خارطة طريق للخروج بالمغرب من الأزمة


ج.أصداء
الجمعة 3 يونيو/جوان 2011


لا نبالغ إذا قلنا إن المغرب الذي شهد أقل حراك شعبي مقارنة بالدول المجاورة التي اندلعت فيها ثورات عارمة وتساقط فيها الضحايا بالمئات، حقق شعبه بالمقابل أكبر المكاسب على مستوى رفع سقف الحريات وتطوير الممارسة السياسية.


‏ بعبارة أخرى لم تنزل ملايين من المواطنين إلى الشارع، ولم يتلطخ الإسفلت بدماء المتظاهرين، ولا تحركت الدبابات والطائرات، ومع ذلك تم فتح المجال أمام تعديلات دستورية لاقت ترحيب الخارج قبل الداخل.

‏ ‏ومن المفارقات أيضا، أن الحزب ´´الأغلبي´´ الموعود بالنصر المظفر في أية انتخابات يشارك فيها، تهاوى دون أن يعلن ´´الثوار´´ بيانهم الأول، ودون أن يحدث تغيير شامل في النظام كما حدث في تونس ومصر، فانفض الناس من حوله، وتوالت الاستقالات، وجهر الراغبون في إنقاذ ماء الوجه ببعض ´´النقد الذاتي´´ الذي تأخر كثيرا عن موعده.

‏وترتيبا على ذلك اختلطت كثير من الأوراق، وانحرف القطار عن السكة التي كانت مرسومة له، وكانت محطتها النهائية وضع اليد على كل مراكز القرار والفعل، و تحييد العمل السياسي بحيث يصبح المغرب مثل تونس و مصر ما قبل الثورة ، عندما كان الحزب هو الدولة ، و الدولة هي الحزب ..
فماذا بقي الآن حتى تنجح الثورة المغربية السلمية التي قادها الملك شخصيا عبر خطاب 9 مارس ؟

ليس المطلوب أن يتحول المغضوب عليهم شعبيا إلى مادة للسخرية في الإعلام العمومي كما يحدث حاليا مع أقطاب نظام مبارك و على رأسهم صفوت الشريف الذي كان بمثابة فزاعة في الوسط الإعلامي ، لكن و من أجل " تأمين الثورة" كما يقال ، لابد من اللجوء إلى بعض الآليات التي قد تبدو راديكالية لكنها تضل ضرورية حتى لا نضطر إلى الدوران في حلقة مفرغة.
‏من ذلك مثلا، أنه من المنطقي أن يتم تحييد المسؤولين السلطويين والإداريين والقضائيين الذين ثبت خلال الانتخابات الأخيرة أنهم تدخلوا بشكل سافر ومباشر لمصلحة الحزب ´´الأغلبي" ، وإلا فما هي الضمانة التي يمكن تقديمها بعدم عودتهم إلى عاداتهم القديمة ‏، مع هذا الحزب أو غيره، علما أن من شأن قرار من هذا القبيل أن يوجه رسالة واضحة إلى المسؤولين المحليين والمركزيين في مختلف المواقع ، مفادها أنهم في خدمة الدولة لا في خدمة حزب أو شخص أو فئة .

‏ومن ذلك أيضأ، حرمان سماسرة الانتخابات الذين عززوا صفوف الحزب ´´الأغلبي´´ وحولوه إلى القوة البرلمانية الأولى في وقت قياسي، من الترشيح خلال الاستحقاقات القادمة، وذلك في منزلة بين المنزلتين بين من يطالبون بحل هذا الحزب وعودة الملتحقين به إلى أحزابهم، وبين من يراهنون على تطورات اللحظة الأخيرة لاستعادة زمام الأمور وإكمال المسيرة وفق ما كان مخططا له.
‏ولا ينبغي التحجج هنا بأن هذه الاقتراحات مناقضة لروح الديموقراطية التي ترفض منطق الإقصاء، وحتى للقوانين الجاري بها العمل، التي لا يمكنها أن تبرر أي إجراء من هذا القبيل.
فالشرعية ´´الثورية´´، إذا استعرنا مصطلحات الزمنين التونسي والمصري، تمنح الحق في اعتماد بعض الأدوات الضرورية لضبط المشهد السياسي، حتى لو كانت في ظاهرها منافية لقواعد التنافس بين مختلف المكونات الحزبية.

‏فمنع ´´الرحل´´ من الترشيح لولاية تشريعية واحدة على الأقل، قد تكون له انعكاسات غير متوقعة على تطهير العمل السياسي من الشوائب التي علقت به خلال العقود الماضية، فضلا عن أن تعطيل لغة المال ولو بشكل جزئي، من شأنه فتح المجال أمام منافسة حقيقية بين الكفاءات التي كانت تنسحب من المنافسة ليقينها بأنه لا شيء يعلو على صوت المال، حتى أصبحنا نسمع في الآونة الأخيرة عن ضرورة تخصيص ´´كوطا´´ للأطر على غرار كوطا النساء.

‏وإذا كانت أكثر من جهة، قد اعتبرت ما عرفه المغرب منذ ميلاد حركة 20 فبراير، بمثابة ثورة ملك وشعب جديدة، فما المانع من تبني بعض الممارسات ´´الثورية" ولو بعد التصرف في مضامينها؟


مقالات ذات صلة