يكن منحازا فقط لطرف على طرف آخر، بل تماهى مع الانتهاكات والخروقات التي تعرض لها كل من عمر الراضي وسليمان الريسوني.
لم يتطرق المجلس أبدا لمسألة اتهام عمر الراضي بالتخابر في مقابل أنه يؤكد أنه كان يمارس عمله المهني أي الصحفي، وكأن هذه القضية غير معني بها.
أولا: التشهير

تحدث التقرير عن “تشهير” تعرض له كل من المشتكي والمشتكية، في المقابل لم يتطرق نهائيا للحملة الممنهجة للتشهير، منذ ما قبل الاعتقال وصولا إلى النطق بالحكم، التي كان ضحيتها كل من عمر الراضي وسليمان الريسوني.

لقد كانت الحركة الحقوقية الوطنية والدولية تطالب بضرورة ضمان المحاكمة العادلة مع ضمان حقوق المشتكية والمشتكي، بل شجعت ونوهت بحق المشتكي في قضية سليمان الريسوني بالولوج للعدالة رغم ميولاته الجنسية التي يجرمها القانون المغربي.



بالفعل كانت تدوينة واحدة من قبل أحد المحاميين الذي حملت عناصر الكراهية والعنصرية ضد المشكتي، ولكن تمت إدانتها من قبل المجتمع الحقوقي المغربي وعائلة سيلمان الريسوني التي تبرأت منه.

أيضا المشتكية في قضية عمر الراضي لم تتعرض لآي حملة تشهير، وأما ادعاؤها أن شكايتها المقدمة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان تم تسريبها، فهو ادعاء باطل، لكون الجمعية الحقوقية مثل كل فاعل حقوقي، عندما يتوصل بشكاية ما، فإنه يتصل بكل الأطراف بما فيها المشتكى به لإجلاء الحقيقة.

حجم وتواتر التشهير والسب ونشر المعطيات الشخصية والعائلية التي تعرض لها كل من عمر الراضي وسليمان الريسوني، تؤكد أنهما كانا هدفا لحملة ممنهجة ومخطط لها.

هذا التشهير لا نجد له أي أثر في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ثانيا: رفض شهود النفي

ذهب المجلس الوطني بعيدا من أجل طمس حقيقة عدم تمتع عمر الراضي وسليمان الريسوني بمحاكمة عادلة، ومن ضماناتها حق المتهم في تقديم كل أدلة وشهود النفي.

يقول المجلس أنه “يرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على ضوء ملاحظاته الأولية المذكورة، أن هناك عناصر تطرح تساؤلات في سياق هاتين المحاكمتين، ليست لا خاصة بهاتين القضيتين ولا مرتبطة حصريا بهما، بل هي عناصر ناجمة عن نواقص وفجوات في القانون، لا سيما قانون المسطرة الجنائية في علاقته مع المعايير الدولية؛ فهاتين القضيتين لا تمثلان سوى دراستي حالة حول عدم مطابقة مقتضيات من القانون المذكور مع أحكام الدستور والمعايير الدولية المرتبطة بالمحاكمة العادلة،” …” لمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل النقطة (ه) من فقرتها الثالثة حق المتهم في “أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام”.



المجلس الوطني في هذه الفقرة أصبح يتحدث عن “دراسة عدم مطابقة مقتضيات من القانون المذكور مع أحكام الدستور والمعايير الدولية المرتبطة بالمحاكمة العادلة”، ولم يعد يتحدث عن دوره في الملاحظة، وذلك حتى يتهرب من القول “أن المحاكمة لم تكن عادلة نظرا لعدم تطابقها مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية”.

تكفي هذه الفقرة لفضح الانحياز المكشوف للمجلس، إذ استكثر على المتهمين حقهما في الدفاع عن نفسيهما.

ثالثا: المدة المعقولة

اعتبر المجلس أن المحاكمة احترمت الآجال المعقولة في المحاكمتين، في حين أن المجتمع الحقوقي المغربي والدولي أقرا أن الإبقاء على عمر الراضي وسليمان الريسوني لمدة تجاوزت الثمانية أشهر، هي مدة طويلة جدا وغير معقولة، خاصة وأن المتهمين يوجدان في إطار الاعتقال الاحتياطي.

والمدة المعقولة وفق معايير حقوق الإنسان غير مرتبطة بالقانون المغربي، بل مرتبطة بعناصر عديدة، ومنها: أنه إذا كان المتهم مسلوب الحرية، وأن للمتهم وضع أسري كالأطفال وأن التحقيق لم يضف أي جديد في صك الاتهام، وأن للمتهم وضع اجتماعي معين (موظف ـ مقاول، صحفي مثلا..)، فيجب أن تكون المحاكمة في غضون أسابيع قليلة.

المدة المعقولة مرتبطة أيضا برفض القضاء بشكل اوتوماتيكي تمتيع المتهمين بالسراح المؤقت رغم وجود كل ضمانات الحضور، ووجود بدائل قانونية أخرى غير الاعتقال، وبنفس “التلاعب” بالمساطر والألفاظ اعتبر المجلس في القضيتين “يدعو النيابة العامة إلى تسريع جهود عقلنة اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي”، عوض الجواب على سؤال: لماذا لم يتم تمتيع المتهمين بحقهما الدستوري والدولي في المتابعة في حالة سراح؟

المجلس الوطني في ملاحظته للمحاكمة، عندما يجد حقوق المشتكية والمشتكي تم ضمانهما، فإنه يقوم بدوره الملاحظ والمراقب، ولكن عندما يصادف في طريقه انتهاكا لحق من حقوق المتهمين فإنه يتحول إلى مكتب دراسات ويقدم توصيات للجهات المعنية، باعتبار أن المتهمين مجرد “دراسة حالة”.

ختاما:

الملاحظات المقدمة ما هي إلا ملاحظات أولية على خلاصات أولية في انتظار التقرير كاملا، ومع ذلك فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان أصبح فعلا ثقيلا على كاهل الحركة الحقوق وعلى ضحايا الانتهاكات والخروقات.

مقالات ذات صلة