هل أصبح الاتخراط في التعليم الابتدائي آخر دواء لتفادي كارثة المعطلين ؟


ابراهيم السروت
الاثنين 24 يونيو/جوان 2013



من الإشكالات الكبرى التي تطرح حين الحديث عن مهنة التدريس بالمغرب ما إذا كان الإقبال على ممارسة هذه المهنة نابعا من حب صادق، ومن إرادة حقيقية، أو كان مجرد إجبار وإرغام، خاصة في ظل شبح البطالة المفزع الذي أصبح يقض مضاجع التلاميذ والطلبة منذ بدايات مسيراتهم الدراسية. ويجد هذا التخوف ما يبرره في ظل واقع مرير تتحدث أرقامه وإحصائياته عن تزايد مطرد لظاهرة بطالة خريجي الجامعات والمعاهد، وهذا ما أفرز خريطة سوسيولوجية تمتد من الأسرة إلى الشارع، بحيث لا تكاد تخلو أسرة من الأسر المغربية من حالة عطالة جامعية. أما في الشارع العام فقد أصبح مشهد المعطلين المعتصمين مشهدا عاديا لا يكاد يثير اهتمام أحد، أما أخبار ما يتعرض له هؤلاء المعطلون من تعنيف وقمع ومطاردة واعتقال فمما يملأ صفحات الجرائد بين الفينة والأخرى…
في ظل هذا الواقع لم يعد للميول ولا للرغبة من حضور في مسألة اختيار المهنة، فقد أصبح الحصول على “وظيفة” بمثابة “الكبريت الأحمر” أو قل إن شئت “الحلم الوردي” الذي لا يتحقق إلا لذوي الحظوظ، أو لذوي الامتيازات الاجتماعية والمادية. فقد رسخت أزمة البطالة الخانقة في أذهان الأجيال الصاعدة سلوكا مفاده ضرورة الانقضاض بشراسة على أول فرصة تتاح، وضرورة التخلي تماما عن أحلام الشهادات الجامعية العليا التي أصبحت مرادفة للتهميش والإهمال والنسيان… هكذا أصبحنا نجد من يتخلى مكرها عن كلية الطب، أو كلية الحقوق، أو عن مدرسة من المدارس العليا، ليلتحق بمركز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي.
هل يحق لنا بعد كل هذا الحديث عن مدرس يزاول مهنته عن حب واختيار؟! ألا نجد أنفسنا ملزمين بالتماس أعذار لهؤلاء الشباب الذين يضربون أحلامهم وكفاءاتهم عُرض الحائط، ويهرولون لانتهاز أول فرصة تتاح لهم خوفا من شبح التهميش والبطالة؟! ثم هل نكتفي بقراءة ساذجة لهذه المفارفات الغريبة؟! ألا يتعلق الأمر بمخطط خبيث يرمي إلى إقبار الكفاءات، وإشاعة روح اليأس والتشاؤم في أوساط الشباب؟! ثم ألا يتعلق الأمر باستهداف مقصود وممنهج لمهنة التدريس التي أصبحت _ للأسف الشديد _ مهنة من لا مهنة له؟!
لا غرابة أن تشيع في أوساطنا المدرسية سلوكات تنم عن حالة الانفصام والنفور والاشمئزاز وعدم الرضى؛ فمن العنف الرمزي إلى العنف الجسدي، ومن العنف إلى العنف المضاد، ومن الغياب المتعمد المستمر هروبا من المواجهة إلى الغش والتنصل من المسؤولية، ومن الهروب الرمزي والعاطفي والفكري، إلى الهروب الفعلي والبحث عن مهنة بديلة مريحة أكثر، أو تدر أرباحا مادية أكثر… وما أكثر أولئك الذين استغلوا الوظيفة للحصول على تأشيرة السفر إلى أوروبا، فكانت جسر فرارهم الأبدي إلى الضفة الأخرى…

مقالات ذات صلة