حوار مع الدكتور عبد الهادي التازي الدبلوماسي الفقيه


حاوره : الإعلامي عبد الإله موطيع
الثلاثاء 24 يناير 2012



تقديم:
ولد الدكتور عبد الهادي التازي بمدينة فاس سنة 1921، حاز على الإجازة العليا من جامعة القرويين، قد طمح إلى الالتحاق بجامعة محمد الخامس وحصل على دبلوم الدراسات العليا في سنة 1962 ثم حصل على دكتوراه الدولة من جامعة الاسكندرية 1971.

تقلد عدة مناصب حيث عمل الدكتور التازي سفيرا للمملكة المغربية لدى مجموعة من الدول منها على سبيل المثال لا الحصر العراق مرتين اثنتين الإمارات العربية المتحدة، ليبيا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما عمل مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط ولعب دورا حيويا في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وأكاديمية المملكة المغربية، إنه الدبلوماسي الفقيه والمؤرخ المحنك العارف بتاريخ الوطن، صاحب القلم المتمرس في التأليف والكتابة، من كتبه وأعماله التي أثرى بها المكتبة المغربية والعربية بمؤلفات في مجالات متنوعة من بينها: جامع القرويين "المسجد الجامعة" في ثلاث مجلدات، جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي، صقلية في مذكرات السفير ابن عثمان، أوقاف المغاربة في القدس، التاريخ الدبلوماسي للمغرب في 15 مجلدا، الإمام إدريس مؤسس الدولة المغربية، المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، كما له أعمالا عديدة في مجالات الترجمة والتحقيق نذكر منها تحقيق رحلة ابن بطوطة في خمس مجلدات...

يذكر أن الدكتور عبد الهادي التازي حاضر في عدة معاهد وجامعات ومدارس عليا في المغرب والخارج وشارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية وهو عضو في منتديات علمية عبر العالم وبعدد من مجامع اللغة العربية، إنه الدبلوماسي العارف بفن الخطابة، والفقيه العالم الموسوعي بامتياز، والمؤرخ الفريد

الأسئلة:
س: ودعنا قبل أيام سنة ساخنة ومتميزة بكل المقاييس سقطت خلالها عروش أنضمة عربية واهتزت لها أخرى في إطار ما أصطلح عليه بالربيع العربي ،كمؤرخ ودبلوماسي سابق كيف تابعتم هذه الموجة العارمة من الثورات والاحتجاجات في مختلف أنحاء الوطن العربي؟ وما مؤشراتها الظرفية الإقليمية والدولية؟

جواب: أعتقد أن ما شاهدناه مما سميتموه "سنة ساخنة" كان بالنسبة إلي شيئا عاديا فإنني طوال السنوات التي عشتها أثناء العمل الدبلوماسي سواء ببغداد أو طرابلس أو طهران كنت أفتح عيني على انتفاضات مماثلة كانت وراءها مشاكل السكن المناسب والعيش الكريم، الفرق بين الأمس واليوم أن أجهزة الإعلام بالأمس كانت ممنوعة أو شبه ممنوعة من أن تقتحم بيوت الآخرين بحجة المبدأ الدولي السائد الذي كان يمنع المؤسسات من اقتحام الشؤون الداخلية للدول الأخرى، اليوم أصبحنا نرى أن هذا المبدأ في طريق التلاشي وأن الآخرين يمكنهم أن يكشفوا المستور إن لم نقل يزيدون فيه!!
أريد القول إنه لم يخل زمن من الأزمان دون أن نسجل فيه ثورة أو تمردا أو احتجاجا سمه ما شئت والملخص أننا لم نشهد إجماعا كاملا على الرضى بوضع من الأوضاع، إرضاء الناس جميعهم غاية لا تدرك!! هذه حكمة معروفة ولا ينكرها أحد.


س: ذكرت منظمة العمل الدولية أن تفاقم مشكلة البطالة بالوطن العربي كان من بين العوامل التي أشعلت شرارة الثورات العربية، هل ذلك راجع لضعف معدلات النمو الاقتصادي والخلل الذي يعانيه المناخ العام للاستثمار؟ أم لكون معظم الدول العربية تملك سجلا سيئا في حقوق الإنسان؟
جواب: البطالة وليدة كثرة المواليد... وكثرة المواليد كانت بالفعل وراء التذمر ووراء الاحتجاج، قد تكون قضية حقوق الإنسان في بعض البلاد العربية سببا في تأزيم الوضع، ولكن مع هذا أرجو أن أرجع بكم إلى تضخم عدد سكان الأرض!


س: الاحتجاجات الشعبية المغربية انطلقت يوم الأحد 20/2/2011 بقيادة حركة 20 فبراير حيث طالب المتظاهرون بملكية دستورية برلمانية ديمقراطية اجتماعية وبإصلاحات سياسية واجتماعية، كيف تقيمون تعاطي النظام مع المطالب الشعبية؟ وهل انتم مع من يدعي أن المغرب شكل الاستثناء؟ أم أن المغرب لا زال ضمن دائرة الخطر؟
جواب: أعتقد أن المغرب بحسه الاستباقي كان حاضرا في هذه الظروف بمعنى أنه لم يترك الفرصة لأي أحد في أن ينال من سمعته الضاربة في جذور التاريخ.
ومن هنا فقد قدرت شخصيا يوميات الأحداث المتوالية بالمغرب... تناول الدستور المغربي بما كان ينتظره من تغيير وإصلاح، تصويت الناس عليه، تبع ذلك التصويت وضع الآليات التي تروم تمكين المواطن المغربي من تحقيق الآمال التي يطمح إليها.
واسمحو لي أن أقترح عليكم شطب كلمة "دائرة الخطر" فإن المغرب يقوم على قواعد ثابتة عززتها المبادئ والأصول التي سلكها منذ فجر التاريخ...
أنت تعلم أن المغرب مر بمراحل في حياته لم يكن لغيره أن يسلك مثلها...
الدول التي حكمته معروفة بأسمائها والقادة الذين كانوا يمسكون بدواليب الحكم معروفون بأسمائهم كابرا عن كابر... لم يعرف المغرب فراغا في الحكم...
أريد أن أقول لكم أن مقارنة المغرب بغيره ممن أشرت إليهم يحتاج في نظري إلى إمعان نظر وبعد تفكير...
ستسمحون لي أن أستحضر قول الشاعر الذي أردده دائما أمام طوالبي وطلبتي:
وما تستوي أحساب قوم ثورثت
قديما وأحساب نبتن مع البقل!!


س: أنشئ دستور جديد يحد من صلاحيات الملك و تقوي موقع رئيس الوزراء، توج ذلك بصعود حكومة إسلامية منتخبة الشئ الذي دفع بالنظام لتشكيل حصن حولها مشكل من طاقم من المستشارين كحكومة ضل ، هل تعتقد أن النظام الملكي المغربي قادر على إخراج الوطن من عنق الزجاجة؟

جواب: مرة أخرى سأذكر أنني شخصيا مرتاح من الدستور الجديد، ومرتاح جدا من كفاءة أعضاء الحكومة وقدرتهم على تسيير الأمر، وطبيعي جدا أن يكون للملك مستشارون حول ما يجري في البلاد... وما سمحتم به لأنفسكم في نعت أولئك المستشارين بحكومة الظل... أنا أعتقد خلاف ما تذهبون إليه من استعمال مصطلحات ملغومة تنأى عن الرغبة الصادقة للملك محمد السادس والسيد رئيس حكومته في أن تنهض البلاد... أرجو أن يتجافى موقفكم من مواقف المتشائمين الذين يصنعون من أشعة النور خيوطا للظلام!!.

أرجو أن تقرأ قصص كليلة ودمنة، إني مؤمن بأن رئيس الحكومة قد قرأها وأن جلالة الملك بدوره كان يعرفها، وكلا الطرفين يعملان من اجل بناء مغرب جديد يتناسب وأمسه المجيد.


س: في ضل الحراك الشعبي الذي تشهده المجتمعات العربية، أي منهجية علمية يجب أن يعتمدها المؤرخ لتوثيق مجريات الأحداث؟
جواب: - المؤرخ يعتمد على الوثيقة، أما الأشخاص فتنفقهم الأيام...! على المؤرخ إذن أن يتحرى الأفعال التي تظهر وعليه أن لا يتسرع في الحكم على القضايا بطريق مبتسر... وهكذا فالموقف الآن يتطلب منا أن لا نحكم على صنيع دون أن نعرف عن أهداف هذا الفريق أو ذاك...
نحن الآن نرى أن كل فريق يولي ثقته في الآخر فلم نستعمل أساليب توحي بما قرأناه عن (كليلة ودمنة) التي أشرت إليها سابقا.


س: اعطت الانتخابات التشريعية الأخيرة حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى ليقود رئاسة الحكومة كما بنص على ذلك الدستور الجديد، ما قراءتك لذلك ؟وما تداعيات فوز الإسلاميين بالمجتمعات العربية على السياسة الدولية؟
جواب: عندما تسألني عما أعطته الانتخابات التشريعية أتصور أنك تسألني عن البواعث التي جعلت حزب العدالة والتنمية يتولى الإدارة...أرجو أن أقول لكم إنه لا يجوز إطلاقا لأي محلل ولا متتبع للحالة بالمغرب أن يتجاهل حضور الإسلام في كل منعرج من منعرجات المغرب، في كل زاوية من زواياه، في تعبير الناس بالدارجة وبالعربية... أنت تجد نفسك في عالم الإيمان قمة وقاعدة...
لذلك سأعود إلى القول بأن الذين يتساءلون عن هذه النتائج إنما يريدون أن يتجاهلوا ماضي البلاد التي كانت دواليب الحكم فيها إنما تخضع للإسلام ولا شيء غير الإسلام...

س: إذا طلب منك إبداء النصيحة والتوجيه للرئيس الجديد للحكومة السيد عبد الإله بن كيران، ما القواعد الأربعة التي ترشده لالتزامها لإنقاذ البلاد من اضطرابات شعبية على غرار ما يجري بسوريا ؟
جواب: لا أعتقد أن الرئيس الجديد للحكومة يحتاج إلى نصيحتي فقد وصل إلى ما كان يطمح إليه ولم يكن ذلك الوصول عن طريق الصدفة بقدر ما كان عن طريق الصبر والمثابرة وإعطاء القدوة.
واسمحوا لي مرة أخرى أن أرجوكم عدم المقارنة بين المغرب وبين جهة أخرى، فالمغرب يعيش مع ماضيه المعروف بدوله وبرجاله المعروفين لديك ولدى غيرك...

س: يتوفر المغرب على جالية مغربية منتشرة عبر جل بقاع العالم يتراوح عددها أزيد من 12 في المائة من مجموع السكان، تساهم في اقتصاد البلاد ،كيف يمكن جعلها تلعب دورا استراتيجيا لخدمة الدبلوماسية الثقافية المغربية؟
جواب: معكم الحق في تفقد الجالية المغربية الموجودة خارج المغرب، فقد كنت دائما عندما أجد نفسي خارج المغرب، مع تلك الأسر، كنت أشعر بالواجبات التي يفرضها علينا أولئك المواطنون، كنت أفكر في مستقبلهم الحضاري وهل أنهم يستطيعون مقاومة المناخ الذي يعيشونه ثقافيا ووطنيا؟

لهذا رحبت كثيرا بخلق وزارة كاملة للاهتمام بأبنائنا في الخارج من الذين يسدون خدمات جلى لوطنهم، ومن الذين ينتظرون منا أن نظل إلى جانبهم في غربتهم، نظل إلى جانبهم في كل ما يحتاجون إليه وخاصة فيما يتصل بهويتهم، وما يعمل على الحفاظ على تلك الهوية، وفي نفس الوقت من الذين يتماهون مع قوانين البلاد التي يعيشون فيها.
ألخص القول في أن جاليتنا بالخارج ثروة من ثروات البلاد علينا أن نعرف كيف نحافظ عليها دون أن تضيع في مهب الرياح والعواصف...


س: كلمة أخيرة لجيل حركة 20 فبراير وللتاريخ
جواب: ما دمت قد طلبت إلي أن أتقدم بكلمة لجيل حركة 20 فبراير أرجو أن أقول لكم أنني كنت ضمن الشباب الذين قاموا منذ عام 1936 من القرن الماضي أيام الاستعمار الفرنسي بحركات احتجاجية ضد الحياة التعسة التي كنا نعيش فيها، وبما أن الأمر يختلف عما كنا عليه بالأمس فإن رجائي إلى أبنائنا وبناتنا وهم يعبرون عن أحاسيسهم أن يظلوا كما هو العهد فيهم على يقظة زائدة ووعي كامل بماضي تاريخهم العظيم الذي لم تكسبه أمة من الأمم وأن يظلوا في المستوى... وأن يتحلوا دائما وباستمرار بخصال النبل والشهامة التي تجعل منهم عناصر لا تجاهد في غير الأعداء... نحن ندعو جميعا إلى البناء وليس إلى غير البناء... ولا أننا جميعا قرأنا عن نصيحة ابن سعيد التي رددها فيما بعد الشاعر الفرنسي لافونطين!

ــ شكرا جزيلا على سعة صدرك ، وأدام الله لك الصحة والعافية والهناء

مقالات ذات صلة