حكاية اسمها البام


توفيق بوعشرين
الثلاثاء 14 أغسطس/أوت 2012



اليوم يحتفل حزب الأصالة والمعاصرة بعيد ميلاده الرابع في أجواء مختلفة تماماً عن تلك التي ولد فيها سنة 2009، حيث كان الجرار حدث السنة بامتياز، ومالئ الدنيا وشاغل الناس. اليوم أصبح الحزب عبئا على السلطة بعدما كان سيفها الذي يهدد أعناق الإسلاميين بالقطع. وأضحى حزب فؤاد عالي الهمة مادة دسمة على لسان عبد الإله بنكيران، يذكر بها من نسي أو تناسى أن المغرب كان على طريق الهاوية، عندما سمح لحزب الدولة بأن ينبت سريعا في حديقة الأحزاب، وأن يغطي على أحزاب أخرى عريقة ولها جذور في التربة السياسية للبلاد. كان حزب الجرار جزءا من حل معضلة ضعف الأحزاب أمام الإسلاميين، فصار جزءا من مشكلة أكبر. جاء ليقوي جبهة الدفاع عن الملكية التنفيذية، فأصبح، بعد الربيع المغربي، عاملا لإضعاف الإجماع حول القصر.

رغم أن البلاد عرفت تجارب فاشلة كثيرة لاستنساخ الأحزاب في مختبرات السلطة، فإن ذلك لم يمنع المهندسين الجدد للدولة من تكرار نفس الخطأ، وقد أغرتهم تجربتا تونس ومصر، حيث بدا الحزبان الحاكمان هناك وقد سيطرا تماماً على الوضع، وشرعا يسوقان نموذج التنمية بدون ديمقراطية للغرب الذي صدق هذه البدعة تحت تأثير الفوبيا من الخطر الأصولي.

لما هبت رياح الربيع العربي وانهار النظامان التونسي والمصري في أسابيع، بدا واضحا أن حزب الجرار في ورطة، خاصة عندما أصبح البام ضيفا غير مرغوب فيه كل أسبوع في تظاهرات حركة 20 فبراير، وخُطب عبد الإله بنكيران الذي خاض حملة انتخابية عنيفة على ظهر هذا الحزب الذي حوله إلى لعنة أصابت البلاد، وجعل منه مشجبا علق عليه كل مشاكل البلاد عن حق وعن باطل.

فهم الوافد الجديد أن اللعبة صارت خطيرة ليس على كيانه الهلامي، ولكن على معادلات الاستقرار وتركيبة السلطة القائمة، لهذا انحنى للعاصفة، وصار مثل الشاة الجرباء التي يتجنبها الكل، ولهذا اضطر لخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة خلف قناع اسمه G8 كان الغرض منه استعمال ثمانية أحزاب أخرى لإعادة تصريف استراتيجية الحزب القائمة على التحكم الناعم في الخارطة السياسية والانتخابية، دون اللجوء إلى أساليب إدريس البصري الفجة لأن الزمان غير الزمان.
نتائج اقتراع 25 نونبر كانت مفاجئة للجميع، للذين ربحوا وللذين خسروا. العدالة والتنمية، الذي اتخذ موقفا براغماتيا من حركة 20 فبراير، استفاد من رياح الربيع العربي، ولم يخسر علاقته بالسلطة، ولم يغامر بالنزول إلى الشارع وإن أبدى موافقة على جزء من مطالب الحركة. حزب الجرار، الذي كان يطمع أن تفعل المنشطات التي حقن بها حزب الأحرار مفعولها، صدم من النتائج التي فاز بها المصباح متقدما على الحمامة بأكثر من 50 مقعدا.
أسدل الستار على فصل من فصول السياسة، وما كان مؤسسو حزب الجرار يخشونه وقع، وهو ما كان يعتبره منظرو الحزب كارثة، أي وصول ملتح إلى رئاسة الحكومة بصلاحيات واسعة، رأى فيه القصر فرصة ذهبية للخروج من العاصفة. ليس هناك أصدقاء دائمون في السياسة ولا أعداء أبديون.. هناك فقط مصالح دائمة، تدور معها الرؤوس حيث دارت.

قبل أن يعين فؤاد عالي الهمة مستشارا للملك، كان بنكيران قد وضع الرجل الأولى في القصر الملكي ولو في مدينة مهمشة مثل ميدلت. المهم أنه دخل إلى دار المخزن التي كان محرما عليه الاقتراب منها.
أكبر درس خرج به المغرب من تجربة البام هو أن الأحزاب مثل الأشجار لا تكبر دون جذور، ولا تُصنع في المختبرات، ولا تزهر قبل موعدها. الدرس الثاني هو أن مفهوم القوة تغير في عالم اليوم، وصارت قوة الأنظمة واستقرارها لا يقاسان بدرجة تحكمها في المشهد السياسي ولا بدرجة استئثارها بالسلطة وبدرجة إقصائها لخصومها. القوة اليوم في الأنظمة السياسية المعاصرة تقاس بدرجة الانفتاح والمشاركة والديمقراطية والتنمية والدينامية المنتجة للمشاريع الجديدة والنخب الجديدة والسياسات العمومية المبدعة.

البكوري، الوجه الجديد للبام، يحاول بأسلوب رجل البنك أن يعيد ملء رصيد الحزب، وأن يسدد ديونه، إن لم يكن بالتصفية القضائية، فعلى الأقل بالتسوية القضائية، وذلك بطلب مهلة من القضاء لاستعادة التوازن، وإلا فإن الإفلاس هو الحل الأخير.

مقالات ذات صلة