تحقيق داخل دهاليز 'القرض الفلاحي'


عبد الحق الريكي
الأربعاء 26 نونبر 2014



القرض الفلاحي يُمول سفريات رئيس التعاضدية إلى الخارج

قبل شهور خلت، تسرب خبر داخل مؤسسة القرض الفلاحي والتعاضدية العامة لموظفي الادارة العمومية، يفيد أن مؤسسة القرض الفلاحي تمول سفريات رئيس التعاضدية إلى الخارج.

انتقل الخبر داخل المؤسستين كالنار في الهشيم، وظل بعض موظفي القرض وبعض أعضاء التعاضدية يتداولونه بينهم بهمس وحذر، دون أن يجد من يؤكده علانية، قبل أن يظهر مقال على الشبكة العنكبوتية لعبد الحق الريكي،(انظر المرفقات) أحد أطر مؤسسة القرض الفلاحي، جاء على شكل رسالة تحت عنوان "رسالة من صديق إلى صديق" تساءل فيها صاحب المقال مع "صديقه" عبد المولى عما إذا كان القرض الفلاحي قد مول سفرياته إلى الخارج لقضاء
مصالح تهم التعاضدية؟
لم يتلق الريكي، جوابا من "صديقه" عبد المولى، ولا تلقاه عبد السلام بلفحيل، عضو المجلس الإداري للتعاضدية، الذي لم يكتف بالبحث عن الجواب وفقط، بل بادر إلى مراسلة رئيس الحكومة ووزير التشغيل والتكوين المهني ووزير الاقتصاد والمالية ووزير العدل والحريات ووزير الداخلية، بخصوص هذه القضية ضمن موضوع: "الفساد الإداري والمالي داخل التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية" الذي أكد أنه " لا زال مستمرا وبتواطؤ مكشوف مع بعض الجهات الحكومية".
"يجب متابعة عبد المولى قضائيا"
وحسب بلفحيل فإن تمويل القرض الفلاحي لسفريات رئيس التعاضدية إلى الخارج، لا يقتضي الأمر معه فقط استقالة عبد المولى من التعاضدية بل "يجب متابعته قضائيا"، لماذا؟ يسأل مصدرنا ، فيرد بلفحيل :"لأن تمويل هذه السفريات يعتبر "خرقا واضحا للمادة 13 من الظهير 187-57-، الصادر بتاريخ 12 نونبر 1962، المنظم للتعاضد، وهي المادة التي تمنع بشكل مطلق، على المتصرف (أي عضو المجلس الإداري) تلقي تعويضات من خارج التعاضدية مقابل إنجازه لمهام لفائدة التعاضدية".
أما القانون رقم 15.99 الخاص بإصلاح القرض الفلاحي المنشور بالجريدة الرسمية في عددها 5170 ليوم 18ديسمبر 2003، فإن المادة الثالثة من فصله الأول تفيد أن القرض الفلاحي للمغرب تُناط به "مهمة القيام أساسا بتمويل الفلاحة والأنشطة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالعالم القروي". حيث لم نعثر، داخل هذا القانون على أي إشارة ولو بسيطة للتعاضدية ولا لوجوب تمويل سفريات رئيسها إلى الخارج، عند جرده للأغراض الواجب تحقيقها من طرق القرض الفلاحي.
"تمويل سفريات رئيس التعاضدية من طرف أي مؤسسة عمومية كانت أو شبه عمومية أو خاصة، يحتاج إلى اتفاقية مبرمة بين المؤسستين، كما يحتاج الأمر إلى قرار من رئيس الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي، يرسله إلى مديرية الموارد البشرية لصرف ما يلزم ذلك السفر من أموال"، يقول إطار بارز داخل القرض الفلاحي، موضحا أن "أن مديرة الموارد البشرية بإمكانها أن ترفض القرار إذا كان مضمونه يتعارض مع القانون". فكيف جرت الأمور وهل هناك قرار لرئيس الإدارة الجماعية يسمح بتمويل هذه السفريات، أم أنه لا علم له بهذه القضية؟ يضيف نفس الإطار متسائلا.
إدارة القرض الفلاحي: "هذا اتهام خطير"
اتصلنا بإدارة البنك، فأحالتنا مديرة الموارد البشرية على شخص، قدم لنا نفسه على أساس أنه مستشار الإدارة الجماعية المكلف بالتواصل مع الصحفيين والبرلمانيين والمؤسسات العمومية.
بدا محمد العلوي، وهذا هو إسم مستشار القرض الفلاحي، غير مُصدقا للسؤال الذي طرق آذانه، عما إذا كان القرض الفلاحي يمول سفريات رئيس التعاضدية؟ قبل أن يرد بوجه مشدوه ومصدوم:"هذا اتهام خطير، هل تملكون وثائق؟ من اتهم السيد عبد المولى يُمكن أن يتابع فهذا اتهام خطير، ويسمى الشطط في استعمال السلطة، يستحيل أن يكون هذا واقعا".
أما عبد المولى، نائب رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب، والاطار بنفس البنك، فيؤكد الواقع الذي ينفيه مستشار الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي، ويقول: "لماذا لا يتيح القانون ذلك، هذا يرجع بالنفع على منخرطي القرض الفلاحي. نحن 6000 شخص، منخرطون في التعاضدية العامة..تريد أن تكون مواطنا عليك مساعدة المساكين، كما أن التعاضدية ليس بمقدورها تحمل مصاريف السفريات إلى الخارج".
أكثر من ذلك، إن عبد المولى، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يحتج على المؤسسات الأخرى المنخرطة في التعاضدية لكونها لا تحذو حذو مؤسسة القرض الفلاحي: "كان على أعضاء 2600 مؤسسة منخرطة معي في التعاضدية أن يعينوا الناس لو أنهم كلهم يريدون الخير للمغاربة". يقول عبد المولى بافتخار واعتزاز بصنيعه، قبل أن ينخرط في تعداد فضائل سفرياته للخارج على الوطن: "في الكامرون فزنا برئاسة التعاضدية الإفريقية، فكم يلزم من الأموال لنيل تلك الرئاسة؟ سافرنا إلى البرازيل بموازاة أحداث أركانة بمراكش، فأدانت 18 دولة العملية الارهابية، فكم ثمن هذا إذا أردت إنجازه؟ ذهبنا إلى كندا وحضرنا 'بانيل' بإسم الاتحاد الافريقي وعرضنا التجربة المغربية وهي مهمة الحكومة"، يضيف عبد المولى، عضو اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، قبل أن يستطرد قائلا: "القرض الفلاحي مؤسسة وطنية، وأنا أخدم القطاع التعاضدي، نحن المغاربة نعين إخوتنا الأفارقة، وإذا لم أعنهم فإني لست بإنسان".
وكم تُكلفك كل رحلة من تلك الرحلات التي تقوم بها كرئيس للتعاضدية إلى الخارج؟ يسأل موقع "لكم. كوم" عبد المولى فيرد:"أنا والله ما عارف!"
لا أثر للسفريات في تقارير المؤسسات التي تراقب البنك
يخضع القرض الفلاحي لمراقبة ثلاثة أجهزة، وهي بنك المغرب ومجلس الرقابة داخل القرض الفلاحي الذي يرأسه رئيس الحكومة إضافة إلى المجلس الأعلى للحسابات.
ومعلوم أن عبد المولى عبد المومني كان قد انتخب منذ شهر نوفمبر 2009، كرئيس للتعاضدية العامة لموظفي الإدارة العمومية، ومنذ تلك الفترة وهو يقوم بسفريات إلى الخارج في إطار أنشطة تهم التعاضدية، ومع ذلك لم يأت أي تقرير، من التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، سنويا، على ذكر هذه السفريات، ولا أتت على ذكرها تقارير بنك المغرب حول القرض الفلاحي، كما لم تتناولها التقارير التي يصدرها مجلس الرقابة داخل البنك. فلماذا لم تتناول تلك التقارير هذه السفريات التي يعتبرها مستشار الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي أمرا "خطيرا"؟ ثم ماذا تقول حكومة بنكيران في هذا الأمر؟
سألنا بعض أطر القرض الفلاحي ومستشار الإدارة الجماعية عن مندوب هذه الحكومة، داخل القرض الفلاحي، لاستفساره حول هذه القضية وقضايا أخرى تهم البنك، غير أنه لا أثر لهذا المندوب، رغم ضرورة تعيينه بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من الوزيرين المكلفين بالمالية والفلاحة، وفقا للمادة السادسة من الفصل الثاني من القانون رقم 15.99 الخاص بإصلاح القرض الفلاحي المنشور بالجريدة الرسمية في عددها 5170 ليوم 18 ديسمبر 2003.
اختلالات مالية داخل البنك والإدارة تنفي
لا تنتهي قصة القرض الفلاحي عند تمويل سفريات رئيس التعاضدية، بل إن البحث قادنا إلى معاينة شريط فيديو بث على موقع "يوتوب" لمفتش داخل القرض الفلاحي، قال في إدارة البنك ما لم يقله مالك في الخمر.
ووفقا للشريط المذكور فإن هذا المفتش اشتغل بالبنك لأزيد من 22 سنة، ظل خلالها يرفع إلى المسؤول الأول عن القرض الفلاحي تقارير "قاتمة" عن الأخير، تحدث فيها عن اختالالات داخل البنك تتعلق بـ"منح قروض غير قانونية بشكل متعمد تقدم في إطار المحاباة والمجاملة"، غير أنه لم يكن يتلقى أي جواب بخصوصها، مشيرا إلى أن تلك التقارير "يتم طمسها ولا يحسم في أمرها".
الرميد يتوصل بتقرير من 400 صفحة عن اختلالات مالية
بعد أن يئس المفتش من مراسلاته لإدارة البنك دون أن يتلقى جوابا في الأمر، اضطر إلى صياغة تقرير عن تلك الإختلالات المالية التي تقع داخل القرض، قبل أن يمده شخصيا إلى المساعد الأول لوزير العدل خلال شهر أبريل من سنة 2012، حيث ضم التقرير "حوالي 400 صفحة حول الوضعية المالية والإدارية لمؤسسة القرض الفلاحي بالمغرب" وفقا لما جاء في يومية "التجديد" (17.04.2012).
وحسب ما ذكره مصدر موثوق، فإن مفتش البنك أورد في تقريره ممارسات وصفت بـ "الخطيرة" تقع داخل بعض الوكالات البنكية التابعة لمؤسسة القرض الفلاحي.
وأكد المفتش في تقريره أن جل الوكالات البنكية التابعة للقرض الفلاحي تتخطى التعليمات، مشيرا إلى أن إحدى الوكالات فتحت حسابا لشركة ممنوعة من الشيكات ومع ذلك سلمتها الوكالة ما يزيد عن 15 دفترا، تحتوي أغلبيتها على 50 نسخة، بما يعادل 750 نسخة خلال مدة 18 شهرا، ما بين سنة 2006 و2007.
ويشير التقرير أن تلك الوكالة أدت في ظرف شهر واحد من سنة 2007، ما يفوق 60 شيكا، وهو ما يجعل القرض الفلاحي، تطبيقا للفصل 319 من مدونة التجارة، ملزما بأداء ما يزيد عن 600.000 درهم كدعيرة لبنك المغرب.
ومع احتساب 10.000 درهم، للشيك كمعدل لدعيرة؛ يضيف التقرير، فإن القرض الفلاحي سيكون مدينا لبنك المغرب بـ"ملايين الدارهم بل بملايير الدارهم، ما دامت هذه الحالات موجودة في وكالات أخرى"، حسب نفس المصدر.
وتحدث التقرير أيضا عن مديونيات تُمنح بطرق غير قانونية وبدون ضمانات من طرف بعض المسؤولين عن بعض الوكالات البنكية التابعة للقرض الفلاحي، بل إن بعضا من تلك المديونيات يصادق عليها داخل لجن المندوبيات وتبقى جلها بدون استخلاص، لعدة سنين، وهي في مجموعها تقدر بملايين الدارهم.
بعض مدراء الوكالات البنكية "يخونون الأمانة"
أكثر من ذلك، أشار التقرير إلى أن بعض مدراء الوكالات "يخونون الأمانة"؛ حيث يقوم بعضهم بتمكين أنفسهم من مديونيات غير مرخصة؛ بمبالغ مالية تتراوح ما بين 150.000 درهم و270.000 درهم، خلال سنتين رغم أن المندوبين أو المدراء الجهويين من واجبهم مراقبة حسابات المستخدمين أسبوعيا، في حين لا يستفيد المستخدمون العاديون إلا بما يسمح به القانون؛ أي 50 في المائة من الراتب الشهري، ويشير نفس المصدر إلى أن هذه الوضعية جرى تسويتها بمنح المخالفين قروضا أخرى.
نفس التقرير يشير إلى أن بعض مدراء الوكالات يُحابون بعض الزبناء بعينهم دون غيرهم، ما ينتج عنه سلفات مشوبة بخروقات تكلف 4.000.000 درهم، مع مسح فوائد تفوق 190.000 درهم، من طرف الوكالة بطريقة غير قانونية.
أكثر من ذلك، تحدث مصدر موقع "لكم. كوم" عما وقع بغرفة المقاصة بالدار البيضاء، وعن وجود شيكات "خارج الأجل" تم دفع قيمتها من طرف القرض الفلاحي لعدم المبالاة وتطبيق المساطر، مما نتج عنه خسائر تقدر بملايين الدراهم، طُمِست ملامحها بقضية اوطاط الحاج، التي يقدر مجموع الشيكات فيها بـ55.000.000 درهم، والتي حسم في أمرها بسجن المدير للتستر على بعض كبار المسؤولين داخل البنك. نفس المصدر يشير إلى أنه جرى طمس بعض المديونيات دون أن يستخلص البنك ما بذمة المدين الرئيسي 20.000.000 درهم؛ حيث تم إتلاف معالم القضية منذ سنة 2001.
إدارة البنك وعلى لسان مصدر وُصف بـ"المأذون"، حسب ما أورده موقع (هسبريس)، تعتبر هذه الاختلالات المالية والإدارية قديمة، وقد "سبق التعامل معها وأحيل مرتكبوها على القضاء وحكم على من تبث تورطهم في هذه الاختلالات كل حسب المنسوب اليه"(هسبريس:الجمعة، 20 أبريل 2012).
لكن مصدرنا يؤكد أن هذه الاختلالات لم يتم التعامل معها كليا "وإلا لما احتاج الأمر إحالة الملف على النيابة العامة من طرف وزارة العدل" يوضح ذات المصدر، الذي استغرب لعدم كشف المصدر عن هويته بدل أن يقدم نفسه على أنه مصدر "مأذون"، وتساءل عن سر عدم إصدار الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي بلاغا موقعا باسمها أو على الأقل يظهر مسؤول يتحدث باسم البنك ليفند هذه الاتهامات، ما دامت تبقى على درجة قصوى من الخطورة؟
بالنسبة لمحمد العلوي، مستشار الإدارة الجماعية، فهو ينفي أن تكون هناك اختلالات: "لأن القرض الفلاحي مراقب من طرف ثلاثة أجهزة، وهي المجلس الأعلى للحسابات وبنك المغرب ومجلس الرقابة الذي يرأسه رئيس الحكومة"، مشيرا نفس المصدر إلى وجود قسم داخل القرض الفلاحي يسمى "قطب المخاطر" مهمته مراقبة جميع القروض والضمانات، وعندما تقع تجاوزات يقدم المتهمون للمحاكمة". مضيفا أن "المعاملة البنكية داخل القرض الفلاحي مضبوطة بقوانين بنكية وبمعايير بنك المغرب".
العمل النقابي 'جريمة' داخل القرض الفلاحي

يفيد دستور المغرب في فصله التاسع والعشرين أن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته."
وحتى مستشار الإدارة الجماعية للقرض الفلاحي يضمن لمستخدمي البنك ممارسة حقهم الدستوري في خوض الاضرابات وحرية التعبير والرأي والإنتماء السياسي والنقابي، مشيرا إلى أن الحوار مع مندوبي الأجراء حول مصالح منتسبي البنك لم ينقطع يوما منذ أن حل طارق السجلماسي سنة 2003، على رأس القرض الفلاحي.
لكن، محمد المعاشي، الكاتب العام للجامعة الوطنية لمجموعة القرض الفلاحي، المنضوية في إطار الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، يؤكد ، أن العمل النقابي داخل القرض الفلاحي يُعد "جريمة" لا تغتفر، كما كان يحدث في اوربا في القرن السادس عشر". كيف ذلك؟ يسأل الموقع، فيسترجع العياشي شريط الأحداث: في اليوم الثامن من شهر يناير لسنة 2013، قرر المكتب الوطني للنقابة خوض اضراب وطني عن العمل مصحوبا بوقفة احتجاجية أمام المقر المركزي للقرض الفلاحي بالرباط.
اجتمع المعاشي بنقابييه بمركز النقابة عشية يوم الإضراب الوطني، لتوجيه كلمة دعوا فيها عموم مستخدمي واطر القرض الفلاحي إلى الانخراط في الإضراب الوطني.
بدا المضربون وفقا لشريط فيديو بث على الموقع الاجتماعي "يوتوب" والذي عايناه ، متحمسين للإضراب ومتأكدين من نجاحه. أعطيت كلمة لكل مضرب كي يعلن فيها عن مشاكله داخل البنك وكذا عن استعداداه المشاركة في الاضراب.
"وارباه.. يا ملك.. انقدني من براثن القرض الفلاحي"
ظهرت سيدة على نفس شريط "الفيديو"، متحدثة بحرقة كبيرة:"منذ 2004 وأنا موظفة داخل القرض الفلاحي، بلا رعاية صحية ولا ضمان اجتماعي، استنجدت واستعطفت جميع الرؤساء الكبار، ولكن لا مجيب، أنا لست بالسيدة التي استنجدت وقالت وامعتصماه انا أقول وارباه، يا ملك محمد السادس انقدني من براثن القرض الفلاحي"، تقول هذه السيدة التي ظلت رفقة 8 مستخدمين بمدينة الدار البيضاء لقرابة 9 سنوات بلا تقاعد ولا تغطية صحية، قبل أن يظهر العياشي على الشريط متحدثا برباطة جأش، وقال:" هناك خرق فاضح لمدونة الشغل وضرب مكتسبات الدستور الجديد والعبث بالشرعية الانتخابية للشغيلة وانفراد الإدارة بالقرارات الاجتماعية، وضرب الحريات النقابية والتضييق على المناضلين النقابيين، مع رفض استقبال المكتب الوطني للجامعة، منذ مراسلة 28 يناير 2012، إضافة إلى تسجيل تدخل سافر لمديرة الموارد البشرية ومديرة الشبكة والمديرين الجهويين ضد الاتحاد الوطني للشغل في المغرب، مع خلق جمعيات وإطارات من طرف الإدارة لتشويه العمل النقابي".
كما تطرق المعاشي إلى ما وصفها بـ "الزيادات الزبونية" التي حضي بها، في غياب مسطرة واضحة ومعايير علنية وشفافة، مقربون من الادارة، مشيرا إلى أن الأخيرة عمدت إلى ترقية بعض الأطر الموالين لها، بزيادة في رواتبهم الشهرية بلغت5000 درهم، بل وتفوق 15.000درهم ، وقد ورد ذلك في العديد من بيانات نقابته دون أن تصدر الإدارة بيانا يكذب هذه الترقيات، بحسبه.
تحدث المعاشي في نفس الشريط عن وجه آخر لسياسات "الزبونية" التي تنهجها الادارة بحسبه، عندما أشار إلى ما وقع في الجهة الشرقية؛ حيث جرى نقل موظفة حديثة العهد لم يمض على التحاقها بالمؤسسة سوى ستة أشهر، من مدينة السعيدية إلى مدينة وجدة فيما جرى نقل مستخدم آخر من مدينة بركان إلى مدينة السعيدية، وهو الذي ظل يطالب منذ سنين بنقله إلى مدينة وجدة.
وأشار المعاشي إلى "رجوع قوي للفساد، عبر منح القروض للمستخدمين والاطر، مع الاستهتار البنكي والتمييز في الاقتطاعات والضغط على المصلحة الطبية لحرمان النقابيين من تلقي العلاجات إضافة إلى تجميد السكن الاجتماعي، مشيرا إلى أن الإدارة جمدت الحوار معهم، منذ شهر يونيو من سنة 2011، إلى غاية اليوم، وانقلبت على الشرعية التمثلية التي أفرزتها انتخابات 2009".
نقل مضربين بعيدا عن أسرهم يومين فقط بعد الإضراب
ثم جاء يوم الإضراب الوطني، وهو 18 يناير 2013، وعقدت ندوة صحفية، غير أن خبر الإضراب يقول المعاشي "لم يظهر سوى على صفحة جريدة واحدة وهي "التجديد" التابعة لحزب العدالة والتنمية كما ظهر على صفحات مواقع الكتورنية تعد على رؤوس الأصابع".

أغرب من ذلك، يضيف المعاشي، أن السيدة التي ظهرت على شريط الفيديو تستنجد بالملك لـ"انقادها من براثن القرض الفلاحي"، وهي التي ظلت لسنوات طويلة بلا عقد عمل ولا ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية، لم تشارك في الإضراب شأنها شأن كاتب فرع نقابته بطنجة الذي ظهر بدوره على شريط الفيديو متحمسا رفقة شخص آخر كان قد أبدى رغبته في المشاركة في الإضراب عبر شريط الفيديو المذكور. غير أنهما إلى جانب تلك السيدة غابوا يوم الإضراب! لكن لماذا غابوا عن الوقفة وقاطعوا الإضراب؟ يسأل مصدرنا، فيجيب العياشي: لقد اتصلت الإدارة بالنقابيين وهددتهم إن هم شاركوا في الإضراب الوطني كما اتصلت بذوي العديد من المضربين لحث أقربائهم أو زوجاتهم المستخدمات داخل القرض على عدم المشاركة في الوقفة أمام البنك أو في الإضراب.
"أفظع من ذلك" يضيف المعاشي، أن الادارة عمدت، يومين فقط بعد الاضراب، إلى نقل 20 مستخدما شاركوا في الاضراب بعيدا عن أبنائهم وأسرهم، بل حتى زوجته لم تسلم من "العقاب"، في حين اعتبر مستشار الإدارة الجماعية للبنك أن عملية التنقيل هاته عادية وأنها فقط تزامنت مع الاضراب، مشيرا إلى أن هذه العملية تأتي في إطار سياسة إعادة الانتشار التي تقدم عليها الإدارة في كل شهر.
إنهم يخافون أن تُفتح ملفاتهم!
كان حظ المعاشي " أوفر من العقاب" مع الادارة، حسب قوله، "لقد قطعوا عني يوم 18 يناير، وهو يوم الإضراب كل وسائل الاتصال من هاتف ثابت ومتنقل وانترنيت وفاكس حتى لا أتمكن من التواصل مع قواعدي النقابية" يقول المعاشي قبل أن يضيف:"حتى كاتبتي تم إجلائها من مكتبي كما تم إجلاء مستخدمين آخرين كانوا يقدمون لنا بعض الخدمات داخل الإدارة، إضافة إلى منعي من تحريك سيارة القرض التي كانت بحوزتي عبر حرماني من وثيقة الضريبة عنها"، مشيرا إلى أنه لحد الساعة لازال محروما من الهاتف وشبكة الانترنيت والفاكس والكاتبة والسيارة، ليخلص إلى القول متسائلا: هل اصبح العمل النقابي جريمة داخل القرض الفلاحي كما كان يحدث في اوربا خلال القرن السادس عشر". لكن لماذا كل هذا؟ يسأل المصدر، فيرد العياشي: إنهم يخافون من فتح ملفاتهم!
في حين ينفي مستشار الادارة هذه التهم، ويؤكد أن الكاتب العام يتوفر على ثلاثة هواتف وسيارة وأنه موصول بالانترنيت شأنه شأن كل مستخدمي القرض الفلاحي. مشيرا بخصوص الترقيات التي تحدث عنها العياشي أن : "من يستحق الترقية يُرقى في اطار الوضوح التام وهناك زيادة 800 درهم، عمت جميع رواتب الموظفين في 2011، وإعانة العيد الأضحى كانت في حدود 1500 درهم وأصبحت 2500 درهم".
أتحداهم أن يكشفوا عن أجورهم!
عبد المولى عبد المومني، وهو أكثر الأطر المشتبه بها بتلقي تلك الترقية، ينفي أن يكون تلقى الترقية التي يتحدث عنها المعاشي، مؤكدا على أنه منذ ثلاث سنوات لم يُضاف إلى راتبه الشهري شيء. وهل يمكن أن تمدنا بشهادة الأجر منذ اشتغالك بالقرض حتى اليوم حتى تضع حدا لتلك الاتهامات؟ يسأل المصدر عبد المولى، فيجيب: أنا رجل دولة، لا اهتم بالقيل والقال"، مشيرا إلى أن كل المستخدمين استفادوا من الترقية، ولا وجود لمشاكل داخل البنك، وأن آخر مستخدم بالقرض الفلاحي، يتقاضى 8 آلاف درهما.
بالمقابل، يرفع المعاشي تحديا في وجه عبد المولى وفي وجه كل متهم بتلك الترقية التي يصفها بـ"الخيالية"، بأن يكشفوا جميعا عن شهادة أجرهم أمام الصحافة والرأي العام، متسائلا من جهة أخرى، عما إذا كانت إدارة القرض الفلاحي تقتطع من الأجر الشهري لعبد المولى خلال الأربع سنوات التي ظل فيها يسافر إلى خارج المغرب في إطار مهمة لصالح التعاضدية، مادامت قد اقتطعت من أجورهم يوم خاضوا الإضراب الوطني؟ انسجاما مع شعار الحكومة "الأجر مقابل العمل".
وحول الاتهامات الموجهة للإدارة من طرف المعاشي ورفاقه بخصوص انتصار الإدارة لطرف من الشغيلة ضد طرف آخر، فإن المستشار ينفي أن تكون الإدارة قد انتصرت لمصالح فئة من الأطر والمستخدمين ضد مصالح مستخدمين آخرين، نافيا أيضا أن تكون هناك محاباة في تنقيط المسؤولين لمرؤوسيهم أو تجاوزات في المعاملات في حقهم؛ حيث يؤكد أن الشفافية والوضوح هي لغة الإدارة مع الجميع. ألم تحدث تجاوزات ومحاباة في التنقيط لصالح الشغيلة منذ سنة 2003؟ يسأل الموقع، فيرد المستشار: أنا التحقت بالمؤسسة منذ 2006، ولم يحصل ما تتحدث عنه.
لكن وثيقة صادرة عن المدير العام للبنك مؤرخة في 7 ديسمبر 2011، توصلنا بنسخة منها، تؤكد وجود تجاوزات في حق منتسبين على حساب منتسبين أخرين مارسها بعض مسؤولي البنك عند تنقيطهم، ما دفع المدير إلى اعلان رفضه لهذه التجاوزات والممارسات، مشيرا إلى أنه سيضع تصورا جديدا يسهر على أن يأخذ كل ذي حق حقه.
بنكيران على علم بما يجري داخل القرض الفلاحي
يؤكد المعاشي أنه راسل رئيس الحكومة وكل الجهات المعنية، بخصوص ما يتعرضون له داخل القرض الفلاحي. ولكن نقابتكم تابعة لحزب رئيس الحكومة، فهل، إذا صدقت شكاويكم، تكون إدارة القرض الفلاحي أقوى من الحكومة ورئاستها؟ يسأل المصدر، فيرد المعاشي: "ربما تدخُّل رئيس الحكومة هو من خفف حدة "التعسفات" وحصرها في حدود 20 شخصا فقط، كما أن حزب "العدالة والتنمية" لا يقود لوحده الحكومة فمعه ثلاثة أحزاب آخرى قد لا يوافقونه الرأي في معالجة ما يجري داخل القرض الفلاحي!

مقالات ذات صلة