حكيم اليسار المغربي المحكوم سابقا بـ32سنة سجنا نافذا احمد راكز لـ "الرهان": لو كان الحسن الثاني حيا لفاجأ الجميع بمواقف غير منتظرة مع حركة 20 فبراير

ليس هناك فرق بين ملك يسود ويحكم وملك يسود ولايحكم لأن الذي يسود هو يحكم في الأصل


حاوره : حميد المهدوي
الجمعة 4 نونبر 2011


قد تصادفه في أي مكان دون أن تعرفه؛ لأنه لم يحترف تسويق تجربته في الإعلام كما كان شأن العديد من رفاق دربه.
حكم عليه بـ22سنة سجنا نافذا في المحاكمة الشهيرة التي عرفت بمحاكة مجموعة 77، ليعاد محاكمته مرة أخرى وهو داخل السجن إثر أحداث عام 1984، حيث صدر في حقه حكم يقضي بـ 10سنوات سجنا نافذا ليصبح المجموع 32 سنة.
عاش العذاب في أقسى صوره داخل الأقبية والمعتقلات السرية الرهيبة كـ"درب مولاي الشريف" وكوميساريات "جامع الفنا" و"عرصة المعاش" و"باب غمات" بمراكش، في زمن الرصاص وما أدراك ما زمن الرصاص. عذاب لازالت تبعاته الصحية تلاحقه حتى يومنا هذا.
ورغم ذلك، وغيره كثير، لازال على الدرب يسير نحو مغرب آخر حلم به وهو شاب يافع رفقة العديد من رفاقه، منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال ينتظر. حاضرا في معظم النقاشات والتظاهرات، متحديا شيخوخته والزمن الذي لا يمهل و سهام الخصوم والرفاق القدامى الذين اختلف معهم اليوم ليس حول طبيعة الأسئلة التي يجب أن تطرح ولكن حول مدى تملكهم للقدرة بشتى أبعادها السياسية والتنظيمية والأخلاقية على الإجابة عن تلك الأسئلة.
إنه أحمد راكز، أحد ابرز وجوه اليسار السبعيني في المغرب، وتحديدا في منظمة 23مارس التي صارت لاحقا منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قبل أن تنصهر في الحزب الاشتراكي الموحد.
في الحوار التالي تحاول "الرهان" قراءة ابرز صفحاته الماضية المثيرة، مسلطة الضوء على مواقفه من بعض القضايا السياسية الراهنة.


مرحبا بك في هذا الحوار، سنين من الاعتقال قضيت في السجون المغربية، واليوم الحراك على أشده في البلد أين راكز من كل ذلك؟
لازلت يساريا مستقلا يحاول تصريف قناعاته بشتى الأشكال و الأساليب ـ التي أغضبت العديد من قدماء الطريق ـ  اعتمادا على قدراتي الذاتية المتواضعة.
واعني باليساري المستقل أني لا أمارس "الحزبوية التنظيمية" رغم أنني انتمي إلى الحزب الاشتراكي الموحد على مستوى القناعات الكبرى ورغم الفتور التنظيمي داخل الحزب الذي يعود إلى تباينات عميقة على مستوى منظوري لإستراتيجية الحزب وطرق تصريفها.
 
هل  تختلف مع هذا الحزب حول مشروع الملكية البرلمانية؟
لا ليس هناك اختلاف حول ذلك. وعندما قلت على المستوى الإستراتيجي فأنا أعني ما أقول. اتفق مع الحزب فيما يخص منظوره لكل مداخل الإصلاح السياسي المؤدي إلى دولة المؤسسات وصيغتها المثلى في المرحلة الراهنة بكل معطياتها والتي  هي الملكية البرلمانية المدسترة كبديل للملكية البرلمانية التنفيذية التي يؤسس لها الدستور الحالي.
 
هل لك أن توضح أكثر؟
كل الشعارات السياسية المرفوعة حتى الآن تنتمي إلى يسار الحركة الوطنية؛ أي الانشقاق الأول الذي حدث في حزب الاستقلال في نهاية الخمسينات، الذي أفضى إلى خروج الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كأول حزب يساري جماهيري.
 
وأين موقع الحزب الشيوعي إذا كان الإتحاد الوطني للقوات الشعبية  هو أول حزب يساري جماهيري؟
تريد أن تدخلني في دوامة لم أكن أرغب في الدخول إليها. ولكن أقول لك مند نعومتي أظافري السياسية كان موقفي من الخط السياسي السائد للحزب الشيوعي (الحزب الشيوعي كتسمية أصلية الذي أصبح حزب التحرر والإشتراكية فيما بعد، والذي صار حزب التقدم والإشتراكية لاحقا) سلبيا رغم أن الحزب كان خزانا لمناضلين شرفاء في قاعدته، وهذا يعني أنني لم أكن أصنفه في خانة اليسار التقليدي.
وعودة إلى سؤالك حول الملكية البرلمانية، أقول إن شعار الإصلاح السياسي والدستوري ظل دائما مطروحا في أجندة الحركة الديمقراطية، وحتى عندما ظهرت حركة شباب 20 فبراير لم تخرج عن هذا الإطار المؤسس نظريا لدولة المؤسسات المدنية والملكية البرلمانية، إذ أن هذا اليسار المتمثل أساسا عند انطلاقه في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية هو أول من طالب بدسترة الملكية بدء بالملكية الدستورية ثم المطالبة بالملكية البرلمانية التي جوهرها دولة المؤسسات.
 
يعني ملك يسود ولا يحكم؟

صراحة لدي تشويش داخلي في ما يخص المفهوم إذ لا أعتبر أن هناك فرق  مفاهيمي بين من يسود ومن يحكم لأن الذي يسود هو يحكم في الأصل. عندما نطالب مثلا  المجتمع الدولي بان يحترم السيادة والقوانين الداخلية لأي بلد فذلك يعني إحترام القرار السياسي والمستقل لذلك البلد.
 
وأي وضع تختار للملك إذا ؟
بالمقاربة السابقة التي فصلت لا فرق عندي بين ملك يسود ولا يحكم أو المقاربات الأخرى للملكية المهم أن تتوفر الرغبة السياسية الصادقة والمصداقية عند رأس الدولة.
 
كل الشروط السياسية الإقليمية منها  والدولية في الفترة التي تحدثتم عنها كانت تسير في اتجاه خدمة تحقيق هذه الشعارات التي رفعها اليسار، هذا دون الحديث عن وضع الملكية في وقته، حيث لم يكن عودها قد تصلب بعد، ومع ذلك  يرى البعض أن اليسار فشل في تحقيق مهامه. ما قولك؟
 لا يمكن حجب الشمس بالغربال. فالفشل التنظيمي والسياسي لليسار واضح تماما بدءً بانحساره التنظيمي قوة وعددا، مرورا بانكفائه على برامجه السياسية الأصلية ومناقضتها أحيانا في الممارسة، ووصولا لإفرازه نخبا متنفذة شكلت الذراع الأساسي في تنفيذ سياسة النظام.
وهذا لا يعني أنه  مات، بل لازال اليسار يختزن بداخله مقومات النهوض شريطة مراجعة تجربته نقديا وموضوعيا.

هل ما قلت ينطبق على مجمل "تلاوين" اليسار بمختلف أجياله أم  أن الأمر يقتصر فقط على اليسار التقليدي اعتبارا لكونك تنتمي لليسار السبعيني المعروف باليسار الجديد عند انطلاقه؟
طبعا، عندما أقيم تجربة اليسار أقيمها في شموليتها إذ أن اليسار السبعيني الذي أنتمي إليه لا يخرج عن إطار التجربة العامة لليسار المغربي بإجابتياها وسلبياتها؛ مما يعني أن كل "المشتقات التنظيمية" لليسار الجديد ("إلى الأمام" و"23 مارس" و"لنخدم الشعب" وهلم جرا..) من الفصائل المنتمية لحركة اليسار الجديد، لم تستطع أن تخرج عن السياق العام لتجربة اليسار المغربي التي حصدت الفشل والانحسار على المستوى التنظيمي والجماهيري. لهذا، لا يعقل مثلا أن يكون عمر اليسار الجديد تقريبا نصف قرن وليس له موقع تنظيمي جماهيري فاعل اعتبارا لكونه يمثل طموحات السواد الأعظم من الشعب.
 
وما مرد هذا الإنحسار في نظرك؟
الخوض في هذا  الجواب يحتاج العشرات من الساعات وربما الأيام.
 
"واش   شرفتي" ؟
(يضحك) لا أبدا،  فتجربتي في المجال السياسي طويلة، ولا تنسى أنني محامي قادر على اللجاج والترافع  الذي هو لب ممارستنا اليومية في المحاكم.
وبالرجوع إلى السؤال أقول إن مرد إخفاقات اليسار السبعيني الذي انتمي إليه، فيها ما هو موضوعي وما هو ذاتي، ولو أنني أغلب العامل الذاتي على الموضوعي، إذ لا يمكن أن نستمر في جعل الموضوعي مشجبا نعلق عليه  أخطاءنا.
 
كل من ينتمي إلى جيلك (اليسار السبعيني) يتحدث بعنترية عن التجربة، علما انه لم يصلنا منها سوى شعارات نارية. كل التجارب البشرية التي عرفت خضات ثورية كانت مصحوبة بإسهامات نظرية وقراءات وكتب ولعل الثورة البلشفية التي كانت مرجعكم وملهمة حماسكم، سبقها العديد من الإنتاج الفكري نذكر كتب : "ما العمل "،  "الدولة والثورة" ـ وكتاب لينين الشهير والحاسم في قراءة طبيعة النظام القيصري "حول تطور الرأسمالية في روسيا"، ناهيك عن مئات إن لم اقل آلاف الكراريس والوثائق، فأين منتوجكم الفكري انتم؟
 

لا تتحامل علينا، تجربتنا بقدر عمرنا..
 
عفوا، ولكن..؟
(مقاطعا) لا دعني أكمل" الله يخليك" تجربتنا  كما قلت بقدر عمرنا فيها من السلبيات ما فيها كأي تجربة سياسية أخرى، ولكن فيها من الإيجابيات ما لا يعد ولا يحصى، وأقلها وجودها المتميز حاليا في المشهد السياسي المغربي، واللغط الدائر حولها. لا احد اليوم يستطيع أن ينكر دورها المتميز في خلخلة الساحة السياسية مند نشأتها.
وإذا كان صحيحا أن هناك شحا نظريا كبيرا في عطاء هذا اليسار، فذلك يعود إلى الطبيعة الحركية لمفهومه للنضال وعدم إستيعابه للأهمية القصوى للنظرية وفعلها في التصور والمقاربة حتى للحركية نفسها فقد حادت القيادات السياسية السائدة في التنظيمات اليسارية السبعينية عن إستيعاب المقولة النظرية لأب اليسار الثوري فلادمير إليتش لينين :  بأن"لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية".
 
يعني  بلا بوصلة، "كنتوا غير مدرمين أوصافي"؟

صحيح،  كنا نستند فقط على نزر قليل من مقولات عامة للقادة اليساريين أمثال "لينين" و"ماو تسي تونغ". وعندما انتبهنا إلى هذا النقص لم يمهلنا الوقت ولا القمع حتى نتدارك الأمر، إذ أن نقاشات داخل "23 مارس" و"إلى الأمام" و"لنخدم الشعب" كانت تصب كلها في هذا الصدد، ولا تنسى اننا ساهمنا ببعض الوثائق مثل "ما العمل" و"خطوة إلى الوراء خطوتان إلى الأمام"  وذلك في بداية السبعينات قبل اعتقالنا ثم خلال  مرحلة السجن.
 
"ما العمل"  "خطوة إلى الوراء خطوتين إلى الأمام"، لقد جعلتني بهذه العناوين أتصور نفسي  كما لو أني صحفي في جريدة "البرافدا" أحاور "مناضلا بلشفيا" في سنة 1913؟
(يضحك) نعم صحيح، الاستنساخ كان آفتنا الكبرى، إذ لم نعمل على تأصيل النظرية الماركسية بإخضاعها للشرط المغربي بأصوله الهوياتية والثقافية، فأصبحنا نظهر كـ"ببغاوات" تعيد تكرار جمل القادة المنظرين الأوائل للماركسية.
وصدقني إن نخبة منا حاولت تجاوز هذه المعضلة، لكن القيادات السائدة  في ذلك الوقت وخطها السياسي لم تستوعب هذا الدرس وعملت على جعل الحركية هي جوهر النضال، عوض المزاوجة الثورية بين النظرية والحركية.
 
ولكن إذا كان هذا هو حال اليسار من ضعف وانحسار،  فلماذا نُكل بكم شر تنكيل في إطار ما بات يعرف بسنوات الرصاص وقرون من السجون  التي وزعت عليكم؟

فعلا، لقد قمعنا بقسوة شديدة ونحن لم نبدأ بعد.
انطلق اعتقالنا في  مجموعة 33 في مارس 1971 ثم مجموعة انس بلفريج وعبد اللطيف اللعبي ومن معه التي حوكم خلالها عبد الحميد أمين سنة 1972، ثم هجمة نونبر سنة 1974.
 
إلى أي مجموعة كنت تنتمي؟
انتميت إلى المجموعة الأولى (33)، فعندما وقع انقلاب الصخيرات سنة 1971، كنت بداخل السجن بمعية رفاقي، ولا اخفيك انه ربما تكون أنت  الأول الذي أكشف لك أننا توبعنا في المحاكمات تحت يافطة إنشاء حزب منحل الذي هو حزب "التحرر والإشتركية" المحظور انذاك.
 
يعني موهتم  السلطات الأمنية؟
نعم، إذ كان العديد منا لا يعرف شيئا حتى عن اسم "التحرر والإشتراكية" والباقي غادره لإنشاء الخلايا الأولى لتنظيمي (ألف و باء) اللذين سيصبحان فيما بعد "23 مارس" و"إلى الأمام".
 
وبكم حوكمت وقتذاك مع "مجموعة 33"؟
بستة اشهر قضيت منها 4 أشهر تقريبا بسجن "بولمهارز" بمراكش ثم سرحنا بموجب عفو ملكي مباشرة بعد انقلاب الصخيرات.
 
غريب كيف أمكن للحسن الثاني أن يعفو عنكم وهو كان لايزال  يتجرع مرارة انقلاب على حكمه؟
لان الانقلاب كان عسكريا بطبيعته، ثم كانت البوادر الأولى لانفتاح القصر على المعارضة لإحياء الكتلة الوطنية التي انطلقت غداة مشاورات 1970 بين القصر والمعارضة،  والتي ستستأنف مباشرة بعد الانقلاب بقليل لتفضي إلى دستور 1972 وستتوقف مباشرة بعد انقلاب أفقير في حادث الطائرة مع أمقران، وما قيل عن تورط بعض عناصر الكتلة في هذا الانقلاب الأخير.
 
وكيف جاء اعتقالك سنة 1974 وعلى أية خلفية؟
اعتقالي سنة 1974، جاء في إطار سياق نضالي، سبقه اعتقالي المذكور أعلاه في 1971، ثم بعده، أثناء الهجوم على الحي الجامعي باكدال بالرباط ثم الحي الجامعي السويسي خلال الهجمة على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبعد ذلك جاء الاعتقال الأخير الذي ذكرت (1974)، حيث اختطفت من مدخل ثانوية حمان الفطواكي بدمنات، يوم 05 نونبر 1974،  لنحاكم في يناير 1977 بعد 3 سنوات من  المعتقلات السرية، والأقبية بكوميساريات "جامع الفنا" و"عرصة المعاش" و"باب غمات" بمراكش ثم درب مولاي الشريف الشهير،  ليصدر في حقي بعد ذلك عند تقديمنا للمحاكمة سنة 1977  الحكم بـ20سنة سجنا نافذا تلتها خلال نفس الجلسة إضافة سنتين شملت جميع المعتقلين، بعد أن اتهمنا القاضي بإهانته عند النطق بحكمه الأول، حيث استنكرنا جميعا الأحكام القاسية التي صدرت في حقنا.
وبعد مرور 10 سنوات على ذلك، جاؤوا وأخرجوني من السجن في اتجاه كوميسارية الرباط لاحاكم من جديد غداة تظاهرات 1984  التي وصف فيها الحسن الثاني المنتفضين على حكمه بـ"الأوباش"، فصدر في حقي حكم آخر يقضي بعشر سنوات سجنا نافذا صادر عن محكمة الاستئناف  بالرباط ليصبح المجموع 32 سنة إضافة إلى الغرامات.
 
وبماذا توبعت؟
تأسيس تنظيم سري وإصدار منشورات محظورة والإخلال بالنظام العام ومحاولة قلب النظامي الملكي.
 
وهل كان ذلك صحيح؟
إذا كانت حرية التعبير والرأي عبر المواقف المكتوبة فذلك صحيح.
 
ولكن كيف كنتم تسربون منشوراتكم في تلك الفترة العصيبة حيث كان النظام يكتم أنفاس الشعب؟
كانت هناك طرق عديدة إما عبر الزيارات المباشرة أو عبر المواد الغدائية والملابس.
 
ألم يكن هناك تفتيش؟
هناك تقنيات تضلل التفتيش.
 
مثل ماذا؟
(يضحك) "الله يهديك أنعل الشيطان"
 
"الله ينعلو ويخزيه"، ما الأمر نحن نقف على التاريخ ونسجل لحوار صحفي قد يصبح جزءً من ذاكرة وطنية وإن كنت تخاف أن تكشف طرقك التي ربما ترى أنها قد تكون وسائل. بعض المعتقلين اليوم فلا بأس.
(يضحك) طيب، أقدر ذكائك الصحافي، ولكن لا ضير أنى أقول لك انه كنا نعتمد على مجموعة من الطرق، كانت أهمها وسيلتان، الأولى إخفاء المنشور بعد طيه جيدا حتى يصبح على شاكلة سيجارة، نضعه في أسفل سروال الزائر ثم نرتق عليه حتى لا يظهر منه شئ، فيغدو السروال كما لو كان عاديا، اما الوسيلة الثانية فكانت ترتبط بحسن استمالتنا لبعض الموظفين الطيبين الذين كانوا يتعاطفون معنا فكانوا يسهلون عملية تسريب منشوراتنا.
 
سمعت أن  العديد من  الزيجات حدثت  في السجن  وان عددا من  المعتقلين  تزوجوا داخله؟
نعم لقد أقمنا  العرس  للعيساوي  محمد عضو  المكتب  السياسي    للاشتراكي  الموحد في  السجن في  "حي ألف" بالمركزي بالقنيطرة في الثمانينات وهناك العديد من المناضلين الذين  أنجبوا داخل السجن ولا داعي لذكر أسمائهم.

كيف عاش أبناؤكم وأنتم داخل السجن؟ في غيابكم؟
عاشوا أوضاعا كارثية، لازالوا يعانون تبعاتها حتى اليوم.

سبق للحسن الثاني أن هددكم بشدة وانتم داخل السجن هل لك أن تضعنا في الصورة؟ 
لم يهدد فقط بل مارس تهديده عبر التعذيب في الأقبية وفي
السجون أيضا، حيث  طالتنا حملات عشوائية استعمل فيها الضرب المبرح ولازلت أتذكر والدموع في عيني كيف كان يضرب رفيقي "معروف" ـ (يتوقف عن الكلام ثم يجهش بالبكاء ويستأنف حديثه بعد أن طلب من "الرهان" المعذرة) ـ قلت لازلت أتذكر كيف كان يضرب رفيقي "معروف" وهو معلق داخل الزنزانة، حيث يأخذ الفلقة على رجليه وجلادوه يطالبونه بان يصرخ ليكسروا عناده، ولكنه ظل صامدا لم يصرخ أبدا، رغم أنهم جلدوه قرابة 80 جلدة  أو يزيد.

هل أفهم منكم انه "لا سماحة مع الحسن الثاني"؟
أنا أدعه مع ربه

ولكن ماذا كنتم تنتظرون من ملك حكمه مهدد بالانقلاب، فأي رئيس دولة مهما كان عمقه الديني والديمقراطي كان سيتعامل بالمثل؟
أولا، دعني أصحح. لم يكن الحسن الثاني يوما ديمقراطيا أما بالنسبة للعمق الديني فالله وحده أدرى به.
أما بخصوص ما قمنا به،  فنحن لم نحمل السلاح يوما، ولم نعتد على أحد، كانت وسائلنا في النضال "بحة الصوت وصرخته"  ثم التظاهرات والقلم والمداد والكتاب وتحريضنا  كان على مطالب ديمقراطية ومشروعة. قد يكون هناك انفلات في التعبير ولكن الحرية والكرامة الإجتماعية هي عمق نضالنا ولا تنسى أن للعمر في آنه دور في الإنفلات اللفظي.

هل تتحدث بإسمك أم نيابة عن جيلك كله؟
هل تحاور شخصا أم جيلا، شخص واحد امامك ورأيي إذا لم أخطا قد يكون رأي الأغلبية؟

أنت قلت بان أفكاركم وإنفلاتاتكم  كانت تحت ضغط العمر. ولكن هناك من جيلكم من لازال تراوده الأحلام الثورية حتى اليوم كيف ستفسر الأمر؟
حتى الآن لازالت تحدوني "الآمال الثورية" والثورة في بدايتنا كانت خلفياتها العنف لقد آمنا آنذاك بالحزب الثوري الذي سيشعل العنف في بعده الطبقي بواسطة حرب تحرير شعبية طويلة الأمد تنتهي بحكم العمال والفلاحين إلى آخره..
والآن شبابنا في حركة 20 فبراير، وفي ربيع العالم العربي يصدح بـ"سلمية سلمية... لاحجرة لاجنوية".
وعليك أن تعلم انه ليس للثورة شكل واحد وليس لليسار إطار واحد وشكل النظام وتسميته ليس سوى مسألة شكلية في آخر المطاف.  المهم هو الجوهر الذي يفضي إليه التغيير. إن وهج الجمهورية كنظام ذهب إلى مزبلة التاريخ مع زين العابدين ومبارك والقذافي وغيرهم.

ولكن ما رأيك في من يقول بأنه عندما كان الشعب المغربي مستكينا لوضعيته، كنتم وحدكم تصارعون طواحين الهواء. وعندما جاءت 20 فبراير وخرج الشعب مطالبا بالتغيير لم يجد أحد لكم أثرا، علما أن  اعتقالات 1974 التي كنت من بين المعتقلين  فيها كانت وحدها تضم ازيد من 2000 معتقل يساري. أين هم الآن في هذا الزمن من الحراك، الذي يقوده أسامة الخليفي!؟

مرة أخرى تجرني إلى خوض ما لم أكن أريد الخوض فيه إلى حين أوانه. وقبل ذلك دعني أقول لك انه يبدو لي انك تتجنى على اليسار الجديد كثيرا، فهو حاضر بكل قوة في 20 فبراير أين تضع النهج الديمقراطي سليل إلى الأمام وأين تضع الحزب الإشتراكي الموحد وأين تضع اليساريين المستقلين "عبد العزيز الوديي" ووالد سلمى معروف، و"زريكم عبد اللطيف" وابنيته و"خديجة المنبهي" والعديد من مناضلي مجموعة 77 الذين يأتون من مدن بعيدة.  كل هؤلاء لم يتخلفوا يوما عن مسيرات الحركة و ماسقته اعلاه على سبيل المثال لا الحصر، فالكثير مما قيل ويقال عن حركة 20فبراير لا أساس له من الصحة وليس سوى وجه إعلامي ظالم ومضلل.
و بخصوص قولك بأننا كنا وحدنا في السبعينات نطالب بالتغيير وان الشعب كان مستكينا لواقعه، فهذا غير صحيح، لم نكن وحدنا والشعب لم يستكن يوما حتى وإن أصاب نضاله بعض الفتور العفوي فقد كان هناك الكثير ينادون بالتغيير، وحتى داخل الأحزاب، التي منها حزب الإتحاد الإشتراكي بعد مؤتمره الإستتنائي.

المشكل حسب المؤرخ عن ذلك أنكم لم تتجاوزوا أسوار الجامعات؟
أبدا، لنا الفضل في تفجير "معركة قطارة" وانتفاضة و"لاد اخليفة" المجيدة وإضراب العطاشة في خريبكة في بداية سبعينيات القرن الماضي، الم تكن حناجرنا تصدح بشعار : "أولاد اخليفة وقطارة والثورة المظفرة".
كما أشرفنا على خلايا عديدة لا يعلم بها إلا الله فيها عمال وفلاحين حتى اليوم لم يكتب ويعلم عنها شئ وسيأتي وقت لتأريخ ذلك.
ولا تنسى أن القمع لعب دوره فموجة الاعتقال الأولى وحدها فقط  أتت على ما يقرب من الألفين معتقل، توبع منها مجموعة 77 التي حوكم خلالها على ما اذكر 136  يساريا حضوريا.

ولكن أين هم الآن؟
إن السواد الأعظم هم العمود الفقري للعمل المدني والنقابي والجماهيري القاعدي.

وسياسيا هم  العمود الفقري في الأصالة والمعاصرة؟
(يصرخ) لا، أبدا هل خمسة أو ستة أو سبعة أو حتى عشرة  مع احترامي لرأي واختيار كل واحد منهم، هل بهؤلاء تحاسب بإسمهم تجربة أعمار؟
أما ما قلت عن 20 فبراير فأسامة الخليفي لا يمثل إلا نفسه وكل الوجوه الشابة البارزة اليوم في الحركة لاتملك إلا نواياها الصادقة والكل يعرف ماذا وراء الأكمة  في ما يخص حركة 20فبراير.

وضح أكثر؟
إن حركة 20فبراير حركة جماهيرية تمثل الطموحات التاريخية لجماهير الشعب الكادحة ونخبه الديمقراطية فهي ائتلاف موضوعي وواقعي وليس تنظيما حتى يملك قيادات، والخطأ الأساسي هو أنها لم تأطر نفسها داخل الحراك.

وكيف ستنظم نفسها والعديد منكم غير واضحين داخلها؟
بالنسبة لنا، نحن واضحين تماما، ونقول انه  على حركة 20 فبراير أن تتميز تنظيميا وسياسيا عنا وعن غيرنا وتخلق أداتها التنظيمية وحدها. وكم كنت أتمنى أن تتجاوز النخبة التقليدية تنظيميا وسياسيا.
إن ما حققته حركة 20 فبراير في المدة القصيرة التي تمددت فيها يفوق ما حققته الحركة الديمقراطية خلال عشرات السنين.
والغريب، ومن مكر التاريخ، أن الذين حاربوها أو الذين "تكتكوا" من أجل احتوائها هم الذين استفادوا من إنحاسرها.

لو سألتك عن الحسن الثاني  إن كان حيا، كيف كان  سيتصرف مع حركة 20 فبراير؟
عن أي الحسن الثاني تتحدث،  هل الحسن الثاني الستينات أم الحسن الثاني السبعينات أم الحسن الثاني ما بعد المرض.
اعتقد أن  الحسن الثاني ما بعد المرض كان قد يفاجئ الجميع بمواقف غير منتظرة بما في ذلك إمكانية الحوار مع الحركة، فطريقة الحسن الثاني في الحكامة  كانت منفردة.

كلمة أخيرة
أولا اشكر الجريدة على مبادرتها، صحيح أنها جريدة في بداية الطريق ولكن اعتقد أنها إذا صارت على خطها التحريري الحالي المهني والمستقل سيكون لها مستقبل.
من جهة أخرى أتمنى ان لا يذهب دم الشهداء ودم المعتقلين ونشاط المتنورين من نخب هذا الشعب هباء فنعود إلى نقطة البدء.

احمد راكز في سطور: من مواليد 1950 بمراكش أب لخالد راكز محامي بهيئة الرباط حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في القانون من جامعة مونبوليي بفرنسا ودبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي صدر له "أوجاع الرأس في خدمة الإسمنت"، كتابات سياسية من داخل السجن. "الرواية العربية بين النظرية والتطبيق" دراسة تحليلية لرواية المسلة للنبي سليمان. مدير مجلة الغد رئيس "الجمعية المغربية لإنماء المعرفة القانونية" و"الرابطة المغربية لحقوق الإنسان".

مقالات ذات صلة