مناظرة المسؤولية الطبية وحماية الطبيب لرابطة الأطباء الاختصاصيين في التخدير والإنعاش بالشمال


حقائق بريس
الأحد 9 أبريل 2017



يضطلع الطب بأدوار هامة في المجتمع، بما يضمن الحفاظ على الصحة العمومية، ودفع الأضرار عنها وحمايتها من العدوى، غير أن تطور المعارف والعلوم الطبية، وظهور الوسائل الطبية الحديثة، قابله من ناحية أخرى، تطور موازي في خطورة الأمراض والأوبئة المعدية، بما يصعب أحيانا القيام بالتدخلات العلاجية بالسرعة اللازمة، خاصة فيما يتعلق بأمراض العصر، مثل مرض السكري، الزهايمر، والشلل النصفي... وغيرها، وذلك راجع إلى طول المسطرة الإدارية لاستيفاء الفحوصات اللازمة على جسم المريض، لمعرفة الوضعية الصحية لأعضاء مهمة، كالقلب والرئة والجهاز التنفسي.
العوامل الأخيرة مجتمعة، جعلت الطبيب يميل إلى الحيطة والحذر في التعامل مع المرضى، خشية التورط في تبعات غير سليمة، قد لا يكون له أي دور في حدوثها، نظرا لارتباطها الموضوعي بخطورة الحالة المرضية نفسها، خاصة في الأمراض المستجدة، وهذا القرار الذي يبديه الطبيب، عادة ما يفهم بصورة سلبية من طرف المريض الباحث عن العلاج، وأفراد أسرته وأقاربه، وبالتالي يجد الطبيب نفسه في مواجهة مواقف سلبية من المجتمع تتداول من لسان إلى آخر، حتى صار بعض الباحثين عن العلاج لأنفسهم أو أقربائهم، كأنهم يطلبون من الطبيب "ضمانات" لإبقاءهم على قيد الحياة، أو إرجاع حالتهم الصحية إلى ما كانت عليه قبل الإصابة بالمرض، إما بالتلميح أو بالتصريح، وهي مطالب تعجيزية تتجاوز مسؤولية الطبيب في القيام بواجبه على أكمل وجه، أثناء التدخل العلاجي، لكن من ناحية أخرى، يشكل التوجس المتزايد لدى المواطن ضغطا رمزيا على الطبيب، الذي يفضل التعامل بالحيطة والحذر، على القيام بمبادرة غير محسوبة العواقب.

وأمام هذا الواقع، أصبحنا نسمع كثيرا اتهامات موجهة للأطباء، بالإهمال، أو البطئ في التدخل، أو التقصير في إتمام العلاج، أو ارتكاب خطأ الطبي؟ وهي اتهامات غالبا ما تطلق بشكل عشوائي من دون تدقيق في المصطلحات، فما حقيقة هذه الاتهامات؟ هل يتعلق الأمر باستهداف غير مبرر؟ أم أن الطبيب لا يقبل محاسبته من غير أهل الاختصاص؟ هل الطبيب معصوم من الوقوع في الخطأ؟
وما هي الأسباب التي جعلت الطبيب يتحرى الحيطة والحذر على حساب المبادرة ؟ وهل جميع الحالات المرضية يتم التعامل معها بنفس المقاربة؟ وأين تبدأ وتنتهي المسؤولية الطبية للطبيب؟ وما هي حقوق المريض على الطبيب؟ هذه أسئلة وأخرى تناقشها مناظرة "المسؤولية الطبية وحماية الطبيب"، على هذا اليوم الدراسي، لتوضيح العلاقة الملتبسة بين الطبيب والمجتمع، وتحديد المسؤوليات.

تقرير شامل للمناظرة

دعا أطباء وممرضون ينتمون لقطاع الصحة، الحكومة إلى تحسين ظروف الاشتغال في المستشفيات العمومية والمراكز الصحية، من أجل تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن، كما طالبوا بسن تشريعات قانونية تحدد المسؤوليات وتوفر ضمانات الحماية، وذلك خلال اليوم الدراسي الذي نظمته رابطة أطباء الانعاش والتخدير بالشمال، يوم السبت 8 أبريل الجاري، بمدينة طنجة.

الدكتور أحمد بلحوس، رئيس الجمعية المغربية للتشريح الطبي، عزا وقوع الأطباء في الأخطاء الطبية إلى الظروف القاسية التي يشتغل فيها أطر قطاع الصحة، محملا المسؤولية للدولة التي لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية، ولا توفر الاعتمادات المالية الكافية للصحة العمومية، مشيرا إلى تخفيض ميزانية وزارة الصحة سنة 2016، وهو ما انعكس سلبا على جودة الخدمات الطبية.
وقدم بلحوس دليلا على كلامه، مشيرا إلى إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي تعتبر المغرب، يتموقع في نسبة حرجة من ناحية الموارد البشرية، إذ يقدر الخصاص في الأطر الصحية بنحو 9 آلاف ممرض، و 7 آلاف طبيب، حتى نكون في مستوى دول الجزائر وليبيا،
دعا إلى عدم التعميم في الحديث عن الأخطاء الطبية، مؤكدا على أن الطبيب يسهر الليالي ليعالج الطبيب، لا ليلحق به الأذى أو يتسبب له في الهلاك، مضيفا بأن الخطأ الطبي يعتبر حالات معزولة جدا، ولا يصل إلى أن يكون ظاهرة، مشيرا إلى أن أغلب المخالفات التي يحاكم بها الأطباء في القضاء، تتعلق بمنح شواهد طبية مزورة، أو إجراء عمليات الإجهاض السري.

من جهة أخرى، تطرق الدكتور أحمد بلحوس، إلى ما سماها أزمة خبراء طب التشريح في المغرب، موضحا أن جدول الأطباء الشرعيين المحلفين، متقادم لكون نسبة كبيرة من المسجلين به وافتهم المنية منذ مدة، فيما باقي الأطباء غير متخصصين، وبالتالي لا يمكن الوصول إلى خلاصات دقيقة في الخبرات الطبية المنجزة، داعيا وزارة العدل إلى تحيين جدول آطباء التشريح، وتخصيص حصص تكوينية في مجال الخبرة الطبية، حتى لا تضيع حقوق المواطنين أمام غياب الحقيقة.
وشدد بلحوس على أن التقيد بمسؤولية الضمير المهني، والإحساس بالمريض مع قليل من الخبرة العلمية، كفيلة بتجنب الوقوع في الخطأ الطبي، في انتظار سن تشريعات تخص تنظيم الممارسة الطبية، وتحدد المسؤوليات، من أجل حماية الطبيب، وتحصين حقوق المواطن.

من جانبه، توقف أسامة النالي، عضو المكتب الجهوي للقضاة، عند غياب الضمانات في مساءلة الأطباء أمام القضاء، لأنه لا يمكن إثبات الخطأ إلا بإجراء تشريح طبي، وليس بالشهود أو بوسيلة أخرى، في حين أن المحاكم المغربية تعاني من خصاص مهول في لائحة الأطباء الخبراء، إذ أحيانا يتم إحالة إجراء خبرة طبية إلى طبيب أقل كفاءة من الطبيب المرتكب للخطأ، فكيف سيتم معرفة ما إذا كان الطبيب يمكن أن يتفادى الخطأ أم لا؟، يتسائل المتحدث.
كما انتقد القاضي النالي المعايير المعتمدة لتسجيل الخبراء في جدول وزارة العدل، والمتمثلة في حسن السيرة، وشهادة الدكتوراة في مجال الطب، معتبرا أن هذه الشروط غير كافية لكي يكون طبيب التشريح خبيرا في جميع الاختصاصات، داعيا الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في توفير المواصفات اشتغال الطبيب، حتى لا يجد نفسه مطالبا بالاجتهاد في علاج المرضى، وفي نفس الوقت يجد نفسه أمام مقصلة المحاسبة، في حالة وقوع خطأ مهني.
من ناحيته، أشار خالد اشطيبات الإعلامي بالإذاعة الوطنية، إلى غياب السياسة الصحية التوعوية والتواصلية مع المجتمع، مسجلا عدم وجود أية قناة أو إذاعة خاصة بالمجال الطبي، كما هو موجود في بعض التجارب الدولية، بل أكثر من ذلك، يضيف المتحدث، عدم وجود أي برنامج متخصص في الصحة يعده ويقدمه المهنيون في القطاع الطبي، على حد قوله.
رصد مجموعة من الأخطاء التي تحصل في المراكز الصحية والمستشفيات، من بداية التشخيص إلى نهاية العلاج، تكون لها تداعيات مباشرة على صحة المواطن؛ أبرزها التشخيص الغير الدقيق وضعف العناية، تمطيط المواعيد لمدة طويلة، الانتظار لساعات طويلة، الضغوط على المرضى للتوجه للعيادات الخاصة، إغراق المريض بتكاليف باهضة، والاستعجال في إجراء العمليات الجراحية، وخاصة في حالات الولادة، لكونها مكلفة ماديا.
وعرج المتحدث على المخالفات التي لا تدخل في الخطأ الطبي، مثل منح الشواهد الطبية المزورة، والتي تؤدي إلى الزج بمواطنين أبرياء في السجون، داعيا الأطباء للترافع على الظروف المزرية التي يشتغلون فيها، ومواجهة المنتسبين إلى المجال الطبي الذين يسئون إلى الجسم الطبي، والذين يلحقون ضررا مباشرا بحقوق المواطن، حسب قوله.

أما المحامي اسماعيل جباري، دافع عن تبرئة الطبيب من تهمة المسؤولية الجنائية في الخطأ الطبي، معتبرا أن المسؤولية التي يجب أن يتحملها الطبيب هي المسؤولية المدنية، والتي يترتب عنها التعويض المادي، وليس العقوبات الحبسية السالبة للحرية، لكون الطبيب هو الحلقة الأضعف في السياسات العمومية بخصوص قطاع الصحة، والذي يعاني من وضعية متردية، على حد وصفه.
ونبه جباري، إلى أن الطبيب المغربي يشتغل في ظروف هشة، بسبب ضعف الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الصحة، داعيا إلى تشريع قوانين تتعلق بحماية الطبيب، واستحداث قضاء متخصص في المحاكم الوطنية، لمعالجة القضايا الواردة عليها بخصوص الأخطاء الطبية، من أجل تحديد مسؤوليات كل طرف، دون التعسف على الطبيب، ودون حرمان حق المواطن في نفس الوقت، يقول المتحدث.





مقالات ذات صلة