تحليل إخباري: تعيينات جديدة للولاة والعمال.. تدوير للنخب الإدارية أكثر منه تغييرٌ في النهج


حقائق بريس/ متابعة
الجمعة 7 نونبر 2025


مطالعة لائحة التعيينات الملكية الجديدة في مناصب الولاة والعمّال، وقراءة المسارات المهنية والإدارية، للمعينين الجدد/القدامي، تظهر على أنها عملية “تدوير” واسعة لأطر وزارة الداخلية وترقية لمسؤولين قادمين من داخل الإدارة، أكثر مما هي ضخّ “دماء جديدة” قد تُفضي إلى تغييرات ملموسة في حياة المواطنين. ويأتي ذلك بينما يستعدّ المشهد السياسي لـالاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث تلعب وزارة الداخلية تقليدياً دوراً محورياً في هندسة العملية الانتخابية وإخراجها.


في الشكل، تتوزّع التعيينات بين تحويلات أفقية داخل السلك نفسه، وترقيات قادمة من مسارات تقنية وإدارية، أبرزها انتقال خطيب الهبيل (67 عاماً)، مهندس مدني شغل مناصب عمرانية وتنموية ثم ولايات متعددة، ليتسلّم والي جهة مراكش–آسفي، وتعيين خالد آيت الطالب (58 عاماً)، الطبيب ووزير الصحة السابق، والياً على فاس–مكناس. كما جرى الدفع بمسؤولين خبروا الإدارة الترابية مركزياً ومحلياً مثل محمد زهر (عامل إنزكان–آيت ملول) وعبد الكريم الغنّامي (عامل تاونات) والمصطفى المعزّة (عامل الحوز)، إلى جانب انتداب قادمين من قطاعات تقنية كالماء والهيدروليك (عبد العزيز الزروالي سيدي قاسم) وتدبير المرافق الحيوية (رشيد بنشخي تازة) ومن الجامعة والإدارة المركزية (محمد خلفاوي الفحص–أنجرة).



في الجوهر، تُظهر السير الذاتية للمُعيَّنين اعتماداً مستمراً على خريجي المعهد الملكي للإدارة الترابية وتخصّصات تقنية (هندسة مدنية، هيدروجيولوجيا) وقانون عام، مع حضور لمسارات قادمة من مؤسسات عمومية كالجمارك والإعلام العمومي والزراعة والتعليم العالي. ويبلغ متوسط أعمار أبرز المُعيّنين نحو 59 عاماً، ما يعكس رهاناً على الخبرة الإدارية أكثر من التجريب بجيل أصغر.

الثقل التنفيذي للولاة والعمّال داخل الجهات والعمالات، باعتبارهم الممسكين عملياً بمفاصل القرار الترابي والإشراف على المجالس المنتخبة والبرامج الممولة من الدولة، يجعل أثر هذه التعيينات الإدارية مضاعفاً في سنة سياسية انتخابية حساسة. وبالنسبة لمنتقدين، كانت هناك توقّعات بازاحة “ديناصورات” طال استمراها في مواقعها دون تحقيق أية نتائج تذكر، وضخّ أسماء جديدة قادمة من مشارب مهنية متنوعة وربط المنصب بأهداف معلنة وقابلة للقياس، لكن وزارة الداخلية حافظت على “خدامها” في مناصبهم، وحافظت لائحة تعييناتها الجديدة/ القديمة على وجوه قديمة لفترات طويلة في مواقع السلطة رغم فترات وُوجهت خلالها بانتقادات وشبهات قصور في الإنجاز، ما يعمّق الانطباع بأن سلطة التعيين أقوى من شرعية الانتخاب في هندسة الحكم المحلي.

ومع اقتراب الاستحقاقات المقبلة، يُرجّح أن تتحوّل هذه التعيينات إلى أداة ضبط إداري لإيقاع البرامج الترابية وتمويلاتها (خاصة ما سمي بالجيل الجديد من مشاريع التنمية البشرية)، وإلى اختبار لقدرة الإدارة الترابية على التنسيق مع مجالس منتخبة في سياق اجتماعي يتطلب استجابات سريعة في التعليم والصحة والشغل والماء.

تحتفظ هذه التعيينات بروح “مقاربة الضبط” التي تميّز النموذج الإداري المغربي، بما تعنيه من استمرارية في التحكم بالمجال الترابي وضبط توازناته أكثر من السعي إلى تجديد فلسفة تدبيره أو إشراك المواطن في صياغة أولوياته. فبينما تُقدَّم كخطوة لضمان فعالية الإدارة الترابية وتحسين حكامة المشاريع، فإنها تبدّد لدى كثيرين الرهان على تغييرٍ نوعي في منطق تدبير الشأن العام المحلي.

ومع تمركز السلطة الفعلية في يد الولاة والعمّال، الذين يُنظر إليهم كـ”حكومة موازية” تدير يوميات التنمية وتوجّه قرارات المجالس المنتخبة، يطرح المشهد سؤالاً جوهرياً: ما الجدوى من الانتخابات إذا كانت سلطة التعيين، التي يتولاها الوالي أو العامل، هي التي تحدد اليوم ملامح النسخة الجديدة من التنمية البشرية في كل عمالة وولاية؟ وماذا تبقّى للمنتخب من صلاحيات؟ وأي معنى تكتسبه الشرعية الشعبية أمام شرعية التعيين التي تظلّ الأهم في النسق السلطوي المغربي؟

مقالات ذات صلة