سياسة حكومية تزرع العنف و الفوضى لضرب الحرية و حقوق الإنسان


البدالي صافي الدين
الجمعة 2 ماي 2025



شهد فصل الربيع هذه السنة تساقطات مطرية مهمة تبشر بعام فلاحي يعوض السنوات العجاف، لكن ما صاحب هذه الأيام ، أيام الغيث ، مظاهر الفوضى العارمة في الشارع العام و المؤسسات العمومية و أيضا تعدد مظاهر العنف و الجرائم التي لم يسبق للمغرب أن شهد مثلها و في مقدمتها القتل العمد و الاغتصاب و السرقة الموصوفة و ترويج المخدرات ،بالأطنان وسط البلاد عبر الشاحنات و السيارات ،حتى القاتلة منها، و أصبح تناولها مباحا في المقاهي و في الأحياء. هذا بالإضافة إلى الفوضى في السير و الجولان، مما تسبب في كثرة الحوادث القاتلة ، و في احتلال الملك العمومي والبناء العشوائي بضواحي المدن. فالسؤال المطروح هو: ماهي أسباب هذه المظاهر التي تنذر بخطر أصبح يتربص بالبلاد ، مظاهر تتعارض و دولة الحق و القانون و دولة السلم و الأمان ؟ إن الإجابة على السؤال تتطلب منا الوقوف عند الأسباب الحقيقية وراء هذه المظاهر ، لكن قبل ذلك لا بد أولا من استحضار الدول في علاقاتها مع التربية على تخليق الحياة العامة و التأهيل الاجتماعي والفوضى العارمة ،ثانيا نقف عند سياسة الدولة المغربية في علاقتها مع التربية الاجتماعية والأسباب المؤدية إلى هذه الفوضى العارمة . أولا : إن سياسة الدول في علاقتها مع التربية و التأهيل الاجتماعي تختلف من دولة إلى أخرى ،حسب الاختيارات السياسية ، إذ أنه في الدول التي تنعم بالديمقراطية الحقة و التي تعتبر بأن الفصل بين السلط شرط أساسي لضمان قيام دولة الحق و القانون و المساواة في الحقوق و الواجبات، في مثل هذه الدول يجد الشعب نفسه في حماية الدولة من سوء إعمال القانون و من الشطط في استعمال السلطة و من الاستبداد و من مخاطر الفساد السياسي و الأخلاقي، كما يجد نفسه يتمتع بحقه في تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و مستعدا لأداء واجباته الوطنية تجاه الدولة و مشاركا سياسيا عبر اختياره الديمقراطي للبرنامج الانتخابي الذي يجد فيه مستقبل البلاد و الجيل الصاعد لا المصلحة الخاصة.
في هذه الدول يكون فيها الدستور هو الأسمى و المرجع الأساسي للفصل في الخلافات القانونية أو التشريعية، و المؤسسات تؤدي دورها الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي على أحسن وجه، إرضاءا للمواطنين والمواطنات والاستجابة لحاجياتهم، فالجماعات الترابية والمؤسسات التعليمية والصحية تقوم بتنظيم الحياة العامة والمحافظة على أمن المواطنين و المواطنات وتقديم خدمات دون تمييز أو لأغراض انتخابية .فهي، أي هذه المؤسسات تسهر على سلامة الساكنة من خلال توفير بنية تحتية متطورة وبيئة سليمة وجذابة و تعمل على انسجام الفن العمراني حتى يكون في مستوى الحضارة و التمدن ، ينمي الراحة و الاطمئنان و راحة البال . لا يوجد بناء عشوائي ولا احتلال للملك العمومي و لا سرقة الأسلاك الكهربائية و لا مظاهر التسول و المختلين عقليا . إنها مؤسسات تسابق الزمان من حيث التطور و الإبداع و من حيث الرفع من الإيقاع المدرسي و المردودية الفنية و الرياضية و الحماية الاجتماعية والصحية. حيث إن المدرسة في هذه الدول تعتبر رافعة أساسية للتنمية و تقدم البلاد و مجالا مناسبا، ليس للعملية التعليمية/ التعلمية فحسب بل لتنمية المواهب و المعارف و المهارات والانفتاح السليم على الحياة العامة ،هي الفضاء الذي يصنع الأجيال القادرة على الانخراط الإيجابي في تخليق الحياة العامة من خلال الأنشطة المرتبطة بالمجال و من خلال البرامج المناسبة التي تحميهم من الأمية و من الفكر الظلامي و من التطرف و من الاستلاب . في هذه الدول لا تجد الفوضى العارمة لها مكانا ولا زمانا معينا، لأن شروطها غير متوفرة. و لأن هناك قضاء نزيه و مستقل و كفء .
ثانيا : إن سياسة الدولة المغربية في علاقتها مع التربية الاجتماعية والتأهيل الاجتماعي لا يمكن فصلها عن الديمقراطية الحقة التي هي شرط أساسي في ضمان الاستقرار الاجتماعي وسيادة القانون . و في غياب هذا الشرط ،اي ديمقراطية خقة، فإن الفوضى العارمة وجدت ضالتها في بلادنا للأسباب التالية :
1- : في غياب الديمقراطية الحقة في بلادنا التي تضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من خلال مؤسسات دستورية منتخبة ،انتخابا حرا ونزيها مع إعمال مبدأ المحاسبة و المساءلة و ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ، في غياب هذه الشروط تحل الفوضى العارمة على جميع المستويات .
2 - من أسباب الفوضى العارمة هناك مظاهر كل أشكال التمييز والمحسوبية والفساد ونهب المال العام و الغش و الرشوة و الشطط في استعمال السلطة وهيمنة لوبيات الفساد على مراكز القرار ،من حكومة و برلمان، و مؤسسات تشريعية و قضاء غير كفء و غير مستقل .

3 - إن الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد تستمد قوتها و توغلها في أوساط المجتمع نتيجة سياسة الدولة التي تستمر في خنق الحريات العامة تحت ذريعة المحافظة على الأمن و تبرر الفوضى بأنها نتيجة مطالب حقوق الإنسان ،هي مقارنة مغلوطة، هدفها تضليل الرأي العام وخلق حرب على المطالب الحقوقية التي أقرتها المنظمات الدولية والدستور المغربي.
4 - من أسباب تنامي مظاهر الفوضى العارمة هو غياب استراتيجية وطنية اقتصادية و اجتماعية توفر ظروف العمل . إن غياب هذه الاستراتيجية جعل البطالة تزداد سنة تلو الأخرى في أوساط الشباب و تنخر النسيج الاجتماعي ، فتولد عن ذلك الهروب إلى الخارج (الهجرة السرية ) و ترويج المخدرات وما ينتج عند استهلاكها من مآسي اجتماعية و إنسانية وسط شباب ضاع فكره، و أخذه اليأس و الإحباط فتمرد على ذاته وعلى مجتمعه وأهله .
5 - من أسباب هذه الفوضى هو حماية الدولة للفساد ونهب المال العام و ونهب الثروات الطبيعية للبلاد و التشجيع على مظاهر الاستغلال و الرشوة و الإثراء غير المشروع ، و التشجيع على اقتصاد الريع و على انتشار القطاع غير المهيكل. إنها أسباب تعصف بالبلاد إلى سبيل الفوضى العارمة و التسيب في جميع مناحي الحياة . هناك يصبح المواطن في حرب من أجل العيش و تدبير حياته ولو على حساب خرق القانون أو على حساب صحة المواطنين والمواطنات أو على حساب راحتهم.
6 - إن الجماعات الترابية في بلادنا هي أيضا تتسبب في انتشار الفوضى العارمة من خلال التستر على البناء العشوائي و احتلال الملك العمومي و انتشار الباعة الجائلين في كل أرجاء المدن المغربية ، كل ذلك من أجل خلق كتل ناخبة، خارج القانون، في كل موسم استحقاقات انتخابية.و تتحول المشاريع الاستثمارية إلى مجال الإثراء غير المشروع و إلى التأجيلات غير المبررة حتى يقترب موعد الانتخابات كي تكون هذه المشاريع محط انجازات الأغلبية المسيطرة على التسيير الجماعي . في هذا المناخ المشحون بالفوضى في التسيير و التدبير الجماعي و في انتشار المباني دون جمالية تذكر أو نسق عمراني وحضاري و في جو مشحون بالمحسوبية و الزبونية و تضارب المصالح، تنمو الجريمة و السرقة و القتل العمد و الفوضى في السير و الجولان و في النقل .
7 : و من أسباب الفوضى العارمة ضرب المدرسة العمومية : إنه لما أصبحت المدرسة العمومية محط إهمال من طرف الدولة من حيث السياسة التعليمية المبنية على اختيارات تربوية غير منسجمة مع بيئة الطفل و قدراته الفكرية و حمولته العقلية و من حيث البرامج التي تتسم بنقل التجارب الفاشلة و لا تساعد على بناء شخصية الطفل و على نموه العقلي. أما البنية التحتية و بنية الاستقبال والفضاءات التربوية فهي تنذر بالبؤس و بالتخلف مما ينعكس سلبا على الأطفال و يجعلهم يفرون من المدرسة . إنه مناخ أصبح لا ينسجم مع روح المدرسة العمومية في التربية على تخليق الحياة العامة و التربية على التضامن والمساهمة في محاربة الأمية و التأهيل الاجتماعي. لقد حولوها إلى فضاء يتسم بالعنف والكراهية والتمرد على القيم التربوية و الإنسانية،حتى باتت محط سخرية و تمرد على قيمها و على دورها التربوي و الاجتماعي و الأخلاقي، فتمرد التلميذ على الأستاذ و على الضوابط التنظيمية للمسار التربوي وأصبح الغش بديلا للمصداقية و المنافسة الشريفة، و اصبحت الفوضى بديلا للانضباط ، حتى أصبحت المدرسة العمومية عند غالبية الناس مضيعة للوقت فيفضلون التعليم الخصوصي الذي ليست له أية قيمة مضافة في مجال التعليم و التعلم و الالتزام بالهوية الثقافية الوطنية إلا السلطة المالية والاعتماد على أساتذة المدرسة العمومية. و تكون النتيجة الاجتماعية والأخلاقية متشابهة في ظل دولة لا ترغب في أن ترى جيلا مسلحا بالعلم و المعرفة و بالعقل السليم و القيم الإنسانية و التضامن و الوعي بالمسؤولية و المطالبة بالمحاسبة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و بالعدالة الاجتماعية و المجالية و التوزيع العادل للثروة،فتبقى المدرسة هي الأخرى تنتج الفوضى العارمة و التطرف و الأمية الثقافية و الانحراف. وبها تكتمل سلسلة أسباب الفوضى العارمة الجريمة في البلاد .

مقالات ذات صلة