خطاب العرش .. جلالة الملك يدعو إلى مواصلة التعبئة واليقظة لمواجهة تزايد التحديات الأمنية


حقائق بريس
السبت 30 يوليو/جويلية 2016


النص الكامل للخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الى الامة بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد ....







“الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا
رسول الله وآله وصحبه،
شعبي العزيز،
تتوالى السنوات ، بعون الله وتوفيقه ، منذ أن تحملنا أمانة قيادتك. وهي أمانة جليلة بشرف خدمتك ،وجسيمة بما تنطوي عليه من مسؤوليات أمام الله ، وأمام التاريخ ، وعظيمة بما تحمله من التزامات تجاه جميع المغاربة .
ونحتفل اليوم بالذكرى السابعة عشرة ، لعيد العرش المجيد، ونحن أكثر اعتزازا بما يجمعنا من روابط البيعة الوثقى، والتلاحم المتين، وأقوى عزما على مواصلة العمل من أجل تحقيق تطلعاتك المشروعة .
فما أريده لكل المغاربة أينما كانوا في القرى والمدن، وفي المناطق المعزولة والبعيدة، هو تمكينهم من العيش الكريم في الحاضر، وراحة البال والاطمئنان على المستقبل، والأمن والاستقرار على الدوام، في تلازم بين التمتع بالحقوق، وأداء الواجبات .
شعبي العزيز ،
لقد تمكنا خلال السبعة عشرة سنة الماضية من إنجاز إصلاحات سياسية عميقة وأوراش اقتصادية كبرى ومشاريع للتنمية البشرية غيرت وجه المغرب.
غير أن هناك الكثير مما يجب القيام به خاصة ونحن على أبواب مرحلة جديدة ستنطلق مع الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب ، ولا أنتمي لأي حزب. فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون .
كما أنني ملك لكل الهيآت السياسية دون تمييز أو استثناء . وكما قلت في خطاب سابق، فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب .
ومن تم ، فشخص الملك، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين مرشحين وأحزابا تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية .
إننا أمام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها : من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين.
فالمواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين. وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم . وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم ، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم.
لذا أوجه النداء لكل النا خبين، بضرورة تحكيم ضمائرهم ، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها.
كما أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة ، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن.
فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة ، للقضايا والمشاكل الحقيقية للمواطنين.
ومن جانبها فإن الإدارة التي تشرف على الانتخابات تحت سلطة رئيس الحكومة، ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، مدعوة للقيام بواجبها، في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي.
وفي حالة وقوع بعض التجاوزات، كما هو الحال في أي انتخابات، فإن معالجتها يجب أن تتم طبقا للقانون، من طرف المؤسسات القضائية المختصة .
غير أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين.
ولا يفوتني هنا أيضا، أن أنبه لبعض التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها.
فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب.
وهنا أقول للجميع، أغلبية ومعارضة : كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة.
شعبي العزيز،
إن تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.
وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش.
ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها.
والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القا نون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.
كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.
والفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عاد في المجتمع.
والواقع أنه لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.
وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.
ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أ كثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القا نون.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين.
والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة.
شعبي العزيز،
إننا نؤمن بأن التقدم السياسي، مهما بلغ من تطور، فإنه سيظل ناقص الجدوى، ما لم تتم مواكبته بالنهوض بالتنمية.
وتقوم التنمية في منظورنا، على التكامل والتوازن، بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
كما أن رفع التحديات التنموية المتعددة والمتداخلة، يتطلب من جميع المغاربة، فرديا وجماعيا، الانخراط في المعركة الاقتصادية الحاسمة، التي يعيشها العالم.
فالتقدم الذي نطمح إليه ببلادنا، لا يقتصر فقط على مجرد مؤشرات، غالبا ما تتجاهل مسار كل بلد وخصوصياته؛ وإنما نريده أن يشكل تحولا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا، تشمل ثماره جميع المواطنين.
وإذا كان من حقنا أن نعتز بما حققناه من مكاسب تنموية، فإن على جميع الفاعلين، في القطاعين العام والخاص، مضاعفة الجهود، من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة جديدة من التقدم، بين الدول الصاعدة، والتي سبق لنا أن حددنا مقو ماتها.
وهو ما يقتضي العمل الجاد للرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، والتقييم الموضوعي للسياسات العمومية، والتحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية والاجتماعية.
ورغم الإكراهات المرتبطة أحيانا بالسياق الدولي، وأحيانا أخرى بالاقتصاد الوطني، فإن المغرب، والحمد لله، في تقدم مستمر، دون نفط ولا غاز، وإنما بسواعد وعمل أبنائه.
وخير دليل على ذلك، تزايد عدد الشركات الدولية، ك “بوجو” مثلا، والشركات الصينية التي ستقوم بإنجاز المشروع الاستراتيجي للمنطقة الصناعية بطنجة، على مساحة تتراوح بين 1000 و2000 هكتار، وكذا الشركات الروسية وغيرها، التي قررت الاستثمار في المغرب، وتصرف الملايين على مشاريعها.
هذه الشركات لا يمكن أن تخاطر بأموالها دون أن تتأكد أنها تضعها في المكان الصحيح. بل إنها تعرف و تقدر الأمن و الاستقرار، الذي ينعم به المغرب ، و الآفاق المفتوحة أمام استثماراتها .
كما أن العديد من الشركات العالمية ، عبرت عن اهتمامها بالاستثمار في مشروع ” نور – ورزا زات “، الذي يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم .
كما يتزايد عدد الأجانب ، الذين يختارون المغرب للإقامة و الاستقرار، وخاصة من فرنسا وإسبانيا . و منهم من يقوم بإحداث شركات خاصة .
فهؤلاء الأجانب يعيشون في أمن واطمئنان، في ظل حماية أمير المؤمنين، وتحت مسؤولية الدولة المغربية ، إضافة إلى أن المغاربة يعاملونهم بكل ترحيب وتقدير .
وبنفس الإرادة والعزم، نعمل على ضمان أمن المغاربة وسلامتهم، وعلى صيانة استقرار البلاد، والحفاظ على النظام العام.
شعبي العزيز ،
إن صيانة الأمن مسؤولية كبيرة، لاحد لها، لا في الزما ن، و لا في المكان. وهي أمانة عظمى في أعناقنا جميعا .
وأود هنا ، أن أعبر لمختلف المصالح الأمنية، عن تقديرنا للجهود الدؤوبة، والتضحيات
الجسيمة، التي يقدمونها في القيام بواجبهم الوطني .
كما أشيد بالفعالية، التي تميز عملها ، في استباق و إفشال المحاولات الإرهابية، التي تحاول يائسة ترويع المواطنين، والمس بالأمن والنظام العام .
وإننا نقدر الظروف الصعبة ، التي يعمل فيها نساء ورجال الأمن، بسبب قلة الإمكانات. فهم يعملون ليلا ونهارا، ويعيشون ضغوطا كبيرة ، ويعرضون أنفسهم للخطر، أثناء القيام بمهامهم .
لذا، ندعو الحكومة لتمكين الإدارة الأمنية ، من الموارد البشرية والمادية اللازمة لأداء مهامها، على الو جه المطلوب .
كما يتعين مواصلة تخليق الإدارة الأمنية ، وتطهيرها من كل ما من شأنه أن يسيء لسمعتها ، و للجهود الكبيرة ، التي يبذلها أفرادها ، في خدمة المواطنين .
إن مصداقية العمليات الأمنية ، تقتضي الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين، ومع دعاة التطرف والإرهاب ، وذلك في إطار الالتزام بالقانون، واحترام الحقوق والحريات، تحت مراقبة القضاء .
وأمام تزايد التحديات الأمنية ، والمؤامرات التي تحاك ضد بلا دنا ، أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة .
كما أؤكد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية ، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، بكل مكوناتها ، ومع الموا طنين. فالكل مسؤول عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن .
فأمن المغرب واجب وطني ، لا يقبل الاستثناء ، ولا ينبغي أن يكون موضع صراعات فارغة ، أو تهاون أو تساهل في أداء الوا جب . وإنما يقتضي التنافس الإيجابي ،في صيانة وحدة الوطن، وأمنه واستقراره .
فليس من العيب أن تكون الدولة قوية برجا لها وأمنها ، وأن يكون المغاربة جنودا مجند ين للدفاع عن قضا يا وطنهم .
أما على المستوى الخارجي، فإن التنسيق والتعاون، الذي تعتمده المصالح الأمنية ببلادنا ، مع نظيراتها في عدد من الدول الشقيقة والصديقة ، قد ساهم في إفشال العد يد من العمليات الإرهابية، وتجنيب هذه الدول مآسي إنسانية كبيرة .
شعبي العزيز،
إن انشغالنا بقضايا المواطنين داخل المغرب، لا يعادله إلا العناية التي نوليها، لشؤون أفراد الجالية المقيمة بالخارج .
فنحن نقدر مساهمتهم في تنمية بلدهم، وفي الدفاع عن مصالحه العليا .
كما نعتز بارتباطهم بوطنهم ، وبتزايد عدد الذين يحرصون ، كل سنة، على صلة الرحم بأهلهم ، رغم ما يتحملونه من تعب ومشاق السفر، وما يواجهونه من صعوبات .
وإذا كنا نعيد ونؤكد ، كل مرة ، و في كل مناسبة ، شكرنا لهم، وعلى ضرورة الاهتمام بقضاياهم ، سواء داخل الو طن ، أو في بلدان الإقامة ، فنحن لا نبالغ في ذلك ، لأنهم في الواقع ، يستحقون ذلك وأكثر .
وقد سبق أن شددنا على ضرورة تحسين الخدمات، المقدمة لهم . ووقفنا على بعض النماذج ، التي تم اعتمادها لهذا الغرض .
ورغم الإصلاحات والتدابير، التي تم اتخاذها، إلا أنها تبقى غير كافية. وهو ما يقتضي جدية أكبر، والتزاما أقوى من طرف القناصلة والموظفين ، في خدمة شؤون الجالية .
شعبي العزيز،
إن السياسة الخارجية لبلا دنا ، تعتمد دبلوماسية القول والفعل، سواء تعلق الأمر بالدفاع عن مغربية الصحراء ، أوفي ما يخص تنويع الشراكات ، أو الانخراط في القضايا والإشكالات الدولية الراهنة .
فإذا كان البعض قد حاول أن يجعل من 2016 ” سنة الحسم “، فإن المغرب قد نجح في جعلها ” سنة الحزم ”، في صيانة وحد تنا الترابية. فمن منطلق إيماننا بعدالة قضيتنا ، تصدينا بكل حزم، للتصريحات المغلوطة، والتصرفات اللامسؤولة ، التي شابت تدبير ملف الصحراء المغربية، واتخذنا الإجراءات الضرورية ، التي تقتضيها الظرفية ، لوضع حد لهذه الانزلاقات الخطيرة .
وسنواصل الدفاع عن حقوقنا ، وسنتخذ التدابير اللازمة لمواجهة أي انزلاقات لاحقة. ولن نرضخ لأي ضغط ، أو محاولة ابتزاز ، في قضية مقدسة لدى جميع المغاربة .
غير أن المغرب سيبقى منفتحا، ودائم الاستعداد للحوار البناء ، من أجل إيجاد حل سياسي نهائي ، لهذا النزاع المفتعل .
وأود هنا ، أن أجدد الدعوة للجميع، لمواصلة اليقظة والتعبئة ، للتصدي لمناورات خصوم المغرب، الذين صاروا مسعورين، وفقدوا صوابهم ، أمام مظاهر التنمية والتقدم ، التي تعيشها الصحراء المغربية .
فكل المؤامرات المغلفة والمفضوحة ، لن تنال من عزمنا ، على مواصلة تفعيل النموذج التنموي، بأقاليمنا الجنوبية .
فالمشاريع التنموية التي أطلقناها بالمنطقة ، وما تتيحه الجهوية المتقدمة ، من إشراك فعلي للسكان في تدبير شؤونهم ، سيجعل من جهة الصحراء قطبا اقتصاديا مندمجا ، يؤهلها للقيام بدورها التاريخي كصلة وصل ، ومحور للمبادلات بين المغرب وعمقه الإفريقي ، و كذا مع دول الشمال .
شعبي العزيز،
إن دبلوماسية القول والفعل ، التي ينهجها المغرب ، لم تكن لتعطي وحدها النتائج المنشودة ، لولا المصداقية ، التي يحظى بها ، في علاقاته الدولية .
وهو ما أهله للتوجه نحو تنويع شركائه . إن الأمر لا يتعلق بتحرك ظرفي، أو برد فعل طارئ ، من أجل حسابات أو مصالح عابرة . و إنما هو خيار استراتيجي ، يستجيب لتطور المغرب ، و يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها العالم .
كما يعكس مكانة بلادنا كشريك محترم ومطلوب ، بفضل نموذجه السياسي والتنموي، ولدوره كفاعل رئيسي في ترسيخ الأمن والاستقرار بالمنطقة ، و في الدفاع عن القضايا التي تهم إفريقيا .
وكما قلت سابقا ، فالمغرب ليس محمية تابعة لأي بلد . غير أن انفتاحه لا يعني تغيير توجهاته ، ولن يكون أبدا على حساب شركائه . فالمغرب يبقى وفيا بتعهداته ، وملتزما مع حلفائه التاريخيين .
وفي هذا الإطار ، تندرج القمة التي جمعتنا بأشقائنا قاد ة دول مجلس التعاون الخليجي، في أبريل الماضي ، والتي رسخت الشراكة المغربية الخليجية، كتكتل استراتيجي موحد ، و وضعت الأسس الصلبة لنموذج فريد من التحالف العربي . كما أن المغرب لا يدخر أي جهد ، في سبيل تدعيم الشراكة الاستراتيجية التضامنية جنوب – جنوب ، و خاصة مع أشقائنا الأفارقة ، سواء على الصعيد الثنائي ، أو في إطار المجموعات الإقليمية ، لدول غرب إفريقيا .
وتعزيزا لهذه السياسة الإفريقية الصادقة ، أعلنا خلال القمة الإفريقية السا بعة والعشرين ، عن قرار المغرب بالعودة إلى أسرته المؤسسية الإفريقية .
و بطبيعة الحال ، فإن هذا القرار لا يعني أبدا ، تخلي المغرب عن حقوقه المشروعة ، أو الاعتراف بكيان وهمي ، يفتقد لأبسط مقوما ت السيادة ، تم إقحامه في منظمة الوحدة الإفريقية ، في خرق سافر لميثاقها .
و يعكس رجوع بلادنا إلى مكانها الطبيعي ، حرصنا على مواصلة الدفاع عن مصالحنا ، من داخل الاتحاد الإفريقي ، و على تقوية مجالات التعاون مع شركائنا ، سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي .
كما سيتيح للمغرب الانفتاح على فضاء ات جديدة ، خاصة في إفريقيا الشرقية و الاستوائية، وتعزيز مكانته كعنصر أمن واستقرار، و فاعل في النهوض بالتنمية البشرية، والتضامن الإفريقي .
وأغتنم هذه المنا سبة ، لأتقدم بعبارات الشكر الجزيل، لكل الدول الشقيقة، على وقوفها إلى جانب المغرب ، في الدفاع عن وحدته الترابية ، وتجاوبها الإيجابي ، مع قرار العودة إلى أسرته المؤسسية ،خاصة قادة الدول الثمانية والعشرين ، الذين وقعوا على الملتمس، وباقي الدول الصديقة التي ساهمت في هذه المبادرة .
كما نعبر عن تقديرنا وامتناننا ، لجمهورية رواندا ، التي استضافت هذه القمة ، ورئيسها فخامة السيد بول كغامي ، لدعمهم لنا ، وتعاونهم معنا .
و إلى جانب الانفتاح على فضاء ات سيا سية واقتصادية كبرى ، كروسيا والصين والهند ، نسعى لتوطيد شراكاتنا الاستراتيجية ، مع حلفائنا في فرنسا وإسبانيا . كما نعمل مع الاتحاد الأوروبي، على وضع أسس متينة ، لتطوير الشراكة التقليدية التي تجمعنا .
و إن توجهنا نحو تنويع الشراكات ، يقوم على الاحترام المتبادل ، والالتزام بالعمل ، على تقوية التعاون ، على أساس رابح – رابح . و هو ما تجسده الاتفاقيات الاستراتيجية ، التي تم توقيعها ، والتي تشمل مجالات حيوية ، كالطاقة والبنيات التحتية وتطوير المبادلات الفلاحية ، محا ربة الإرهاب ، و التعاون العسكري ، و غيرها .
شعبي العزيز،
إن حرص المغرب على تنويع شركائه ، لا يوازيه إلا انخراطه القوي ، في مختلف القضايا والإشكالات الدولية الراهنة .
فالمغرب يعد شريكا فعالا في محاربة الإرهاب، سواء في ما يتعلق بالتعاون الأمني، مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة ، أو من خلال نموذجه المتميز في تدبير الشأن الديني .
و هو ما أهله ليتقاسم مع هولندا، الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكا فحة الإرهاب .
كما أن بلادنا تنخرط بقوة ، في الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية ، حيث ستحتضن في نونبر المقبل ، المؤتمر الثاني و العشرين ، للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة ، حول التغيرات المناخية .
وهي مناسبة لإبراز التزام المغرب ، بالعمل على تنفيذ اتفاق باريس ، و مواصلة دعم الدول النامية ، بإفريقيا و الدول الجزرية الصغيرة ، التي تعتبر المتضرر الأكبر من تداعيات التغير المناخي .
وبصفته بلدا فاعلا في مجال التعاون الثلاثي ، فإن المغرب يجعل في صدارة سياسته ،توجيه العمل الدولي للاهتمام بقضايا التنمية، وخاصة في إفريقيا .
شعبي العزيز،
إن عملنا لا يهتم كثيرا بالحصيلة و المنجزات ، و إنما بمدى أثرها في تحسين ظروف عيش المواطنين .
ذلك أننا نضع البعد الإنساني في طليعة الأسبقيات . فما يهمنا هو المواطن المغربي، و الإنسان بصفة عامة ، أينما كان .
وإننا نحمد الله تعالى ، أن وفقنا لجعل المغرب على ما هو عليه اليوم : فضاء لأوراش البناء والتنمية ، وواحة أمن واستقرار ؛ رغم إكراهات سياق دولي ، مطبوع بتوالي الأزمات ، وتزايد التوترات .
ونود بهذه المناسبة المجيدة ، أن نعرب عن تقديرنا وشكرنا ، لكل القوى الحية ، ولكل المغاربة الأحرار، الغيورين على وطنهم ، على انخراطهم القوي ، إلى جانبنا ، في بناء مغرب الوحدة والحرية والتقدم ، ووقوفهم الحازم في مواجهة المؤامرات الدنيئة ، التي تحاك ضد بلادنا .
كما نوجه تحية تقدير، للقوات المسلحة الملكية ، والدرك الملكي، والقوات المساعدة ، والأمن الوطني ، والوقاية المد نية ، و الإدارة الترابية ، على تفانيهم و تجندهم الدائم، للدفاع عن وحدة الوطن وسيادته ، والسهر على أمنه واستقراره .
والله تعالى نسأل أن يوفقنا في أداء الأمانة ، التي ورثناها عن أجدادنا ، مستحضرين ، بكل إكبار وخشوع ، أرواحهم الطاهرة ، وفي مقدمتهم جدنا المقدس ، جلالة الملك محمد الخامس ، ووالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني ، أكرم الله مثواهما ، وكافة شهداء الوطن الأبرار.
وسنواصل مسارنا الجماعي ، بكل حزم وعزم ، من أجل عزة المغرب، وخدمة أبنائه .
وستجدني، شعبي العزيز، كما عهدتني دوما، خديمك الأول، حاملا لانشغالاتك وقضاياك ، متجاوبا مع تطلعاتك، في كل الظروف والأحوال.
” قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني“. صدق الله العظيم .
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته”.




مقالات ذات صلة