ظاهرة الاستغلال غير القانوني للملك العمومي بمدينة فاس


CICID
الخميس 28 يونيو/جوان 2012



تشخيص الظاهرة

تتميز الأرصفة وممرات الراجلين بكونها مسالك حضارية خاصة ذات منفعة عامة التي تسهر الجماعات المحلية على تدبيرها وعقلتنها، بموجب القانون رقم78.00 المتعلقة بالميثاق الجماعي كما تم تغيره وتنميه بالقانون رقم 17.08 والمرسوم رقم 2.78157 بتاريخ 26 مايو 1980 حول التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور والصحة، ثم الفصل 21 من الدستور...بنود تنصب في إطار ضمان سلامة المواطنين أثناء السير والجولان داخل المدينة. غير أن الواقع المفروض في مجتمعنا المغربي حال دون أن تبقى تلك المسالك مصنفة في خدمة المواطنين بل بالأحرى صارت في خدمة البعض منهم الذين لا تهمهم سوى المصلحة الخاصة، حيث دأبوا في كثير من الأحيان واغتنموا الفرص في اغتصاب الأرصفة واستغلالها بشكل عشوائي، دون مراعاة منهم للأشخاص المسنين والأطفال والتلاميذ، والأمهات الحوامل والأشخاص في وضعية إعاقة. فالتجوال واستعمال الرصيف بكل أمان بعيدا عن أي خطر أضحى من المستحيلات بسبب أرباب المقاهي والمطاعم والمقشدات، ثم أصحاب المحلات التجارية والباعة المتجولين الذين يطغى عليهم طابع التنافسية في عرض المنتجات والبضائع على الرصيف بل حتى على قارعة الطريق، ناهيك عن مشابع الماء الصالح للشرب وبالوعات المياه العادمة بدون غطاء والأعمدة والقضبان الحديدية، إضافة إلى السيارات المركونة على الأرصفة سوءًا أمام المنازل لكونها تدخل في إطار ملكيتهم الخاصة أو أمام مقرات العمل، حتى أنه يخيل إليك أنها هي الأخرى أصابتها عدوى الخوصصة والخصخصة وأصبح ثمن المتر المربع أغلى من حياة "المواطن" الذي يضطر النزول إلى الطريق ومزاحمة السيارات ومختلف وسائل النقل في بحث عن ممر خاص يسلكه، مما ينتج عنه عرقلة لحركة السير ووقوع حوادث خطيرة بسبب مستغلي الرصيف وهو الأمر الذي تجاهله المسؤولون عن تخطيط وهيكلة مدونة السير في سياق المساهمين والمتسببين بحوادث السير.

إن استفحال هذه الظاهرة أدى إلى بروز مظاهر سلبية أخرى على غرار الفوضى والعشوائية والازدحام على الطرق وارتفاع حوادث السير، مظاهر جد مؤسفة تمثل المشهد اليومي لحياة المواطن في ظل اللامبالاة التي تتجسد عند بعضهم، بل أيضا لدى الجهات المسئولة عن تدبير وتقنين الملك العمومي من أرصفة وممرات خاصة بالراجلين والسعي إلى تصحيح وإعادة الاعتبار لحق المواطن المسلوب وحمايته.

في هذا الإطار وفي سياق المبادرات الخلاقة التي يسهر عليها المجتمع المدني من أجل المساهمة في ترسيخ مبادئ الديمقراطية التشاركية، والسعي إلى اتخاذ مبدأ الحكامة الجيدة كمنهجية في التدبير والعقلنة


سهرت شبكة ملتقى المبادرات التواصل والإعلام والتوثيق(CICID) -شبكة وطنية تضم أزيد من 80 جمعية- منذ سنة على تبني مشروع حول "محاربة ظاهرة الاستغلال غير القانوني للملك العمومي بمدينة
فاس" الممول من طرف USAID/SANAD ، انطلاقا من برامج وأنشطة مختلفة تمثلت كخطوة أولى في تنظيم مائدة مستديرة حول "تشخيص الظاهرة" من اجل فتح النقاشات ومنح القضية إشعاعية على المستوى المحلي، تلتها دورات تكوينية استفادت منها جمعيات مدينة فاس والتي تم إدماجها في المشروع حول مواضيع تهم الحكامة الجيدة، تقنيات المرافعة، وأخطار الرشوة ; مواضيع كانت لها صلة وطيدة بجوانب المشروع وأهدافه.وقد اتخدت الشبكة على عاتقها إدماج شباب جمعويين في البرنامج استفادوا من دورات خاصة تطرقت لأخطار الرشوة، تقنيات المرافعة، الاستماع، ثم التواصل وفن الإقناع، بيد أن الهدف من ذلك اندرج في إطار تنظيم حملات تحسيسية تمت قيادتها من طرف أولئك الشباب بشوارع وأحياء المدينة لتمكين الراجلين من إدراك اهمية الرصيف لضمان سلامتهم، وتوعية أرباب المقاهي، وأصحاب المحلات التجارية بخطورة احتلال الملك العام على حياة الراجلين. وقد تخلل ذلك عقد ملتقى حول موضوع "تحرير الأرصفة وممرات الراجلين من الاستغلال غير القانوني" ضم أزيد من 170 جمعية وطنية، واطر سياسية، تعليمية، إدارية، سلطة محلية ومسؤولين ومستشارين ... . وقد لقي هذا النشاط ردود فعل ايجابية داخل مختلف الأوساط إذ تم على إثره عقد لقاءات تواصلية مع السلطات المحلية في العديد من المدن المغربية، واتخذت بعض الجرائد الوطنية على عاتقها مسؤولية التطرق إلى الآفة ومحاربتها. وقد نظمت الشبكة بهذا الصدد مائدة مستديرة ثانية ضمت أزيد من 50 مشارك ومشاركة، يمثلون الصحافة والإعلام وجمعيات المجتمع المدني، من اجل إدماجهم في برنامج المشروع... ويعتبر هذا النشاط ضمن الأنشطة المبرمجة والهادفة إلى تعميم تجربة المشروع على المستوى الوطني مادامت هذه الظاهرة تهم كل المدن المغربية. كما سيتم عقد منتدى سيضم أزيد من 200 جمعية من اجل خلق تحالف للترافع وطنيا لتحيين القوانين المنظمة لتدبير الملك العمومي ومحاربة الظاهرة، وسيعقب هذا النشاط تنظيم ندوة صحفية بمدينة الرباط. وتجدر الإشارة إلى أن هدف المشروع لا ينحصر في التحسيس والتوعية وإنما يتجلى في انجاز ملف ترافعي حول ظاهرة الاستغلال غير القانوني للملك العمومي من اجل تطبيق القوانين الخاصة بتدبير الملك العمومي لتحرير الأرصفة وممرات الراجلين من كل احتلال غير قانوني، وتوفير مسالك خاصة بالراجل كحق من الحقوق الذي يضمن سلامته وكرامته الإنسانية.


مقالات ذات صلة