خطاب مناهضة الحرب بين التبيييء الديني ومعاداة الامبريالية


يسير بلهيبة
الخميس 10 نونبر 2011


يشتد الصراع الاجتماعي و السياسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العقدين الأخيرين ، بين ملامح توجهات ثلاثة تحاول طرح نفسها كعوامل بديلة وذات مشروع مجتمعي قادر على الاستجابة لطموحات شعوب المنطقة : فمن جهة يواصل أمراء الحرب الامبريالية نمدجة العالم وفق توجهاتها الليبرالية الجديدة( حرب العسكرة و الأسواق ) بالمقابل تتقلص الحظوظ وتتسع رقعة المعاداة الشعبية للحكومات العميلة للنموذج الأمريكي ، التي اخدت ترفع من سقف تحركاتها العسكرية والدبلوماسية بالمنطقة ، تعبيدا للطريق وتحصين لمصالحها الإستراتيجية ، ومن جهة ثانية تتخذ بدائل المقاومة لدى شعوب المنطقة بعدا عقائديا يستفيد من انبعاث السلفية و اتساع رقعة الإسلام السياسي باختلاف توجهاته ومذاهبه (أصولي ، راديكالي ، سلفي جهادي،رسمي ، شيعي أو سني )يؤهلها لان يعيش أقوى لحظاته التاريخية ، مدعوما بحملات دعائية توسع من دائرة استقطابه كلما ارتبط الصراع بالحروب الامبريالية و اضطهاد الحكومات لشعوبها ، في حين يقف الطرف الثالث القوى المعادية للرأسمالية - العلمانية التقدمية المدافعة عن عالم أخر - حالة تيهان ووهن وتمزق داخلي ، في محاولة منها لاستيعاب واقعها الجديد ، بآليات مهترئة وشعارات برنامجية ضعيفة تزيد من عزلتها ...يزيد من إهدار العديد من الفرص التاريخية عليها.


مشروع القرن الأمريكي الجديد ..الشرق الأوسط الكبير

صرح رتشارد نيكسون: " إن تسوية سلمية بوساطة الولايات المتحدة يجب أن يكون لها أربعة أهداف : 1- اعتراف دبلوماسي كامل بإسرائيل من قبل جيرانها 2- حدود أمنة لإسرائيل 3- إعادة أراضي للدول العربية التي احتلت في 1967م 4- حكومة ذاتية للفلسطينيين " . يعود التصريح إلى نهاية الثمانينات، حينما كان فريق الخارجية و الأمن القومي يعمل على رسم السيناريوهات الممكنة بعد أفول نجم الحرب الباردة وبداية مرحلة نظام عالمي الجديد ، واضعا عين الاعتبار تشكل قطب معارضة جديدة للقوى الإسلامية ، وهو ما تضمنته الوثائق السرية للاستخبارات الأمريكية (1)" يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سيصبح قوة جيوبولتيكية واحدة ومتعصبة ..وأن الغرب سيضطر إلى تشكيل حلف جديد مع موسكو لمواجهة عالم إسلامي معادي ومعتدي .." . أوقف زحف وتأثير البلدان الاشتراكية على بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، لتنتهي بدلك مرحلة طويلة من المعادلات المرتبطة بالمد القومي ، فالموقف الناصري من وجود القاعدة العسكرية الأمريكية و يليس ، انتهى إلى توطيدها باتفاقيات و إنشاء قواعد عسكرية متعددة في مختلف البلدان العربية ، وتحولت السعودية إلى " مصدر غير عادي للقوة الإستراتيجية وإحدى اكبر الجوائز المادية للتاريخ " (2) في حين تحول نظام مصر إلى ضامن لاستقرار المنطقة ومساوم لتطلعات شعوبها ، مقابل منحه بعض التسهيلات و الرشاوى عبر المساعدات الحكومية للتنمية وإعادة جدولة الديون ، وهكذا فقد ثم إعادة جدولة ديون مصر الثنائية الأطراف بمقدار 21مليار دولار لتنخفض إلى النصف من 110 ميلون دولار في العام 1990 إلى 550 مليون دولار في العام 1991 " كشكر لها على تعاونها أثناء الحرب على العراق "(3).. لم تكن نهاية تلك المرحلة ، إلا إعلان عن مرحلة جديدة مع نهاية التسعينات ، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن طموحاتها في المنطقة " الشرق الأوسط الجديد "* ، أعربت العديد منم الأنظمة العربية عن تدمرهما من المشروع ، وفي حقيقة الأمر لم يكن المشروع يحمل في بنودها إلا توطيدا للمصالح الأمريكية بعدما أثبتت دراسات عميقة للإدارة الأمريكية أن تواجدها في المنطقة أضحى غير مرغوب فيها من الشعوب و أن مستقبل تواجدها ومصالحها مهددة بهبة احتجاجات شعبية ، مقترحة إعادة ترتيب البيت الداخلي للحكومات العربية و فرض ديمقراطيات تمثيلية من شانها تحسين صورتها ، انتهى المقترح إلى سلة المهملات حينما لوح نظام حسني مبارك بورقة الجماعات الإسلامية المتعارضة بعضها مع مصالح الولايات المتحدة في رسالة إلى انه الأكثر ولاء وحرصا على مصالحها ، في حين لوح ملك السعودية عن تدمره ورفضه للمشروع .. على عكس ما يتم تصويغه ، لم يكن منبع المشروع التوسعي للولايات المتحدة بوصول إدارة بوش ،إلا امتدادا لنفس السيناريوهات المؤجلة من قبل الحكومات التي سبقته ، و التي تعتمد على دراسات متعددة حول راهنية التوسع الأمريكي لبسط نفوذه المطلق حول ضخ النفط ، من بينها التقرير الذي أعده مركز الدراسات الاسترانتيجية و الدولية في واشنطن CSIS (4) حيث نبه إلى ارتفاع الطلب على الطاقة بنسبة 50% خلال العقدين الأولين من القرن 21 ، ولتفادي أزمة اشتعال الأسعار اقترح التقرير إنهاء حالة الحضر على العراق وليبيا ومضاعفة إنتاج النفط مرتين و البحث عن تسويات تساعد في رفع وثيرة إنتاج الطاقة مع الحفاظ على هامش كبير من المرونة في الإنتاج السعودي ، وقد ترجم التقرير عمليا من خلال الإلحاق المباشر للعراق بتبعية مباشرة للولايات المتحدة ،وفرض تسوية عسكرية عاجلة انتهت إلى الإطاحة بحكم صدام حسين وفرض على الدول الأوروبية خيارات بوش " إما معنا أو ضدنا " . كما ترجمت الدراسات الإستراتيجية للولايات المتحدة ، بإعادة توظيف الضربات العسكرية ل: كلب الحراسة " الإسرائيلية ، بغرض التصفية النهائية للقضية الفلسطينية ، وتخفيف العبء على الولايات المتحدة وتمهيد الطريق لخارطة عسكرية جديدة تستهدف النيل من إيران وسوريا ،إلا أن توالي إخفاقات الولايات المتحدة في فرض استقرار بالمنطقة نتيجة اجترارها لورطة شبيهة لما وقعت فيه بالفيتنام ، إضافة إلى خيبة أملها في إسرائيل غداة هزيمتها عقب الحرب على حزب الله في تموز 2006 بلبنان ، شكلت كلها عناصر تهديد صريح و مباشر للوجود الأمريكي وإستراتيجيته في ضبط خريطة المنطقة .وتزداد الدوافع للمزيد من عسكرة المنطقة بإعلان الجمهورية الإسلامية إلايرانية استئنافها لأنشطتها النووية ، وميولاتها للعب ادوار طلائعية بالمنطقة، ترهب أمراء النفط وحلفاء أمريكا الدائمين ، بنفس السيناريوهات التي أعلن فيها فيما مضى إبان وصول آيات الله الخميني إلى الحكم ، مع استحضار عاملين أساسيين، الأول: أن تعاطي الولايات المتحدة مع إيران الخميني كان تعاطيا ميكيافليا مقززا ترجمته الحرب العراقية الإيرانية ، و الثاني في إعادة توظيف و تسليط إسرائيل بالنيابة عنها لمباشرة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ، بعدما عجزت المفاوضات في ضبط هوامشه المؤثرة ، و التي تشكل حماس المرادف لدور منظمة التحريري الفلسطيني في مرحلة سابقة . انتهت هده الأخيرة إلى إضعافها و احتواءها في نفق المفاوضات بضغط من الحكومات العربية العميلة ،في حين انبرت حماس كبديل يتمسك بالحقوق التاريخية للفلسطينيين ضمن خيارات سلفية أصولية تفرض نفسها كقوة مصداقية للمقاومة متشبثة بالثوابت الوطنية .

حركة المقاومة الإسلامية في وجه الهولوكوست الإسرائيلي: المنشأ و الجذور

استطاعت قوة حزب الله الضارب في منطقة الشرق الأوسط و التي شكلت الغطاء الواقي لسوريا و إيران ، ضمن موازين قوى عطلت مشروع الشرق الأوسط الكبير ، أن تبرهن على قدرة الحزب في خوض معارك استنزافية - حرب العصابات - بوجود تنظيم مولونتي ،قادر على التأقلم مع هكذا وضع ، مما مكنه من إنزال هزيمة حقيقية بالكيان الصهيوني وحلفائه الامبرياليين وعملائه المحليين من الأنظمة العربية ..فقد جرت حرب تموز 2006 في مناخ تميز قبليا بهجوم حاد للخطاب النيوليبرالي وسيادة الخطاب الانهزامي وبهتان خطاب البدائل العلمانية ، ووجود عسكري قوي و مهيمن للمشروع الأمريكي ، بل و انخراط أطراف عديدة كانت محسوبة على مشروع الممانعة في إدارة عجز الحكومات الرأسمالية ، بدعوى القبول بالأمر الواقع " نهاية التاريخ ، نهاية المثقف ، نهاية الإيديولوجية .." أدت كل هده المعطيات إلى ظهور بديل تتقارب لغته وخطابه وإيديولوجيته من الخطاب الديني السائد لدى فئات عريضة من الشعوب العربية المسلمة ، زكاها مصداقية خطاب حسن نصر الله ووعده باستمرار المقاومة واندحار الكيان الصهيوني تعبيرا عن رغبة دفينة لدى الشعوب المستهجنة و الفاقدة للأمل في نظمها الحاكمة وقوالبها السياسية .. من جهة أخرى أدت سنوات من الردة و مقامرة حركات محسوبة على الصف التقدمي بالقضية الفلسطينية ، إلى إجهاض مسيرة الخمسين سنة من نضال حركة التحرر الوطني ، دفع الجماهير المتعطشة لخيار المقاومة إلى الارتماء في حضن الجماعات الإسلامية الحاملة لخيار الكفاح المسلح والرافضة للاتفاقيات المخيبة للآمال .. ستتمكن المقاومة الإسلامية في شروط زمنية مصيرية لها ارتباطاتها بتغير موازين القوى الدولية و الإقليمية مند بداية التسعينيات ، إلى تربع عرش المقاومة و ارتباط صف عريض من الجماهير بالخطاب الديني (5)، وهي اليوم لا تجدد هدا الارتباط فقط على مستوى جغرافية غزة وجنوب لبنان، بل تتجاوزه إلى احتضانها من قبل أنصار جدد داخل الضفة و خارج فلسطين في مختلف الدول تحت شعار " الإسلام و المقاومة هما الحل " ..يزيد من شعبية هده المطالب ارتماء الحكام العرب في أحضان الولايات المتحدة وإسرائيل " كشريك في توطيد حكمهم باسم السلام " ، بل أشار حزب الله في حرب تموز2006 و في الحرب على غزة أن قوى عربية قد استنجدت بالدعم الإسرائيلي ويقصد بدلك نظام مصر و السعودية ،وليست هده المرة الأولى التي يلجا فيها نظام عربي لدعم إسرائيل حفاظا على مصالحه ، فقد وردت في الوثائق السرية البريطانية (6)، تأكيد خبر لجوء الملك حسين عقب أحداث " أيلول الأسود " خوفا من انتصار الفصائل الفلسطينية بالأردن إلى مناشدة الحكومة البريطانية و الولايات المتحدة يوم 21شتنبر 1970 لإقناع إسرائيل بقصف القوات السورية حليف ياسر عرفات ..كما دفع الثلاثي الأمريكي : جورج بوش و وزيرة الخارجية الأميركية كوندا ليزا رايس واليوت ابرامز نائب مستشار الأمن القومي بعض قياديي حركة فتح "محمد دحلان" بافتعال حرب أهلية للإطاحة بحماس الظافرة في الانتخابات. وهو ما كشفت عنه وثائق سرية (7)..أكدت أن العملية انتهت بنتائج كارثية ، مكنت حماس تحت تأثير وضغط قوات فتح إلى حسم المعركة بالاستيلاء على غزة.. وبارتباط مع صعود الخطاب الديني ، تتوجه الشعوب العربية و الإسلامية اليوم أكثر من غيرها إلى احتضان الخطاب الديني كرمز من رموز المقاومة لما تتضمنه من خطاب ممانعة ورفض للمجازر الامبريالية ، وفق خطاب إيديولوجي يحمل تضليلا وتغليطا للوعي الجمعي ، فاختلط على الشعوب أسباب المقاومة بالوعيد الديني من خلال الترويج:
لخطاب مناهضة الحرب وحق المقاومة في الدفاع عن شعوبها (غزة ، لبنان ، العراق ، أفغانستان ) من منطلق أنها حرب على الإسلام من دولة مغتصبة تقوم على أساس ديني : أمريكا وأوروبا كحاملة للحرب الصليبية و إسرائيل كبلد يدعي انه شعب الله المختار ، بتحالف مع القوى الصليبية المتمثلة في الولايات المتحدة و أوروبا ..وأن المواجهة تقتضي حزاما تضامنيا بين المسلمين للدفاع عن الأمة ..
خطاب نخب و اطر دينية تعكس الخطاب الرسمي: تعمل على تبرير تقاعس الحكومات و تخاذل الأنظمة إزاء الحرو ب الإسرائيلية ، وتفسرها بالأمر الواقع ، إزاء ما تقوم به القوى المتطرفة أو الإرهابية من ردات فعل ، و تفسر تخاذلها برفض أن تكون ضمن أجندة إقليمية (إيران وسوريا ) .
يتموقع الخطاب الديني في قائمة الخطابات الأقدر على النفاد ، من الخطابات التبريرية للحكومات التي أثبتت خيانتها لشعوبها في العديد من المناسبات ، بدءا من كامب ديفيد مرورا بأنا بوليس و علاقات التطبيع و المهادنة و إرساء قواعد تجارية ( قطر - مصر- المغرب...) ، وفي ظل هدا الخطاب المفضي إلى خيارين: إما الإسلام وإما التطبيع ، تقف حركة مناهضة الحرب المعادية للرأسمالية بالمنطقة ، وقفة دهشة و تفكك في القوى والعجز عن استنهاض الهمم في المنطقة ..على عكس ما أبدته من استعدادات إبان الحرب على العراق ..وعليه فان الضعف البرنامجي للحركة سيقود بكل تأكيد إلى نفس مآل فصائل المقاومة التقدمية الفلسطينية وغيرها ، حيث توج إخلاص المقاومة الإسلامية بإحراز ها للعديد من المكتسبات بما فيها جنيها لأكبر رصيد انتخابي و تقويض للشرعية التي كانت تحتكرها منظمات حركة التحرر الوطني. هده الأخيرة تسبب إهدارها للعديد من الفرص التاريخية إلى تكبيل تحركاتها باخطبوط من أشكال الفساد المتعددة ... إزاء هده المعطيات ، يزداد الإنغراس الشعبي و الترويج لنفس الخطاب الليبرالي من منظور ديني ، لا يهدف إلى إلغاء علاقات الاقتصاد بل الحفاظ عليها ضمن قنوات تضامن وتكافل اجتماعي، حيث المناخ السياسي و الاجتماعي و الثقافي يفسح المجال للمزيد من الاستقطاب السياسي للشعوب المقهورة :
تستفيد الحركة الإسلامية بتنوعاتها من الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي للمنطقة حيث ترتفع معدلات الفقر و البطالة و الإجهاز على حرية التعبير: إجمالي الدخل المحلي لمجموع دول الجامعة العربية -22بلد- لا يتجاوز الدخل الإجمالي لاسبانيا (8) أي بمعدل ثلث أبناء المنطقة يعيشون بأقل من دولارين في اليوم. مع تسجيل ارتفاع نسب البطالة الى 50مليون عاطل في غضون 2010 ، في حين تؤكد شريحة عريضة من الشباب العربي بنسبة 51% رغبتها في الهجرة إلى أماكن تتوفر فيها فرص عمل ورخاء اقتصادي (9) ناهيك عن الأوضاع الكارثية لمنظومة التعليم المتخلفة عن إنتاج تربية و تعليم ذات جودة غير قائمة على التسليع ، ووفق تقرير التنمية البشرية العربية 2003 عن أوضاع الديمقراطية وحرية التعبير أكد حاجة الشعوب إلى حكم ديمقراطي في ظل الأنظمة الاستبدادية
تستفيد الحركة الإسلامية من الواقع الاقتصادي المتخلف للمجتمعات العربية و الإسلامية ، باستقطاب دائم ومتجدد لأطرها السياسية . ف" الرجعية الإسلامية البورجوازية الصغيرة تجد إيديولوجيتها وإطاراتها المنظمة بين " المثقفين التقليديين " في المجتمعات الإسلامية من العلماء و أشباههم ، وكذلك من " المثقفين العضويين " التابعين للبورجوازية ، أولئك المنحدرين من صفوف البورجوازية الصغيرة و المحكوم عليهم بأن يظلوا في المراتب الدنيا : المدرسين وصغار الموظفين بالأخص .." (10) كما يمكنها الوضع من توسيع لقاعدتها الاجتماعية المشكلة من شتات العاطلين و المحرومين و المستغلين من العمال و الفلاحين و الباعة المتجولين ..تستعرض بها قوتها التنظيمية في المحافل و التظاهرات و تضرب بها الجماعات المناوئة لخطابها ، مخضعة إياهم لتربية دينية صارمة ، تعكس في مضمونها تربية سياسية تنظيمية تقوم على الولاء و الطاعة للزعيم المستبد المستنير في صورة فقيه أو داعية أو عالم " جليل" أو ..أو.
أدت سنوات بل وعقود من دعم الامبريالية الأمريكية للحركات الإسلامية إلى تمكينها من صياغة إستراتيجية مواجهات عسكرية و معارضة منظمة ..راكمت من خلال العديد من الخبرات و التجارب .. ففي أفغانستان أدى التدريب المكثف للقوى " الجهادية " بأفغانستان من قبل الاستخبارات الأمريكية ، إلى تقوية أجهزة ممانعة قوية ، أضحت اليوم شبكة عالمية إرهابية ، تعتمد في وسائل دحرها للقوى الامبريالية على شن عمليات منظمة انتحارية على المراكز الحساسة للمؤسسات الرسمية و استهداف مصالح السياحة و السفارات و ..بل وتبريرها لاستهداف المدنيين بإصدار فتاوى تبرر قتل الأبرياء يكشف النقاب عما يختزله الخطاب الديني في مراحل تطوره من أنظمة تجريمية ( القصاص ، الحجاب، التعددية السياسية ..).في حين انبرت قوى إسلامية رسمية في استلطاف الحكومات و ممارسة دور سلمي نقدي يؤجل خطوات الاصطدام وفق منظور استراتيجي " حركة الإخوان المسلمين ومثيلاتها في العالم العربي" ..بل ومطبعة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة في إشارة سياسية إلى سلميتها اتجاه المصالح الأمريكية...وعلى مستوى أخر برزت قوة حزب الله و بعض الجماعات الإسلامية المنسلخة من رقابة المؤسسات الرسمية و المعادية للخطاب الأمريكي و الحكومات العميلة ، بإحراز نصر سياسي وديني تاريخي من منطلق عقائدي غيبي ، يزيد من إتلاف وخلط صورة المقاومة لدى العرب بين الحق في الرد وبين منطلقاتها المعادية لأديان ومذاهب أخرى **.
أدى الهجوم الصهيوني وما رافقه من هجوم امبريالي متعدد الألوان و الأطياف بقيادة الشرطي العالمي : الولايات المتحدة بترسيخ واقع التحالفات مع الحكومات الديلية . إلى انتشار لغة الرفض و العداء الشعبي المفعم بروح دينية تتوعد بالعقاب لحلف " الشيطان " معززة وعيدها بسور و آيات قرآنية و أحاديث نبوية هي الأقرب إلى الضمير و الوعي الجمعي ، لقدسيته و لارتباطه بالمعطى الغيبي ، يحمل في عمقه تخاذل في المهام الحقيقية للتغيير ، غير قادر على الجهر بالحسم مع الحكومات العميلة و الدفع بالثورات ضدها ، فتحركات القوى الدينية المنددة بصمت الحكومات ، لم يضع في أجندته تحريض الشعوب لإسقاط أنظمتها السياسية ، وترك هده المهمة للذات الإلهية " الذي يمهل و لايهمل " (11)
في ظل هدا الفرز ، وإذا ما أضفنا انهيار القوى القومية و اليسارية الضاربة في المنطقة لعقود ، و التي ارتبطت محطات انتعاشها بحركة التحرر القومي ، إذ لم يتبق منها إلا بعض الأنظمة الممانعة و المرتبطة بأجندة إقليمية قومية : سوريا ، لبنان ، إيران، ليبيا ..في حين انزوت معظم الأحزاب الممانعة سابقة إلى هوة المشاركة في الحكم و تعرض غالبيتها للاندثار باندثار الشعارات البرنامجية التي رفعتها خصوصا منها البعثية و الناصرية ، أما التجمعات الشيوعية و الماركسية فهي تخوض مخاضا عميقا من اجل إعادة التجميع و لا تزال تترنح من هول التأثيرات السلبية لمخلفات الستالينية و الماوية و الفوضوية ..محاولة استيعاب الآليات الجديدة في معاداة ومناهضة الرأسمالية ، علما أن تواجدها الضعيف و الغير المؤثر في النقابات يدفعها للمزيد من التشرذم و الثورية اللفظية .

الحركة المناهضة للحرب والمعادية للامبريالية

من الأهمية بما كان ونحن نستطلع الواقع الجغرافي و السياسي للحرب على غزة ، استحضار ما تحدثه المقاومة الفلسطينية الإسلامية، من تغييرات إستراتيجية في المنطقة ومساهمتها في بلورة بدائل فعالة في لحظتها التاريخية و رجعية في منظوراتها على المدى المتوسط ..فالمعركة الجارية من قبل الامبريالية تساهم في بعث أواصر التضامن و توحيد الشارع العربي ، أيا كانت تمظهراته : شوفينية ، شعبوية ، دينية ، عرقية .. في حين تقف القوى المعادية للحروب و التقدمية في الفهم و التشخيص موقفا مخيبا للآمال ، كحصيلة طبيعية لما راكمته من هزائم و تضييع للفرص التاريخية ، مند التعبئة المناهضة للحرب على العراق و أفغانستان التي لم تشهدها الحركة مند الحرب على الفيتنام.. تنتظر الحركة المناهضة للحرب و المعادية للامبريالية مهام عسيرة ، تنطلق من القيام بمجهود دائم و متواصل من اجل استنهاض الشعوب على أرضية صلبة و صائبة ، حريصة على خلق وعي جماهيري ترفع اللبس الحاصل لدى شعوب المنطقة فمن رهان على الجماعات الإسلامية ، و اتكالية على الحكومات العربية ..كما ينتظرها مسار طويل من تحفيز الفعل الشعبي المناهض لحكوماته الديلية ، و التحريض الدائم عبر الفضح لمقررات و"عدالة " مجلس الأمن الدولي (أقرت الأمم المتحدة جورا في 1947 تقسيم فلسطين إلى ثلاثة دول : يهودية ، عربية ، نظام دولي للاماكن المقدسة ) و فضح منطق ميزان القوى المتحكم في العلاقات الدولية ، و الاستمرار في فصح السياسات الأمريكية . أيا تعلق الأمر بكلينتون أو بوش أو اوباما ..الخ ، يجيب التاريخ السائل (12)عن الموقف الأمريكي من قضايا العدوان على الشعوب ، فبالعودة إلى سنة 1986 يذكرنا التاريخ انه سبق لمحكمة العدل الدولية أن أدانت " بالاستعمال الغير الشرعي للقوة "و كبلد متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، لا تختلف في بشاعتها عما ارتكبته حليفتها إسرائيل: ( ثم قمع ثورة 1936 من قبل القوات البريطانية و الجيش السري للهاغانا وخلف 5000قتيل - خلف العدوان الاسرائيلي300.000 شهيد و تهجير 700.000 فلسطيني طيلة سنوات 1948-1956-1967-1973 - الاجتياح الإسرائيلي للبنان خلف 18.000 قتيل مدني-1995و 1996 إضافة إلى مذبحة قانا الأولى و الثانية ) : في1965 دعمت أمريكا الجيش الاندونيسي لاغتيال مئات الآلاف من الاندونيسيين وتجددت الاغتيالات في تيمور الشرقية بدعم أمريكي - أبريطاني قاربت التصفية 1/3 من السكان وترحيل 85% من ديارهم في الثمانينات قصفت الولايات المتحدة نيكاراغوا مخلفة الآلاف من القتلى ، قدمت إدارة كلينتون 80% من الأسلحة لدعم تركيا في سحق الأكراد وتشريد 3 مليون إنسان و هدم 3500 قرية ، كما قصفت نفس الإدارة في غشت 1998مستشفى الشفاء الذي كان ينتج 90% من المستحضرات الصيدلية الأساسية بالسودان ،و الملايين من القتلى في العراق و أفغانستان وقبلهما الفيتنام ...الخ إن احتكام الحكام العرب إلى الولايات المتحدة إضافة إلى التاريخ الأسود للدول الارووبية في دعم المجازر (الإبادة الجماعية للهنود وحرب المستعمرات الامبريالية )لا تفيد إلا في رهن الشارع العربي بالمنتظم الدولي القائم على موازين القوى ، و المشيد بخطاب إخلاء الحكومات العربية لمسؤولياتها اتجاه ما يحدث ، تسليما للأمر الواقع .مما يضع الحركة المناهضة للعولمة و للحروب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمام تحديات رفع مطالب و بناء جسور تثقيف مندمجة ومستمرة من خلال :
مطلب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، و اختيار القيادات السياسية التي يراها أكثر وفاءا لمطالبه التاريخية : التصدي للمخطط الصهيوني العامل على تسريع عمليات الطرد الجماعي للسكان الأصليين وإقامة المستوطنات (13)- التصدي و التشهير بجرائمه في حق الإنسانية من تطهير عرقي كلما دقت طبول الحرب ( استهداف المدنيين و الأطفال و النساء )- استفتاء اللاجئين و المهجرين وإقرار حقهم في تقرير مصيرهم شانها شان باقي التسويات و الاتفاقيات..المطالبة بمنح تعويضات للشعب الفلسطيني من قبل الهولوكوست الإسرائيلي على ما لحقه من دمار وشتات .إيقاف المستوطنات وإعادة الأراضي المحتلة مند 1967
النضال و التضامن إلى جانب قوى المقاومة، أيا كانت قناعاتها العقائدية : حماس ، حزب الله وغيرهما من المقاومة الإسلامية ، من منطلقة أنها قوى ممانعة ضد المشروع الامبريالي ومن حرصها على الدفاع عن شعوبها و حقها في التحرر و النضال إلى جانب المضطهدين في الأرض.. مع الاستمرار في خوض حملات تثقيفية دفاعا عن مطالب الحركة المناهضة للعولمة : العلمانية ، التقدمية، الديمقراطية ، رفض النموذج الرأسمالي مهما تغيرت أشكاله وقوالبه..
ربط النضالات التضامنية مع الشعوب ضحايا الحروب النضالات المحلية المناهضة الرأسمالية و ممثليها المحليين..بالاجتهاد في تقديم الإيضاحات و التوعية بالارتباطات الاقتصادية و السياسية من اتفاقيات و تعاقدات تجارية و دبلوماسية بين الحكام و المصالح الامبريالية و الصهيونية .
تنظيم وتجميع أشكال تدخل القوى التقدمية المعادية للرأسمالية على أرضية شعارات برنامجية ومطلبية ترفع الوعي الجماهيري وتبوصل تحركاتها للمزيد من الضغط على الحكومات العميلة(14) .
خوض حملات تشهير ضد الشركات الداعمة للحرب ليس من منطلق عقائدي كما تحاول التجمعات الإسلامية تأكيده ، بل من منطلق التعريف بحجم تواجد اللوبي الإسرائيلي في الأسهم المالية و تأثيره على القرار الاقتصادي ..والدفع بالشعوب للمطالبة لفسخ الاتفاقيات التجارية و مناهضة اتفاقيات التبادل الحر و النضال ضد تفويت المؤسسات العمومية الذي يمكن الشركات الأجنبية من التحكم في مصير الشعوب بدعم من المؤسسات المالية .
تنظيم حملات شعبية من اجل مطالبة الحكومات بوقف تسديد الديون التي توظفها المؤسسات المالية إلى جانب قطع المساعدات و المعونات الأمريكية كسلاح إبان الحروب في عقد التحالفات و توطيد منطق العمالة ..
الدفع باليات الضغط المباشرة على مراكز الرأسمال بإعادة الاعتبار للعمل النقابي و الدفع به في إضرابات تضامنية ، تؤثر على مصالح الرأسماليين وتدفع أدواتهم السياسية لاتخاذ مواقف لصالح الشعوب تخفيفا للضغط الجماهيري على مصالحهم .
إن النضال من اجل إيقاف دق طبول الحرب يقتضي : الدفع بحركة مناهضة الحرب للتشهير وحشد الدعم الشعبي لإيقاف و إلغاء القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة و شن حملات تشهير عالمية ضد تجارة الأسلحة ( في الستينيات زادت النفقات العسكرية العالمية بمعدل 60%-كما بلغت نفقات الناتو 394.9 مليار دولار عام 1996 تحتل فيها الولايات المتحدة 226.4 مليار دولار ..).بل و النضال من اجل ميزانيات مخصصة لسد الحاجيات الأساسية للشعوب وإيقاف جنون ضخ ميزانيات هائلة في النفقات العسكرية ..
تكثيف حملات التثقيف السياسي للجماهير العربية وخاصة السكان الفلسطينيين : إعلام شعبي مناهض للحرب يعمل على تحبين المشروع العلماني من خلال صيرورة مناهج تعليمية وتثقيفية تربط الحل للقضية الفلسطينية وغيرها بقدرة الإنسان نفسه على التغيير وبقدرة الشعوب على التحرر والمقاومة ضد الامبريالية كيفما كان لونها وشكلها وتمحورها ...
تكثيف حملات التثقيف و التعريف بمشروع التقدميين المعاديين للرأسمالية ، وإعطاء الشعوب الأمثلة :الموقف الفنزويلي - تشافيز- ، مواقف الحركة العالمية المناهضة للحرب و المنتديات الاجتماعية و التعريف بتاريخها النضالي و التضامني ..الخ

الهامش

· * المرجع موسوعة ويكبيديا : الشرق الأوسط الكبير، هو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على منطقة واسعة تضم كامل العالم العربي إضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان. أطلقت الإدارة الأمريكية المصطلح في إطار مشروع شامل يسعى إلى تشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حسب تعبيرها، في المنطقة. أعلن على نص المشروع في مارس 2004 بعد أن طرحته الإدارة الأمريكية لى مجموعة الدول الصناعية الثماني.
· ** في خطاب السيد حصر نصر عقب الحرب على غزة في يناير 2009 ، استهل خطابه في ذكرى عاشوراء بخطاب شيعي مذهبي موغل في الحساسية ، مما يزكي نظيره من خطاب في العراق من حرب طائفية بين السنة و الشيعة .
1. يشارد نيكسون : كتاب انتهزو الفرصة ..!.. مطابع قايتباي الطبعة الأولى 1992 ترجمة حاتم غانم
2. نعوم تشومسكي : fateful triangle : the United states ; Israël and the palestinian s .2nd édition ; South end press ; Cambridge .MA .1999.P.17.22.
3. اريك توسان و داميان مييه : كتاب خدعة الديون : السؤال 18 : هل جميع البلدان النامية على حد السواء ص109.
4. تقرير ارخ في نونبر 2000 لمركز الدراسات الإستراتيجية و الدولية في واشنطن CSIS ونشر في فبراير 2001 بعنوان " جيوسياسات الطاقة مع حلول القرن الواحد و العشرين ".
5. 11اطروحة عن انبعاث الراهن للسلفية الإسلامية : جيلبر الاشقر اعيد طبعه في كتاب الشرق الملتهب : الشرق الاوسط في المنظور الماركس يترجمة سعيد العظم الطبعة الاولى 2004 عن دار الساقي ص 69
6. نشرت صحيفة الشرق الاوسط استنادا على ما كشفت عنه امحطة " بي بي سي " من وثائق سرية بريطانية، ثم الإفراج عنها بعد مرور ثلاثين سنة ، حيث تعود الى 1970 وقد كان الملك حسين انداك قد نفى نفيا تاما لدى وسائل الإعلام لجوءه الى اي مساندة خارجية .
7. وثائق سرية تنشرها مجلة (فانيتي فير) ...تكشف تفاصيل خطة بوش - آبرامز للانقلاب على حماس..حسب مقال للكاتب الكاتب ديفد روز
8. نص مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الأمريكي الذي نشرته جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 13/02/2004
9. تقرير التنمية البشرية العربية للعام 2002
10. 11اطروحة عن انبعاث الراهن للسلفية الإسلامية : جيلبر الاشقر اعيد طبعه في كتاب الشرق الملتهب : الشرق الأوسط في المنظور الماركسيترجمة سعيد العظم الطبعة الاولى 2004 عن دار الساقي ص 72
11. الفتاوي التي أصدرها مختلف العلماء – باستثناء علماء القاعدة لارتباطهم بمرحلة فرز تاريخي انهت مصالحهم السلمية بالمشروع الامريكي و بلغت مرحلة الاصطدام المباشر بين مشروعين – كان آخرها فتاوي القرني و القرضاوي في خطب الجمعة 09/01/2009
12. الكتاب الأسود للرأسمالية : تأليف مجموعة من المؤلفين : الرأسمالية البربرية : الجدول الأسود للمذابح و الحروب في القرن العشرين 1900-1997 ص 437-438-439 ترجمة الدكنور انطون حمصي عن دار الطليعة الجديدة الطبعة الاولى 2006
13. نعوم تشومسكي وجيلبر الاشقر : كتاب السلطان الخطير او السياسة الخارجية الأمريكية بالشرق الأوسط ترجمة ربيع وهبة مراجعة امل حوا و تقديم ستيفن شالوم عن دار الساقي الطبعة الاولى 2007ص215.
نعوم تشومسكي: الارهاب حالة 1سبتمبر ( مجموعة مقابلات وحوارات )مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الاولى 2003 ص57-59


مقالات ذات صلة