من يريد "إسقاط النظام"؟


حميد المهدوي
السبت 24 شتنبر 2011


أكبر خطأ قاتل يمكن أن تقترفه حركة 20 فبراير، هو أن تتبنى مطلب إسقاط النظام في المغرب.

ومن المؤسف جدا أن "شبابا" رفعوا هذا المطلب خلال مسيرة حركة 20 فبراير يوم الأحد الماضي بمدينة طنجة، التي كانت مضرب مثل في الانضباط التنظيمي وحسن التقدير السياسي.



قد يعزو البعض تصعيد " بعض الشباب" إلى نكستهم وخيبة أملهم في استجابة الحاكمين لمطالبهم التي صدحت بها حناجرهم على مدار أكثر من سبعة شهور خلت، دون أن يتلقوا ردا شافيا ومقنعا على رسائلهم.

لكن، مهما كانت قوة الأعذار التي يمكن أن يقنع بها (المنتحرون) أنفسهم، فإن المطلب يبقى "مغامرا" و"انتحاريا"، وغير محسوب العواقب، لأنه حلم المتآمرين والمتربصين بالحركة. فهو يعطي لأعداء التغيير وجيوب المقاومة فرصة ذهبية لتأليب الرأي العام على حركة 20 فبراير، التي مافتئ عودها يتصلب يوما بعد يوم، رغم الضربات الموجعة التي تتلقها من الداخل والخارج.

صحيح أن السياسة التي نهجها الحاكمون مع الشباب المحتج مند ظهوره في الشارع يوم 20 فبراير إلى الآن، هي سياسة قوامها الالتفاف والمناورات، والرهان على عودة طلاب التغيير إلى أدراجهم بعد أن يستبد بهم العياء ويتسلل الملل إلى قلوبهم. وهذا خطأ الحاكمين القاتل من جانبهم.

إنهم لازالوا لم يصدقوا بعد ــ رغم نزول عشرات الآلاف من المغاربة كل أحد إلى الشارع للاحتجاج على الفساد الذي أزكمت رائحته النتنة كل الأنوف ــ أن الشعب ضاق ذرعا بالفساد والمفسدين.

إنهم لا يريدون أن يصدقوا ــ رغم أن بعض المواطنين باتوا يفضلون الانتحار وإحراق الذات على العيش في الذل والمهانة ــ أن المغاربة يريدون الحياة كباقي الشعوب المحترمة.

إنهم لازالوا لم يستوعبوا بعد خطورة إقدام مواطن مغربي ــ وهذا هو الأخطر بكثير والمصيبة التي ما بعدها مصيبة ــ على خلع بيعته للملك بعد أن "يئس" حسب قوله من "إنصافه وعدله" دون أن يبادر ولا أصغر موظف في حكومة "آل الفاسي" إلى استدعائه، والإصغاء إليه أو حتى اعتقاله إن أذنب مادام فعله يشوش على مشاعر الكثير من المغاربة الذين يعتبرون عقد البيعة أوثق عقد بينهم وبين الجالس على العرش.

إن ما وقع في طنجة ناقوس خطر على الجميع أن ينتبه إليه، ويبحث عن الحلول الناجعة له، بدل تجييش الصحافة الصفراء عبر تلك "العناوين المانشيتات" التي تصب الزيت في النار ولا تزيد الطين إلا بله.

لقد عبر المغاربة دوما عن تمسكهم بالملكية كنظام سياسي، ينصهر فيه كل الطيف السياسي والعرقي، كما أن الملكية في المغرب جسدت ملحمتها مند التحاق الملك محمد الخامس بمواقف الحركة الوطنية وقبوله المنفى بدل الانصياع لسياسة المستعمر الفرنسي.

والظاهر أن هناك من نسي أو يتناسى هذا الدرس البليغ، ويريد أن يدفع البلاد إلى الهاوية عبر إحداث هوة بين الشعب وملكه.

إن من يعتقد أن من رفع شعار "إسقاط النظام" في طنجة يتحمل وحده مسؤولية الدفع بالبلاد إلى الهاوية، ساقط في وهم كبير.

من رفع حقا شعار "إسقاط النظام"، هو من زرع اليأس في نفوس أولئك الشباب وصم أدانه عن مطالبهم التي لا تعدو أن تكون أكثر من خبز وحرية وكرامة.

المهدد الأكبر للنظام، هو من خلق الشروط والبيئة التي ترعرع ونما فيها مطلب "إسقاط النظام". وكأنهم يقولون للشباب "طلعوا تاكلوا الكرموس ..نزلوا شكون قالها ليكم".

من يهدد النظام أكثر هو ذلك الوزير الذي اكترى سيارة بالملايين من المال العام، في وقت يعجز فيه مجاز معطل عن شراء آلة حلاقة بدرهم ونصف لحلق ذقنه.

من رفع "الشعار" حقا هو ذلك الوزير الذي يكلف ميزانية الدولة 5000 درهم شهريا لاقتناء "شكولاطته" المفضلة في وقت انقطعت فيه العديد من الأسر في العالم القروي عن الذهاب إلى السوق الأسبوعي، بعد أن امتصت القروض الصغرى جيوبهم.

من يهدد النظام حقا، هو ذلك المخمور البرلماني، الذي عوض أن يصرف مال الشعب على تجهيز الطرقات وبناء المستشفيات والمدارس راح يصرفه على "الهينيكن والجوني وولكر"، ربما ليكون في كامل (قواه العقلية) حتى (يراقب) الأداء الحكومي جيدا من داخل البرلمان.

من يهدد النظام حقا، هو من انقلب على نص دستوري واضح وصريح يكفل للنساء المناصفة في التمثيلية البرلمانية.


من يهدد النظام فعلا هي تلك الأحزاب التي تزكي سماسرة الانتخابات وتجار المخدرات، الذين لا عهد ولا ذمة لهم.

إن الشعب المغربي بطبعه شعب طيب وميال إلى الاستقرار والتعايش في كنف الملكية، التي عبر دوما عن تمسكه بها، لكن يبدو أن هناك من يريد أن يفك هذه العروة الوثقى بين الشعب وملكه. إنهم يدفعون الشباب إلى اليأس الذي لا ينتج سوى المواقف "الإنتحارية" كي يجهزوا عليهم في الأخير تحت ذريعة تهديد النظام.

لكن، من هم هؤلاء؟

إنهم المستفيدون من الوضع القائم الملطخة أياديهم بدماء الأبرياء، أولائك الذين ألفوا أن يروا المواطنين عبيدا وجدوا لخدمتهم.

إنهم تجار السياسة والسماسرة الذين ألفوا امتصاص خيرات الشعب، الذي لا يقبولون رؤيته حرا مالكا لقراره السياسي.

إنهم قادرون على فعل ما تتصورون وما لا تتصورون من أجل أن يبقوا "أسيادا" والمواطنين "عبيدا"؟

ولعل أنجع سياسة لمواجهة هؤلاء "الأسياد التجار" هي عدم مجاراتهم في أهوائهم وخططهم الجهنمية والاستمرار في النزول إلى الشارع للضغط عبر مطالب "مشروعة وسلمية" مهما كان حجم المضايقات ومهما كانت المناورات والالتفافات، فإنه لابد أن يأتي يوم ينجلي فيه الليل وينكسر فيه القيد.

مقالات ذات صلة