فاطمة الزاهي الممرضة التي كشفت المستور...


عبد الكريم قوقي
السبت 12 ماي 2012



لم تكن صبيحة يوم الثلاثاء 08 ماي 2012، كباقي صبيحات سير العمل داخل المستشفى الإقليمي بابن جرير، صبيحة ذابت فيها أكوام جليد الميول و الظروف و المصالح و السياق، اندمجت في جداول رقراقة صافية اللون و العذوبة، مشكلة فسيفساء تضامني يضم كل ألوان الطيف النقابية... تضامن و التحام خلناه انقرض و اضمحل، لكن لكل مقام مقال.

فالوقفة الاحتجاجية التضامنية للأطر الصحية، كانت رسالة واضحة المعالم و التقاسيم لمن يهمه الأمر و الذي على ما يبدو أنه يغط في سبات أهل الكهف، لا يؤمن إلا بالبيروقراطية الإدارية، و التي كانت للأسف عاملا مباشرا في اندثار أمم و حضارات برموزها و سدنتها، كما درسنا في علم التاريخ، و الحمد لله عايناها بأم أعيننا، بتهاوي عروش المستبدين، بداية ببنعلي و مبارك و نهاية غير موقوفة التنفيذ لباقي الجبابرة عند الأحمق القذافي، فما أدراك بالزبانية التي تأمر و تنهي من فوق بروج عالية ، و تحسب أنها تحسن صنعا دون وعي تام بأن بروجها شيدت بخرسانة و فولاذ مغشوشين.

و قفة احتجاجية، تضامنية .... لا تهم نوعيتها بقدر ما تهم دلالاتها و سيميائياتها و ظروفها و التي لا يمكن حجبه أشعتها بالغربال بأية حال، فالجميع يعرف المستشفى الإقليمي عز المعرفة، و ربما أكثر من منزله الذي يأويه، و يعرف تركيبته البشرية من البواب إلى كبير المسئولين، و كذلك لا تخفى ظروف العمل المزرية في مستشفى أسال الكثير من حبر الاعلاميين و تعالت فيه صيحات الهيئات الحقوقية و النقابية منذ سنوات، لكن على ما يبدو أن أقفال قلوب المسئولين صدئت و بات من شبه المستحيل فتحها بشكل سلس.

صراحة، لا يحس بمرارة الظلم إلا من ارتشف من كأسه، و استنشق أريجه، لكن الظلم ظلمات، ويبقى ظلم ذوي القربى أشد وقعا و مضاضة ، كيف لا؟ وهم اللذين تلقوا وردة كلها أهات و ذكريات، ريحانة جريحة كان الأحرى رعايتها و عنايتها بإخلاص لتحيى أفنانها و تسترجع عنفوانها و أريجها الفواح بعد فاجعة و نكبة 21 ابريل، التي اسلم فيها الروح لباريها سائق سيارة الإسعاف المرحوم النعيمي عبد المولى، في حين ظلت نسمات حياة الريحانة الأخت الممرضة فاطمة الزاهي تتناحر إياها و شبح الموت من أجل بزوغ فجر جديد باشراقة حياة جديدة، بالمركز الاستشفائي بمراكش، والذي كانت له طريقته الخاصة في الترحيب و الاعتناء بها على إيقاع سيمفونية الإهمال و معزوفة اللامبالاة و عدم الاكتراث...فتحية و ألف تحية للطاقم الطبي بمراكش على روح التعاون و حسن الكرم و الضيافة !!!!

حقيقة لو أن ما حصل للأخت الممرضة، حصل لمواطن عادي لكان أمر عادي، لأننا اكتسبنا مناعة ضد السيناريوهات التراجيدية المتكررة في مستشفياتنا بطريقة غير منقطعة، و التي في اغلبها ممارسات غير أخلاقية تنتقص من أدمية الإنسان و تعطي إشباعا نفسيا فياضا بأنه لا شيء جميل في هذه الحياة، ما دامت القلوب البيضاء الرقيقة قست و تصلبت أمام المناظر و الفواجع التي تكون داخلة في رحاها و شاهدة على مكابدتها...ومن لم يصدق فما عليه إلا أن يقوم بزيارة لأقرب مركز صحي و يفرك عينيه و يفتح أذنيه فسوف يرى العجب العجاب و يسمع حكايات ألف ليلة و ليلة...

ما نتمناه هو أن يتم الاهتمام الكامل و الرعاية التامة بالممرضة، خاصة أن زوج وأطفال ينتظرونها بشغف و حرقة و هم لازالوا محتاجين لعطفها و حنانها... والتي مهما كانت الظروف و الملابسات تبقى مواطنة تتمتع بجميع الحقوق و قيم المواطنة، و تستدعي منا الوقوف مع بعضنا البعض كل من موقعه .

و أملي أن يلتفت المندوب الإقليمي التفاتة الفرسان الأشاوس...للعائلة الصحية الذي يبقى أولا و أخيرا هو المسئول عنها و ندعوه لتنظيم و تأثيث بيته الداخلي و حل مجموعة من القضايا العالقة في المستشفى الإقليمي والمراكز الصحية و التي تفوح رائحتها من حين لأخر...و إذا كان السيد المندوب لا يدرك مكامن الخلل في المنظومة الصحية، فنحن بصدد إعداد تحقيق صحفي بكل مهنية و تجرد، حول الأوضاع و المرافق الصحية بالرحامنة و ستكون موثقة بالصوت و الصورة و حتما سنأخذ رأيه في العديد منها، فإن شاء أن يأخذه مرجعا بعد نشره فله ذلك.

فتحية و ألف تحية للأطر الطبية المشاركة في الوقفة الاحتجاجية من ممرضين و ممرضات و أطباء و طبيبات و موظفين كل باسمه، و أتمنى أن نرى يوما مثل هذه الوقفة تضامنا مع مواطن بسيط.








مقالات ذات صلة