بيوت حقها أن ترفع لا أن تشمع


يوسف السايحي
الخميس 7 يونيو/جوان 2012



إنه لمن المؤسف أن تكون القاعدة العاملة للغة التعامل المخزني مبنية على كسر ما حقه الرفع، ورفع ماحقه الخفض.. ففي الوقت الذي يتم فيه غض الطرف عن بيوت الرذيلة والفساد، يستمر تشميع بيت الأستاذ محمد عبادي عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان وأحد أعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأستاذ الحسن عطواني عضو الجماعة ذاتها منذ سنة 2006، مع العلم أنه تم تحرير بيوت عدد من أعضائها من قيود التشميع التحكمي ، وإنه لأمر مشين و فريد يضيف مساحة أخرى من السواد إلى المجال الحقوقي ببلادنا الذي يعرف أصلا تراكمات هائلة من الخروقات و الممارسات التعسفية، كما أنه يشير بما لا يدع مجالا للشك ، أن كل الحركة التي عرفها الميدان السياسي حول تغيير الدستور وإعادة تشكيل الحكومة والبرلمان،إنما هي جري وضجيج و أعطاب على أرضية ميدان بدون مرمى تتحقق في إطاره الأهداف.

ولعل تعدد النقط السوداء وكثرتها هو الذي جعل البعض لا يولي لقضية تشميع البيوت هاته الاهتمام الذي تستحقه، رغم أن حرمة البيوت من المقومات الأساسية لتحقيق الكرامة الإنسانية، والتعدي على بيت واحد من البشر، هو مس في الصميم للإنسانية كلها،كما هو الحال بالنسبة لقتل نفس واحدة الذي يعتبر اعتداء على الأنفس كلها. فجريمة الإخراج من الديار لا تقل في بشاعتها و خطورتها عن جريمة قتل النفس، لذلك نجد القرآن الكريم كثيرا ما يقرن بينهما في آيات عدة.
يقول الحق عز و جل:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"(الممتحنة-8)
كما يقول تعالى:" ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم "(النساء-65)
و يقول سبحانه:" ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم"(البقرة-84)

فإذ كان القتل تعديا على حق الإنسان في حياته العامة على ظهر هذه البسيطة، فإن إخراجه من داره اعتداء على حقه في أن يعيش حياته الخاصة،و سبب لتعطيل عدد كبيرمن المقاصد الشرعية في حقه كما لو أنك قد حكمت عليه بالفناء.
فأنت عندما تخرج قوما آمنين من ديارهم بدون حق،فإن مرارة الجرم الذي فعلته على الأنفس تكاد تقارن بإخراج الروح من الجسد كرها كما هو الحال مع القتل، لذلك صرح القرآن الكريم بأن هذا الفعل من الظلم الذي لا يعجز القدرة الإلهية و إن تأخرت العقوبة عن فاعله، فإنما هي الحكمة التي تفسح المجال للمدافعة بين الناس،حتى إذا جاء أمر الله لم تر من ديار الظلم إلا الظلال تحكي زمن الجور والضلال.

قال عز و جل:" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "(الحج:37-38).

ورد أن أبا جهل سئل لماذا لم تقتحم بيت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج منه ليلة الهجرة الشريفة، فكان جوابه:" وتقول عني العرب أن أبا الحكم روع بُنَياته.."
منعت الرجل الجاهلي الأعراف السائدة و بقايا المروءة المتوارثة من أن يقتحم الحمى و يعتدي على البيت النبوي. فرغم جهله و اعتداءاته المتكررة و تطاوله على حرمات الله تعالى، إلا أنه راعى على الأقل كلام الناس فأمسك حتى كان ما كان.

فما القول فيمن لم يقم وزنا حتى للضمير الإنساني و أصوات المروءة الحية التي تنادي بحفظ الحرمات و احترام البيوت و أهلها، و أن من ارتكب جرما جرت عليه المساطر القانونية بما يحقق العدالة و يحفظ الكرامة.
ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 12):" لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات."

ما أكثر القوانين المحلية و الدولية و ما أوضحها في هذا المجال، لكن عندما تواجه بأن القرار يتعلق بتعليمات فوقية (هكذا نكرة لا يحدد لها مصدر)، و تردك المحاكم بحجة عدم الاختصاص، كما حدث في حالة الأستاذين العبادي و العطواني، فما العمل و مع من يكون الكلام ؟!

مقالات ذات صلة