يتامى الهمة


توفيق بوعشرين
الثلاثاء 24 ماي 2011


رفض المكتب الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة قرار مؤسس الحزب، فؤاد عالي الهمة، القاضي بالاستقالة من لجنتي الانتخابات والمتابعة، وناشد رفاق الهمة زعيمهم التراجع عن قراره والرجوع إلى كنف الحزب باعتبار أن له مسؤولية أمام المغاربة الذين علقوا آمالا كبيرة على هذا الحزب .


رد فعل المكتب الوطني، بأعيانه ويسارييه ويمينه، كان منتظرا، فالهمة «أصل تجاري» كبير للحزب (fond de commerce)، ولا يتصور «يتامى الهمة» الحزب بدونه، لكن يبدو أن أعضاء المكتب الوطني لم يدققوا النظر جيدا في عبارات رسالة استقالة الهمة، ولا في توقيتها، ولا في غيابه الطويل عن أشغال الحزب وهياكله.

الموضوع الرئيسي في رسالة الهمة ليس هو قرار استقالته من لجنة الانتخابات ولجنة التتبع.. الموضوع الرئيسي هو أخذ مسافة تدريجية من الحزب. لنعد قراءة فقرات من هذه الرسالة: «إن المشروع السياسي، الذي على أساسه تم بناء الحزب، تعرض لانحرافات كثيرة»، وأضاف الهمة في نقد لاذع لحزبه ولمشروعه قائلا: «الجو السائد اليوم داخل المكتب الوطني يجر تجربتنا إلى وضع المأزق». ماذا يعني هذا الكلام؟ الهمة يجيب: «هذا يشكل انهيارا للآمال المعلقة على هذه التجربة في لحظة سياسية دقيقة تمر منها بلادنا».

هل هذه استقالة «تنظيمية» أم إعلان وفاة سياسية للحزب الذي أسس قبل ثلاث سنوات؟ أما توقيت إعلان الاستقالة فهو يقول كل شيء. دعوات شباب 20 فبراير وشكاوى الأحزاب من النفوذ المتزايد للحزب المتهم بأنه وظف الإدارة الترابية لتنشيط دورته الدموية، كل هذا كان وراء وضع الهمة لرجله الأولى خارج الحزب الذي تنبأ هو، وليس أحد غيره، «بانهيار الآمال المعلقة عليه».

الآن «يتامى الهمة» أمام اختبار حقيقي هو أن يتحملوا مسؤولية قيادة الحزب بدون الهمة الذي اختار عمليا التخلي عن الحزب أمام ضغط الشارع، وأمام قرار القصر الدخول إلى العهد الثاني للملك محمد السادس.. هذا العهد الذي ولد ليلة 9 مارس عندما أعلن الملك عن تخليه عن «الملكية التنفيذية» وانحيازه إلى ملكية تقتسم السلطة لأول مرة في تاريخ المغرب مع ممثل الشعب.

الآن سيبدأ موسم الهجرة من «البام» وأعيانه الذين تصور الهمة أنه سيبتلعهم ويعيد هضمهم وتوظيفهم كمخزون انتخابي، وأن جيلا جديدا من المنتخبين سيصعد فوق ظهورهم. هذا السيناريو فشل الآن، والقوة التي صارت لهؤلاء لن تسمح للحزب بأن يستمر كما يتصوره اليسار الحالم الذي فشل في مد جذوره في تربته الطبيعية، فرحل يبحث عنها في تربة اصطناعية، تصور أنها ستشكل بديلا عن قاعدته الاجتماعية... هذا وهم ما بعده وهم. الحزب في مفترق الطرق، فإما أن تجري وسطه عمليات جراحية كبيرة للوصول إلى نوع من «الانسجام»، وفي هذه الحالة سيرجع إلى حجمه الطبيعي، حزبا صغيرا في طور النمو، وإما أنه سيندثر بفعل خلافات أعضائه الذين لا يجمع بينهم قاسم سوى «الولاء للهمة»، وهذا الولاء أصبح اليوم عملة غير قابلة للصرف، لأن النظام النقدي كله تغير

مقالات ذات صلة