"عزل الحرب" وليس "عزل القوة" خيار أوباما


عبد الحميد العوني
الأحد 21 أبريل 2013



بدت حدة التصعيد الأمريكي في انخفاض "ممنهج" مع بيونغ يانغ بعد العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية ردا على تجربة نووية أجرتها في فبراير الماضي، وعرضت سويسرا وساطتها لإيجاد حل.
ومعلوم أن زعيم كوريا الشمالية كيم دونغ درس في سويسرا لمدة، ويتوسط هذا البلد الذي يلتزم الحياد في أكثر من 15 جولة من مفاوضات السلام في الأعوام السبعة الماضية من بينها مفاوضات في السودان، كلومبيا، سريلانكا، أوغندا ونيبال.
ما قرره أوباما بخصوص تأكيد تجربة إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات (مينيو تمان3) لتجنب تأجيج التوتر وتأجيل اللقاءات العسكرية مع سيول (كوريا الجنوبية) يقول جونغ سونغ جو، يهدف إلى عزل "خيار الحرب" وليس "خيار القوة" في أمريكا.
ويظهر بوضوح أن واشنطن أمام ثلاث أنظمة مارقة ضد شعوبها، زعيم من الكوريين ضد الديموقراطية وآخر في سوريا ضدها أيضا، ونظام فكري للقاعدة من أفغانستان إلى شمال مالي ضد الديموقراطية.
ولا يمكن مع القاتلين للإنسان ولحقوقه أن نقرر الحرب، لأن هؤلاء يمثلون جزءا من حيواننا العنيف في دواخلنا، وقد سعت الحضارة والأديان إلى ترويضه، ولا يمكن جمع الإنسان الراغب في السلام والراغب في الحرب في خانة واحدة.
هذا الصراع الأبدي بين الحق والقوة، يكشف أن عزل "الحرب" وعدم عزل القوة جزء من المعادلة الأمريكية مع أوباما، حيث يمكن ضمان قواعد واضحة بموجب القانون الدولي يلزم كوريا الشمالية أو بشار الأسد.
ومن الخطير أن يحرك جونغ تهديداته دون قواته، وأن يعلن الأسد دائما حماية مصالح الغرب في أجواء التوتر الشديد، فيما تعلن فرنسا الحرب في مالي لأن أمريكا متحفظة من حرب جديدة، وتريد باريس أن تغطي حرب الطائرات بلا طيار بملمح استراتيجي وعسكري، وأيا يكن الحال، فإن أوباما لا يريد أن يتمكن أحد من دفع العالم إلى الفوضى أو الأنانية، بما فيها أنانيتنا؟
هل الأمر بهذا الشكل أم أننا أمام بلد كفرنسا تستغل عدم رغبتنا في الحرب لإدارة القوة في غرب أفريقيا، وأمام الصين لإدارة صراع كوريا الشمالية، كما يتوهم بعض الجمهوريين.
في الوقع، لم يحدث في التاريخ أن تواجدنا في الجزائر بهذا الشكل ولا في النيجر أو موريتانيا، وإن صنعت باريس حربا، فقد صنعنا معادلة القوة "غير القابلة للمراجعة" في غرب أفريقيا انطلاقا من الجو في الجزائر عبر نظام مراقبة غير مسبوق، ومن النيجر عبر الطائرات من دون طيار، ومن موريتانيا والسنغال، وحول بشار الأسد، لم يكن تواجدنا الحالي مسبوقا في الأردن كأرض عمليات، ومن داخل العراق وإسرائيل، وفي لبنان أيضا.
وفي كوريا خفض أوباما احتمال الحرب، وزاد من حجم القوة لمواجهة سيناريوهات الضربة النووية لجونغ، فيما اعتبره البعض إعادة انتشار مباشر في بحر الصين، يبني قواعد جديدة للتعامل والتوافق مع الصين، طالما أن هناك "قضايا حساسة وتهديدات أمنية تقليدية وغير تقليدية" بتعبير الرئيس الصيني جي جيبينغ.
يريد أوباما إعادة رسم قواعد اللعبة، وفي سوريا نفس المربعات، وإن رد بشار الأسد بأن الأمر يتغير أيضا، أي تقسيم سوريا لتقسيم المنطقة، فالخارطة لا تعدو أن تكون رغبة دفينة عند أطراف متعددة، هناك نظرية "لبنان الكبير" و"سوريا الكبرى"، و"إسرائيل الكبرى"، والصراع بين هذا الثالوث طي النفوس، وتفتيت سوريا لتفتيت المنطقة خيار بحد ذاته، لكنه من دون معنى، لأن دفاع إسرائيل أو لبنان يزداد قوة، فأول من يقف ضد مشروع بشار الأسد هم جيرانه، وعندما قرر الإيرانيون وبشار الأسد التهديد بهذا الوضع في العراق، وجدنا القاعدة تعلن دولة العراق والشام في توسع آخر ينفي التقسيم!
قدرتنا على تفجير أمن الجيران لن تكون ودمشق محاصرة، وقد يتركها الأسديون نحو الإقليم العلوي، لكن هذا البعد سيكون "أبخازيا أخرى"، ولكن من دون معنى، لأن حماس أعلنت كيانها في غزة، ولم تؤثر في الخارطة، ولم تكرس سوى الوضع القائم.
بناء "كانتون علوي" في سوريا لن يفجر المنطقة، بل يقلل من تفجيرها إلى حين تذويبه عن طريق الديموقراطية السورية، فأول من أعلن الدولة ليس العلويون الذين هددوا إنما القاعدة، وهذا التنظيم سيقاتل بشراسة في حرب مفتوحة ضد هذا الانفصال.
في صالح إسرائيل وجود نزيف تواجهه جماعة "النصرة" الإرهابية وحلفاءها ضد العلويين، كي لا تتجه البندقية إلى إسرائيل.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
لا بد من لقاء أوباما والملك محمد السادس
أرسل صامويل كابلان في الندوة الصحافية الأخيرة له، كسفير لأمريكا في المغرب، إشارة قوية تقول: يتعين على الملك زيارة أمريكا ـ بشكل رسمي طبعا ـ قائلا إن أوباما يرحب بقدوم الملك محمد السادس.
عدم طلب الملك محمد السادس زيارة أمريكا رغم تشديدات من سفيرها يكشف أن الملك له حساباته في الأمر، لأن العلاقات مستقرة وربما بدأت في الركود، وتتطور في الجزائر أكثر من المغرب، وعدم زيارة ملك البلاد لواشنطن رغم وصول البلدين إلى "حوار استراتيجي" لن يفيد الطرفين.
خصوصا وأن هذه الزيارة أصبحت "ضرورة"، حسب الأمريكيين، فلماذا ليست بهذه الضرورة عند المغاربة؟ ربما يعتمد المراقب، على مقولة: لا حوار استراتيجي أمريكي ـ مغربي دون لقاء أوبامي ـ ملكي، ودون الوصول إلى قدرة في فهم "خارطة الطريق" التي يعتمدها الأمريكيون في المنطقة، لأن وضع البيض كله في سلة فرنسا ليس بالأمر الطبيعي، كما أن خطوات التوازن التي نسجتها أمريكا بين الجزائر والمغرب وصلت حدود "تسليب" الوضع المغاربي تماما، وإن أدى إلى مفاوضات غير مباشرة بين الملك المغربي والرئيس الجزائري عبر الأمم المتحدة، لكنها من دون ترتيبات ثنائية بخصوص مستقبل "المينورسو" كما ظهر.
حاليا تعمل واشنطن على حل قضية الصحراء، ودعمت روس كجزء من المسار الأممي في وجه القرار المغربي، وفضلت أن تعمل لمصالحها في موريتانيا والنيجر، وأخيرا تبيع الجزائر أكبر برنامج دفاعي لمراقبة الحدود قد يفتح الحدود المغربية ـ الجزائرية، ويلغي في المقابل جزءا من الامتياز في "المناورة" الذي تتمتع به طائرات إف 16 التي باعتها واشنطن إلى الرباط.
وأيا يكن الوضع، فإن لقاء الملك محمد السادس ـ أوباما سيكون تقدما في مسار تحسين العلاقات الثنائية المغربية ـ الأمريكية، بعد أن أصبحت واشنطن لاعبا محوريا في غرب أفريقيا والساحل، والمغرب يود أن تكون له خطة اتجاه القارة السمراء.
ولا يمكن حفظ دور المغرب في الخارطة الجديدة في الساحل وغرب أفريقيا، ما دامت باريس لا تريد من المملكة أي دور خارج خدمة خطتها في حوض المتوسط، وإن سعى الجميع إلى اختزال الدور الأمريكي الذي منع حربا مغربية ـ إسبانية في بداية حكم الملك محمد السادس حول جزيرة ليلى، فيما يريد بوتفليقة الآن، أن يصل إلى ترسيم الحدود المائية مع المغرب بنفس التنازلات التي أبداها مع مدريد في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، وكلما زادت العلاقات الجزائرية ـ الأمريكية تقدما زادت رغبة الرئيس الجزائري في الوصول إلى أهدافه.
تعرف واشنطن جيدا كيف تبنت الصين في سياستها الخارجية "الرد الهجومي" لعلاج مشاكل الحدود، وكيف يمكن أن يكون الجيش الجزائري متبنيا لهذا التاكتيك في البحر بعدما انتهجه بريا، فأخذ عشرات الكيلومترات في إطار ترسيم أحادي الجانب لاتفاق إيفران 1972.
وفي هذا الإطار، فإن الحوار الاستراتيجي المغربي ـ الأمريكي، والجزائري ـ الأمريكي قد يدعمان السلام وتسوية المشاكل العالقة في المنطقة، فإطلاق حوار أمريكي ـ مغاربي من الطفرة التي ينتظرها من يرغب في إنشاء "بيئة تفاوضية" بدأتها الأمم المتحدة في شخص مبعوثها كريستوفر روس شيء ممكن.
والواقع، أن حوارا مباشرا وعميقا مع فرنسا وغير مباشر عبر الأمم المتحدة مع الجزائر يشدد على حوار مباشر بين الملك المغربي وأوباما لخدمة مصالح المغرب مع الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن، في رسم الخارطة الجديدة.
من جهة، لا يمكن لفكرة صعود الحل "سلميا" في الصحراء أن تكتمل دون حوار يتم اليوم عبر الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يتقدم دون حوار دولي، كما تدعي موسكو، من خلال مؤتمر دولي، وهو الخيار المعول عليه في حال فشل الدبلوماسية المكوكية لروس، أو حوار مغربي ـ أمريكي كما يجري بين باريس والرباط.
نحن نخسر ماليا واقتصاديا مع فرنسا، ولا يمكن أن ندفع فواتير أخرى من اقتصادنا للولايات المتحدة، لكن إدارة المصالح تقتضي شيئا آخر في تدبير المصالح الحيوية للمغرب، ليس بالطريقة التي تعامل بها الحسن الثاني، أي التوازن.
وبعد موته تحول التوازن إلى اتفاقين وشراكتين تجاريتين مع أمريكا وأوروبا، دفعت جراءه المملكة ثمنا غاليا حوالي 40 في المائة من الميزان التجاري لصالح الشركاء.
لا نطلب نظرة التوازن التي لم يرغب الحسن الثاني في إعطاءها وجها تجاريا، في إعطاءها نفسا آخر فقط، بل وعملا آخر، ينقل المغرب إلى "ديناميكية أخرى" كي لا يخسر أكثر.
لدى البعض إجابات عن هذه الإشكالية، ولا تزال قدرة الحكومات ضعيفة على التعامل مع هذه التحديات، فيما قررت الجزائر الذهاب بعيدا في علاقتها مع أمريكا، وقرر المغرب أن يتجه إلى فرنسا في إطار لا يفيد مصالح جميع الأطراف.
من جهة أخرى، تسلط الشراكة الأمريكية ـ الأوروبية الضوء على موقع باريس، وهي تقود المتوسط "ككتلة ثقل" ليتوازن رهانها مع ميركل في أجواء تقسيم مصالح هذه الشراكة على الأوروبيين، ويدفع المغرب جزءا من أزمة فرنسا من خلال توطين شركاتها على أرضه، ويعمل على تحقيق رهانها في المتوسط من أجل توازن من داخل البيت الأوروبي بعدما فقدت باريس، قبل عشر سنوات، تنافسها أمام ألمانيا، وفي حال توقيع الشراكة الأوروبية ـ الأمريكية سيكرس الوضع غلبة ألمانيا، ويدفع المغرب ثمن هذه الشركات التي عقدها مع أوروبا وأمريكا، والشراكة الثالثة (والعميقة) مع فرنسا.
وفي هذه الأزمة الفرنسية غير المسبوقة، لا يجب أن يبقى المغرب الشريك التجاري لأمريكا، بعيدا عن شراكته عبر الأطلسي، وأن ينتظر إلى حين توقيع الشراكة الأوروبية ـ الأمريكية قبل أن يوقع على الشراكة مع أوروبا.
لن أقول ما قاله "ستيفان لوفول" وزير الفلاحة الفرنسي، بأن هولاند يعيش "لحظة صعبة جدا" اتجاه الألمان، وهو يحصن ويحمي مصالحه بالحرب في منطقة الساحل نفوذ فرنسا في دول جنوب المتوسط وغرب أفريقيا، لكن الطبيعي في المغرب:
1 ـ أن يتقدم في الحوار الاستراتيجي الذي انطلق مع الولايات المتحدة الأمريكية، والأخيرة تناقش شراكتها مع أوروبا، وهو يناقش شراكته مع الاتحاد الأوربي.
2 ـ أن يعيد النظر في اتفاقيات التبادل الحر مع الجميع، وفيما يطلب من أمريكا تعديل الاتفاق، يوطن الشركات الفرنسية على أرضه، وتستدعي إدارة مصالح المملكة أن يبقى المغرب "معياريا" إلى حدود قصوى مع شركاءه الكبار، وقد اختار هذا الطرح رغم المنتقدين الكثيرين له.
3 ـ أن المغرب يدفع ثمنا لتوافقات فرنسية ـ أمريكية في الجزائر والساحل وغرب أفريقيا بدأت باتفاق بايدن ـ هولاند، واتفاقيات استخبارية غير مسبوقة قطعت مع مصالح مغربية متقدمة لدى الجانبين، وبالتالي، خسر اقتصاد المغرب رهان جلب الاستثمارات، وبقي سوق الاقتراض مفتوحا، لأسباب سياسية وليست اقتصادية.
ومن المفاجئ أن تكشف زوجة السفير الأمريكي في المغرب ـ المنتهية ولايته ـ أن المغاربة لا يرغبون في الإصلاح، خوفا من البديل، وبتعبيرها: إنهم حذرون من التغيير، وهو ما يؤشر إلى تكريس الأزمة الحالية في المملكة، والتطبيع معها جزء لا يتجزأ من المشهد، فيما تعتقد المؤسسات المالية الدولية أن الإصلاحات "حياة" وأن مسار راديكاليتها هو القادر على انقاذ الاقتصاد من صعوباته الحادة.
القول أن المغاربة حذرون من التغيير، يجعل القصر غير مطالب بقياة إصلاحات جذرية، لأن المناخ العام لا يساعد على ذلك ـ على الأقل حسب تقييم زوجة السفير ـ ونتساءل، هل الحل في الصحراء نحو الحكم الذاتي المفتوح نحو الفيدرالية لا يدفع إلى هذه الإصلاحات؟ وهل المغرب غير القادر على التغيير قادر على مثل هذه الخطوة العملاقة في جنوبه؟
هناك معنى لفصل التحولات في المغرب بين ما يريده المغاربة، المتحفظين على التغيير، وبين ما يطالب به المجتمع الدولي فيما يسميه "الطابع الملح" لحل قضية الصحراء.
وفي ذلك، نرى بوضوح، أن أمريكا لن تضغط لتغيير الأوضاع في المغرب، لأن المغاربة حذرون، وهو ما يسهل لقاء أوباما والملك محمد السادس، لكنها تعلم جيدا أن هذا التقييم لا يخدم التحولات الحالية التي تجري لحل مشكل الصحراء.
قد يكون المسؤول المغربي مقتنعا بمقولة: أن مواجهة استحقاق الأمم المتحدة لن يتم دون فرنسا، وفي هذا القدر يمكن أن تتحرك الرباط، في وقت صعب، لكن حوار أمريكا يفيد ويعمق "نفس الرؤية".
ولا يمكن انتظار قدرتنا على الخسارة لنخسر، لأن ما يجب الانتباه له، أن فرنسا لا تريد أن تكون معزولة عن أمريكا في تقدم واشنطن في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، كذلك لا تريد أن تنعزل في مجلس الأمن، وهي على قدر من الهشاشة الاقتصادية ـ الحقة ـ والهشاشة الاستراتيجية في غرب أفريقيا وبمنطقة الساحل لا تمكنها من دعم حل "محدد" إلا بقدر التزامها في مجلس الأمن.
أولا، فرنسا تعاني من أزمة اقتصادية عميقة لا يمكن أن توفر لنفسها المكان المناسب في مفاوضات الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وعلى ذلك، يمكن أن يدفع حلفاءها ثمن قوتها، ويجب أن يربح المغرب التعددية في الشركات الدولية وإلا دفع الثمن غاليا من شريكيه الفرنسي والأمريكي.
ثانيا، أن فرنسا ـ في ظل ضعفها ـ لا يمكن أن تستخدم لصالح المغرب حق النقض في مجلس الأمن، ولا يمكن للمغاربة أن يدفعوا ثمن عودة باريس إلى المقدمة.
وفي الحوار الأمريكي ـ المغربي، ما يمكن أن يشكل بناء "إيجابية أخرى" لتعدد الشركات التي عرفها المغرب دون أن يكون له معهد استراتيجي واحد، وهو يوقع كل هذه الاتفاقيات الحرة في التجارة.
ليس الحوار الأمريكي ـ المغربي ضروريا إلا بقدر ضرورة الحوار الفرنسي ـ المغربي على أعلى مستوى ورغبة أوباما في زيارة الملك المغربي ليست "بروتوكولية".
ثالثا، تعمل أمريكا على "إنتاج سياسات معدلة" في منطقة الساحل والمغرب الكبير، ولابد من التكيف معها، لأن البناء الأحادي النظرة للمصالح ليس في صالح أي دولة.
من الأهم أن يصل الحوار الأمريكي ـ المغربي إلى رئيسي الدولتين (أوباما والملك محمد السادس)، لأن هذا الحوار ليس مؤسسيا بالشكل المطلوب، وليس قويا إلى الدرجة التي يسمى فيها بـ"الاستراتيجي" دون لقاء بين ملك البلاد والرئيس الأمريكي.
وأي أفق لا يتمكن من إنتاج قيمة مضافة لا يزيد سوى في إرهاقنا، لأن المغرب الذي تأخر كثيرا، وعن قصد في دمقرطة نفسه، قد يواجه "حداثة وحشية" ـ إن استخدمت كلمة نيكولاس بلينكو في وصفه لما قامت به تاتشر ـ وهي شقيقة الملك الراحل في السياسات العامة عندما اقترح العلم والتنبر على البوليساريو، مما يعني وضعا لن يكون دون تعسف قيمي على دولة المخزن وعلى الثقافة السياسية الحسنية في الثمانينات من القرن الماضي ـ أو مفروضة انطلاقا من الجنوب، ولأن الأمن المغربي لا يريد أكثر من "استقرار الأوضاع وتحريكها نحو الأمام، كلما تقرر ذلك، هذه السياسة المعول لها فشلت في مكافحة الإرهاب، لأنها قوت التطرف، وحاليا، يمكن لأي نموذج معياري يخدم الوضع النهائي في الصحراء" أن يفيد الديموقراطية المغربية إلى حدود بعيدة.
ومواجهة المغرب لحذره يجب أن يبدأ من الآن، وإلا دفع أثمان الطريق وفي لحظة الحسم، يؤكد الأمريكيون على رغبة في تقدم القوانين المغربية، تماما كما يريد الفرنسيون (كما أشار هولاند).
بصراحة، أن حوار أمريكا والمغرب دون رئيسي الدولتين، ودون مأسسة موازية فاعلة، ديناميكية، ليس استراتيجيا بالمفهوم المتداول، وستكون زيارة الملك المغربي لأمريكا:
ـ إعادة تقدير وتثمين العلاقات الثنائية، وقد يجدد لقاء أوباما ـ الملك محمد السادس استدعاء الاستثمارات الأمريكية لحل الأزمة الاقتصادية، من واقع أن العلاقات الخليجية ـ الأمريكية قوية ونحن نرغب في تعزيز دور الرأسمال الخليجي في الساحة المغربية.
ـ إعطاء دفعة لتصحيح الاتفاق التجاري المغربي ـ الأمريكي، لأن الولايات المتحدة لا تريد أي تعديل في اتفاق التبادل الحر لنقله إلى الجزائر، لكن فتح الحدود المغربية ـ الجزائرية سيخفف من الجانب المغربي الانعاكسات السلبية لهذا الاتفاق.
ـ القدرة على إعطاء دعم إضافي لمجهودات السلام والاستقرار في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل.
معلوم أن العلاقات الأمريكية ـ المغربية بانطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين قد أسست لبعد آخر: أن لقاء الدول ليس دبلوماسية أشخاص، لكن دعوة السفير الأمريكي المغادر للرباط فيها رسالة بطعم خاص...

مقالات ذات صلة