لا لاغتصاب الحريات الفردية باسم الدولة والدين


*زكرياء الرميدي
الجمعة 3 أغسطس/أوت 2012


عديدة هي الأصوات التي دعت ولا تزال تدعوا إلى رفع الوصاية الممارسة منهجيا من قبل المؤسستين الدينية والتشريعية بالمغرب على حياة الأفراد الخاصة؛ عن أجسادهم وعن حرية اختيارهم لتصرفاتهم وأفعالهم ومذاهبهم.


ففي الوقت الذي يرى فيه الائتلاف الحكومي اليميني اليساري أن الحريات الفردية أصبحت مكسبا لا يمكن للدولة المغربية التراجع عنه، وهذا ما تردد على لسان وزراء حزب العدالة والتنمية الإسلامي في العديد من المناسبات، وهو أيضا ما عبر عنه الوزير التقدمي الاشتراكي، نبيل بن عبد الله مؤخرا، يرى الداعين للحريات الفردية من حقوقيين، ومدونين وصحافيين وجامعيين ومواطنين أن القوانين الجاري بها العمل لا تزال تجرم العديد من الحريات الخاصة للأفراد، والتي تدخل في صلب حياتهم الشخصية، كحرية الإفطار خلال شهر رمضان، وهو الشيء الذي تعتبره المؤسسة القانونية جرما يعاقب عليه بالحبس والغرامة وتعتبره المؤسسة الدينية القائمة في المغرب “استفزازا لمشاعر المسلمين وزعزعة لقيمهم”.

هذا بالإضافة إلى حق الأفراد في ممارسة الجنس بالتراضي خارج المؤسسة الزوجية، الشيء الذي تعتبره الدولة علاقة غير شرعية وفسادا أخلاقيا عقوبته السجن أيضا.

وحق مثليي الجنس إناثا وذكورا في إقامة علاقات جنسية فيما بينهم بالتوافق والتراضي، والذي تعتبره الدولة شذوذا قد تصل عقوبته إلى ثلاث سنوات.

والملاحظ أن الدولة المغربية — وهي الدولة التي تنسب إليها صفة الإسلام دستوريا — تتبنى خطابا مزدوجا تجاه ممارسة هذه الحريات، فقانونيا وفي الظاهر هذه الحريات لا يمكن ممارستها لأنها تتعارض مع النصوص الدينية وهو ما قد يشكل حرجا للنظام الحاكم الذي يعتمد الدين الإسلامي كمرجعية لإضفاء المشروعية على سلطته، ولكن ومن جهة أخرى فالقانون متسامح ويمكنه غض الطرف عن ممارسة هذه الحريات، إذا ما تم ذلك في السر؛ بتعبير آخر فكل مواطن هو حر في جسده، تصرفاته، سلوكاته، وعقائده في السر وليس في العلن.

وتعد هذه المقاربة التي تنهجها الدولة تجاه ممارسة هذه الحريات أمرا مرفوضا وغير أخلاقيا لأنها تكرس لفكرة أن هذه الحريات ممارسات شاذة، وبالتالي تحث المجتمع في شموليته على استصغارها و نبذ الداعين لها والنظر إليهم كأشخاص يشكلون تهديدا للنسيج الاجتماعي وللقيم الدينية، وفي نفس الوقت فالقوانين التي تسهر الدولة على تطبيقها تتسامح مع مثل هذه الممارسات إذا ما تمت وراء الكواليس، وهو ما يفسر تفشي النفاق الاجتماعي الذي يميز المجتمع المغربي.

وعموما فلا الدولة المغربية ولا الدين الإسلامي ينظران إلى الفرد باعتباره كيان مستقلا. فكما هو معلوم فإن الخطاب الديني الإسلامي هو خطاب شمولي ينظر إلى الفرد كفاعل ضمن الجماعة وأحيانا خاضعا لها ولاختياراتها وتوجهاتها، وهو نفس الخطاب التي تتبناه الدولة المغربية التي ترى أن أهدافها وحقوقها ومصالحها وقيم المجتمع يجب أن تحظى بالأولوية ولو كان ذلك على حساب الفرد. وقد يعتقد البعض أن هذا هو بالفعل عين الصواب معللا ذلك بمبدأ المصلحة العامة في حين أن هذا هو سوء الفهم الكبير، فالمصلحة العامة لا تعني بتاتا مجموع مصالح الأفراد في مكان وزمان معينين، فالسياسيون ورجال الدين يعتقدون أنه بسعيهم وراء تحقيق المصلحة العامة فهم ضمنيا يسعون وراء مصلحة الفرد الذي يعيش ضمن الجماعة.

إن المجتمعات السليمة هي تلك التي نجحت في الانتقال من “أفراد مجتمع” إلى “مجتمع أفراد” بإعطاء الفرد المكانة والقيمة اللتان يستحقهما، فإصلاح المجتمع لا ولن يتأتى إلا عن طريق إصلاح الأفراد وهذا شيء لا يمكن القيام به إلى بتوسيع هامش الحريات الفردية ورفع الوصاية التي يمارسها كل من الدولة والدين على حياة الفرد.



*‫**مدون و صحافي مستقل
zakaria.rmidi@gmail.com
http://leonafricain.wordpress.com

مقالات ذات صلة