المغرب قريب من الخط الأحمر: الإنهيار المالي


ذ/ عبد الحميد العوني
الأربعاء 20 مارس 2013


نزار البركة يعترف


اعترف نزار البركة أخيرا بوصول بلده المغرب إلى الخط الأحمر في منتدى "باريس ـ جولة الدار البيضاء"، ويجب اتخاذ التدابير اللازمة للتحكم في عجز الميزانية ـ حسب قوله ـ،فيما ارتفعت تحملات صندوق المقاصة 36 في المائة لتبلغ 5600 مليار سنتيم، فيما وصل عجز الخزينة 62.2 مليار درهم (6220 مليار سنتيم)، وفقد المغرب 130 مليار درهم من الاحتياطي في العملة الصعبة، بنسبة 4 أشهر من الاستيراد، واقترابه من خط الأزمة في المبادلات الخارجية، وأعد صندوق النقد الدولي تصورا تحليليا في هذا السياق، حيث دعا كل من عادل الدويري رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، والوزير الاستقلالي للمالية نزار البركة إلى المزيد من الاقتراض الخارجي، في حل يسير في طريق واحد، فيما عزلت هذه النظرة أسباب تداعيات الاقتصاد المغربي إلى تشجيع المغرب لعمليات المواد الاستهلاكية، ورفعه للمستوى المعيشي للمغاربة وإبقاء قيمة الدرهم مرتفعا في مقابل حذف الرسوم الجمركية في إطار اتفاقية "الكات" ولجوء الدولة والجماعات المحلية إلى مشاريع عمومية ذات درجة عالية على الصعيد الدولي، مما تطلب استيراد مواد تجهيز هذه المشاريع من الخارج بنسبة 70 في المائة، وكلها سياسات لحكومة تزعمها استقلالي (عباس الفاسي) ويديرها إلى الآن وزير استقلالي في المالية نزار البركة، ويعارضها استقلالي (عادل الدويري).
وقرب المغرب من الانهيار المالي، دفع الاتحاد الأوروبي في الندوة الأخيرة لـ"إينيكو لندا بورو" سفيرا للاتحاد الأوروبي في المغرب إلى الربط الميكانيكي بين الأموال الممنوحة من الاتحاد وتقدم الاصلاحات بالمغرب، كما دفع صندوق النقد الدولي إلى وضع خط ائتمان "نهائي" للمملكة في حدود 6.3 مليارات دولار، يمكن أن تغطي أزمته المالية لأقل من سنتين، والمغرب مجبر اليوم على اقتراض العملة الصعبة لمدة 4 سنوات كي لا يفلس اقتصاده في غضون سنة 2015 أو 2016.
وحسب السفير، لم يرق صرف التمويلات إلى ما توقعناه سنة 2012 بسبب ما دعاه "إنجازات" أقل طموحا أو لأن تنفيذ البرامج تأخر، أو طرأ تغير على توجهاتها نتيجة ما سماه "غياب استراتيجيات قطاعية واضحة المعالم".
وفي تحديد الاتحاد الأوروبي لأهداف 2013 في ظل شراكته مع المغرب تبنى الأوروبيون مبدأ "المزيد من أجل المزيد" (المزيد من الإصلاحات من أجل المزيد من التمويل).
+++ الأوروبيون يرغبون في إجراء مفاوضات مع المغرب حول اتفاق التبادل الحر الكامل والمعمق في أجواء مالية صعبة في المملكة
لا يمنع وضع المغرب المالي الموسوم بالغموض، والصعوبة من إطلاق الأوروبيين لمفاوضات جديدة حول اتفاقية للتبادل الحر الكامل والمعمق من أجل الوصول إلى:
أ ـ المزيد من الوضوح ـ بتعبير السفير ـ في الآفاق المالية للشراكة المغربية ـ الأوروبية الممتدة ما بين 2014 و 2017.
ب ـ تحديد محاور التعاون القادمة.
ـ الوصول إلى خطة عمل يرتبط فيها التمويل بالإنجاز، لأن "تمويل" الاصلاحات ركن رئيس في تقدم المغرب إلى المعايير الدولية في نظر الاتحاد، لكن "تقدم" الأوراش بطيئ، فيما يلتهم المغرب مدخراته المالية في ميزان الإيرادات.
وفي إطار عملي يرغب الاتحاد الأوروبي في تمويل برنامج الحكامة على صعيد الإدارة العمومية ومواردها، وبجملة مختصرة، المغرب يمول الشراكة مع أوروبا وأمريكا، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمولان إصلاحات كلما عطلها المغاربة استمر دفع ضريبتها مرتين، من قوتهم وقوت أولادهم أمولا لصالح واشنطن والعواصم الأوروبية لأن التجارة الحرة بين الجانبين الأوروبي والأمريكي بدون استثمارات ـ أوروبية وأمريكية ـ في أرض المملكة خسارة لما بين 35 إلى 60 في المائة من ميزاننا التجاري.
والضريبة الأخرى يدفعها المغاربة من مستقبلهم وأمنهم المالي الذي ظهر واضحا ومكشوفا، وبجملة اقتصادية، لا يمكن أن تكتمل الدورة الاقتصادية المغربية أو تتوازن دون استثمارات، ولن تكون هناك استثمارات دون إصلاحات، وفي تعطيل الأخيرة ندفع الدولة نحو الانهيار المالي.
+++ خط ائتمان نهائي بـ 6.3 دولار من صندوق النقد الدولي
لا يمكن للمغاربة أن يقودوا الاصلاحات بطريقة حرة وفاعلة، بقدر ما يجب ـ حسب البعض ـ الدعوة إلى إدارة صندوق النقد الدولي للإصلاحات في المملكة، والشريكان التجاريان مع المغرب ـ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ـ يدفعان إلى سلك هذا السبيل، بعد تحديد "سقف ائتمان نهائي" بـ 6.3 مليار دولار لمدة 24 شهرا.
وفي تقييم المجلس الإداري لصندوق النقد تقرر هذا المبلغ من خلال برنامج مدعم باتفاق لرسم خط الوقاية والسيولة، كلما أرادت المملكة الاستفادة مما تقرر في حدود السنة الأولى بـ 3.6 مليار دولار، وباقي المبلغ المتفق عليه خلال السنة الثانية، ودائما في إطار متطابق مع الاتحاد الأوروبي حول الاصلاحات حيث أشار البيان إلى مواصلة ما دعاه "الأجندة المحلية لإصلاحات السلطات المغربية الرامية إلى تحقيق نمو اقتصادي حقيقي وشامل مع تمكين البلاد من الحماية ضد الصدمات الخارجية".
وعليه، نرى أن الاصلاحات "َضرورة استراتيجية" لا محيد عنها من طرف الأمريكيين والأوروبيين والمؤسسات الدولية، وفي هذا الإطار لابد من خطة إصلاحات "مندمجة ومتكاملة" لجلب الاستثمارات الخارجية والعمل على سياسة اقتصادية "متينة وناجعة" تترك الأبناك التجارية الموجودة في المغرب لرهان التنافسية من أجل "إصلاحها" وتركز على إصلاح الإدارة المغربية وباقي الإصلاحات المتضامنة معها كي نصل إلى القطيعة مع الفساد والريع والاستثمارات العائلية.
وهذه المظاهر تأخذ أعباء جديدة على كامل المغرب، تبدأ بضرب الريع المطلق من الإدارة أو القائمة على فعل إداري.
ويأتي على رأس هذه الأجندة، القانون التنظيمي الجديد للمالية، وتحسين جودة الخدمات العمومية وتوطيد الإصلاح الجبائي، وكلها في قلب الإصلاحات المالية، والإدارية الجالبة للاستثمار ولصالح المستثمر.
ويأتي بعد الحكامة المالية والإدارية، الحكامة الغابوية للحفاظ على البيئة، ودعم الطور الثاني لبرنامج المبادرة البشرية لوقف تأثير الفقر على الاستقرار، والاستثمار في هذه الأحزمة الحساسة للحكامة تابع لأجندة "أوروبية" متكاملة حول الشراكة الأورو ـ مغربية عشية إطلاق المفاوضات الرسمية حول اتفاق التبادل الحر "الكامل والمعمق" للانتقال إلى ترتيب آخر يحسن بيئة الاستثمار على العموم.
ومن جهة "السلامة الاقتصادية" قرر الاتحاد تحسين المبادلات وتسهيل التجارة والإجراءات الصحية الانسانية والنباتية وحماية الصفقات العمومية وسياسة المنافسة، وهذه المواضيع المطروحة، لا تخرج عن الأجندة التي يمولها الاتحاد في إصلاحات الإدارة وتعزيز الحكامة الغابوية في إطار الإجراءات الصحية، الإنسانية والنباتية، وأيضا تكريس الجودة التي لا تعني سوى ضبط المنافسة.
من جانب آخر، يريد الاتحاد الأوروبي كل الامتيازات، كما وقع عليها المغرب في اتفاق التبادل التجاري الحر مع أمريكا، ويضيف إليها "الاحتواء الأفقي والعمودي" بوصف الاتفاق بالحر "الكامل والمعمق"، وبه يمكن أن يوقع المغرب على خسارة إضافية بمليار يورو، رغم كل الإجراءات المرتقب إثارتها بين الجانبين، فالمشكلة لا تتعلق بـ"إدارة التفاصيل" بل بمعرفة تحسين التوقعات من خلال تفاصيل إضافية غير مثارة حاليا.
ومن المعلوم، أن مستوى الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب دخل حيز التنفيذ بنسبة 100 في المائة، وباعتماد الاتحاد الاتفاقية الفلاحية والتي أطلق بموجبها الحماية المتبادلة للتأشير الجغرافي إلى جانب دخول اتفاقية تسوية مختلف النزاعات التجارية، نقرأ بوضوح أن المغرب في اتفاقه التجاري مع أوروبا:
ـ سيكرس وضع الشراكة المتقدم مع المغرب لصالح الاتحاد في التجارة، مع ربط الاستثمار بتقدم الإصلاحات.
ـ نقص التمويل الأوروبي لتأخر الإصلاحات، وعلى هذا الأساس، يقفل الأوربيون الاستهلاك المحلي للانتاج المحلي، ويستفيد الاتحاد بوجود تجاري كامل دون استثمار، على شاكلة الأمريكيين الذين يروجون ما شاءوا من بضائعهم في المملكة مع استثمارات ضعيفة، واتباع الاتحاد الأوروبي لنهج الأمريكيين (تجارة حرة مع المغرب دون استثمارت فيه) يقتل الخزينة المغربية.
+++ حسب توقعات أحمد الحليمي رئيس المندوبية السامية للتخطيط، فإن الحاجيات التمويلية للاقتصاد المغربي بلغت 9 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي...
في ظل هذه الأزمة المالية التي تستنزف الاحتياط الوطني من العملة الصعبة، وبالتالي ستمثل الموجودات الصافية فقط شهرين ونصف أي 70 يوما فقط عوض 4 أشهر سنة 2012، وسنة ونصف عام 2011.
وهكذا سيعرف معدل الادخار الوطني تراجعا يسجل 25.6 في المائة عام 2013 ومعدلا للاستثمار الاجمالي في حوالي 34.5 من الناتج الداخلي الاجمالي الشئ الذي سيفرز عجزا في التمويل تصل بموجبه الحاجيات التمويلية للاقتصاد الوطني إلى حوالي 9 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي سنة 2013، قد تنزل إلى 6.8 في المائة إن استفادت المملكة من 2.5 مليار دولار في إطار الشراكة الاستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي.
واعتمادا على ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر بـ 3 في المائة واستقرار الدين العمومي في حدود 60 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي يكون المغرب حسب المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الاقتصاد والمالية قد دخل "الخط الأحمر".
+++ وصول ديون المغرب إلى 60 في المائة من إنتاجه الداخلي الخام هو الخط الأحمر الذي أكده المندوب السامي للتخطيط ووزير المالية نزار البركة
رسميا، أكد المغرب دخوله الخط الأحمر، وستمثل المساعدات الخليجية ـ 2.5 مليار دولار ـ وصول الموجودات الصافية الخارجية 90 يوما، أي أن مبلغ 2.5 مليار دولار يضمن 20 يوما أو حوالي الشهر، وفي حالة إضافة الخط الائتماني لصندوق النقد الدولي 6.3 مليار دولار نكون أمام 55 يوما إلى 70 يوما إضافية ويحتاج المغرب في الوصول إلى الاحتياطي المالي 2011 كل المساعدات الخليجية والأوروبية والأمريكية ومرتين للخط الائتماني لصندوق النقد الدولي.
فهل ما يعيشه المغرب خطوة ما قبل الانهيار المالي ؟
مع ذلك، تواجه المملكة أزمتها المالية ببعض الثبات الذي لا يدل بالضرورة على وجود حل.
+++ فشل الطابع التوسعي لسياسة الميزانية، والحد من التضخم زاد من الدين العمومي...
في كل الحالات لابد من الوصول إلى خلاصات حاسمة تبدأ من التأكيد على:
1 ـ فشل الطابع التوسعي لسياسة الميزانية التي دعمت في حينه ما دعي بالنموذج التنموي المغربي، لأن هذا النموذج ليس ناقصا، بل من غير معايير علمية، حيث لا يمكن توسيع سياسة ميزانية معينة دون اكتمال الاصلاحات الهيكلية (أو البنيوية) تماما.
وتأخر المغرب عندما قرر إلحاق الاقتصاد بالسياسة، حيث دعا حزب الدولة ـ الأصالة والمعاصرة ـ إلى بناء نموذج سياسي مغربي ألحق به الاقتصاد، ووضع لبنات التميز دون إصلاحات جوهرية وقاسية خلق على إثرها توسع سياسة الميزانية صدمة اقتصادية.
ووصول الاحتياط الوطني من العملة الصعبة إلى سنة ونصف خلق عند البعض وهم إعلان "النموذج الاقتصادي المغربي"، ونبهنا في حينه إلى هذه الخدعة، ببساطة، لأن الفورة المالية لم تكن نتيجة إصلاحات بقدرما كانت إجراءات محدودة ومفتوحة على الأزمة، ويدفع المغاربة حاليا ثمن تقديرات واهية من الناحية العلمية.
2 ـ الحد من التضخم من خلال الدين العمومي الداخلي، وبعد شفط السيولة الموجودة، ظهر اقتراض المملكة من أجل "أكل شعبها"، ببساطة، تقلص تمويل القطاع الخاص، وتفاقم العجز، مما دفع الدولة إلى الاقتراض لمواجهة استحقاقات ديونها، وفي ظل هذه الظروف المتشابكة، أصبحت قلة السيولة مشكلة بنيوية، لارتباطها بالدين الداخلي والخارجي للمملكة، لأن تمويل الحد من التضخم من خلال الدين الداخلي دفع الدولة ـ بعدها ـ إلى الاقتراض الخارجي لمواجهة استحقاقات ديونها.
وفي الأخير، فكر المغرب في التفكيك التدريجي لصندوق المقاصة، حيث فشلت بشكل واضح سياسات الحد من التضخم، وفي الإجراءات الجديدة نجد أن ما يدعى "إصلاحات"، لا يتعدى أن يكون إجراءات أيضا قاسية ولا أبعاد لها.
وقد يتقلص السوق النقدي بطريقة حادة، وفي لحظة الانكماش المتطرف لهذه السوق، سيتقلص "التمويل" على المقاولات الصغرى والمتوسطة، كما سيطرح المشكل اختزال الحركة النقدية ودورتها إلى حدود لا يتنفس فيها الصغار.
وفي تركيز السياسة النقدية على جزء معين من السوق لن يكون "التمويل الملائم" للاحتياجات الفعلية لمختلف فئات المقاولات والمستهلكين إلى حدود تصبح فيها الاقتطاعات البنكية من المنبع أساس التمويل، فنصف الشركات لا تدفع ضرائب لأنها تخسر أو تدفع بيانات الخسارة، وإن أضفنا من يدفع "صفر أرباح" نكون أمام 60 في المائة من الشركات المغربية لا تدفع درهما واحدا للدولة.
وفي انكماش الدورة النقدية، سيمول الريع الاقتصاد غير المهيكل، وهذا الوضع سيختزل الدولة، ويضعها على جانب المجتمع، وإضعاف الدولة سيبدأ من داخلها، ومن ثم في الصحراء "الغربية"، وفي إطلاق الجهوية ستنتقص درجات الاحتواء الذي تمارسه الدولة.
وليس أمام الرسميين سوى المساعدات الخارجية والاستثمار الخارجي، ويطلب كلاهما المزيد من الإصلاحات حاليا في وقت صعب، فعندما كان ثمن الإصلاح أقل، قبل الربيع العربي والأزمة المالية الدولية تباطأت المملكة، وحاليا سيدفع الجميع الثمن غاليا لإنقاذ الدولة.
وتبقى تساؤلات المندوبية المتخصصة للتخطيط في المغرب (المندوبية السامية) عميقة ـ يقول المشرف عليها ـ لإطلاق النمو في المغرب ما بعد 2013، وهي تساؤلات نشرها الحليمي على التوالي:
أ ـ ما هي الإصلاحات الهيكلية التي ستمكن من تحضير الرأسمال الخاص الوطني للاستثمار في المصادر الجديدة، القطاعية والتكنولوجية لتنافسية الغد؟
ب ـ ما هو نموذج الاستهلاك الذي يرفع من الادخار الداخلي بدون تسجيل أي اختلال بتعادلية الفرص لصالح تعادلية الأماكن ومصالح الأجيال المستقبلية لصالح الأجيال الحاضرة؟
ج ـ ما هو نموذج إعادة توظيف الموارد المالية الوطنية الذي سيقوي فعالية السياسة النقدية بهدف تمويل جيد للمقاولات؟
والإجابة لا تتعدى المرونة الإجرائية، وعمق الإصلاحات الهيكلية، ورفض دعوى "النموذج" في المغرب من أجل وصول "الاستراتيجية المالية" إلى الفعالية، ولذلك لا يطلب المغاربة نموذجا، بل نجاحا يؤسس مدرسة اقتصادية لهم.
والمغرب، كما هو معلوم، همش أي إصلاح نقدي لمواجهة إشكالية التمويل، فالمعادلة التي سادت، وتسهيل استثمارات أجنبية عبر امتيازات وليس عبر المساواة في السوق، وخفض الاستهلاك (الاستهلاكوي) مع عقلية جديدة في الادخار عبر امتلاك جماعي للمتطلبات الجديدة لمسلسل بناء ما تدعوه المندوبية السامية للتخطيط "مجتمعا كبيرا حداثيا وديموقراطيا" وفي الأساس "مجتمعا عمليا وعقلانيا".
واعتقد جازما، أن البحث الذي تنوي المندوبية العمل عليه في سنة 2013 والقاضي بتحليل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحددة لولوج الفاعلين للقطاع غير المهيكل والخروج منه، سيكون مفيدا.
لأن الريع والقطاع غير المهيكل وجهان للغنى أو الفقر (في حال تسليم حكومة بن كيران أموال للفقراء بمناسبة تفكيكها لصندوق المقاصة).
والقدرة على تجاوز "الدولة غير المهيكلة" نحو تعميق هيكلة الإصلاحات الموصوفة بالاستراتيجية هي قدرتنا جميعا على النظر إلى المستقبل أو البقاء حيث نحن في درجة جديدة من "استقرار التخلف أو تقدمه".
خصوصا، أن بعض الأكاديميين المغاربة يطرحون الأمور بطريقة، وبعتبرون طرح الحكومة مغلوطا، فالحكومة لا تصرح بكون المواد المدعمة "خاضعة في الأصل للضريبة على القيمة المضافة وضريبة الاستهلاك التي يؤديها المواطن"، دون الحديث عن الضرائب المترتبة عن الأرباح، وقبل أي إصلاح لصندوق المقاصة لابد من إصلاح ضريبي يسبق أي إجراء، كما يجب على الحكومة إخضاع المواد المدعومة لتنافسية السوق ومواجهة احتكار "كوسيمار" لمادة السكر و"لاسمير" للمواد النفطية.
من زاية أخرى، لابد من وقف الاستهلاك غير المصرح به كحظيرة السيارات والمكاتب ويبلغ 9 إلى 10 مليارات درهم، فيما يعود المشكل في جوهره إلى الاحتكار والهيمنة المطلقة للشركات الكبرى التي تفرض الثمن على الحكومة وتطبقه على المواطن دون محاسبة حيث لجأ صندوق المقاصة إلى تفويض هذه المهمة للشركات الخاصة.
وتضارب المصالح الحادث حاليا يزيد من تجميد آليات المراقبة على الأوراش والإصلاحات إلى حدود تجعلها بدون نتائج.
وسيكون التأخر في الاصلاح، وعدم وجود إرادة قوية لمحاربة الفساد، وتطبيع الدولة الرسمية مع الخط الأحمر هو خيار حياة أو موت لنظام كامل، خصوصا بعدما بدأت مؤشرات الائتمان في النزول، وقررت "موديز" خفض مؤشر المملكة من "مستقر" إلى "سالب".


مقالات ذات صلة