HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

المدني: حركة 20 فبراير منحت مصداقية لمطلب “الملكية البرلمانية” قبل أن يُفرغ من مضمونه


حقائق بريس/ متابعة
الجمعة 27 يونيو 2025



أكد محمد المدني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن التنصيص على الملكية البرلمانية في الدستور المغربي جاء في سياق سياسي استثنائي تميز بصعود حركة 20 فبراير، لكنه أتى، حسب قوله، بصيغة تحمل تناقضات عميقة تعكس طبيعة النظام السياسي وموازين القوى القائمة، وتعيد إنتاج خطاب توفيقي يحافظ على الوضع القائم.


ورد ذلك في محاضرة ألقاها محمد المدني، مساء الخميس 26 يونيو 2025، بمدرج ابن رشد في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالسويسي، ضمن اللقاء الختامي لماستر الدراسات السياسية، حيث ناقش المُحاضر الإشكال المرتبط بمفهوم “الملكية البرلمانية”، وهو المفهوم الذي تم التنصيص عليه في الفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور باعتباره أحد مكونات نظام الحكم المغربي: “ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية”.



غير أن المدني نبه إلى غياب هذا المفهوم في الفقرة الثالثة من نفس الفصل التي تحدد “الثوابت الجامعة للأمة”، والتي تقتصر على “الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية”، دون الإشارة إلى الطابع البرلماني للملكية. وعلق على هذا التناقض بقوله: “الملكية البرلمانية تأتي مثل شعر على السكين، يعني أنها ستبقى في مكانها”، في إشارة إلى الطابع الرمزي وغير المُفعل لهذا المفهوم داخل النسق الدستوري والمؤسساتي المغربي.

وتوقف المدني عند السياق السياسي الذي تم فيه إدراج هذا المفهوم في الدستور، موضحا أن الأمر لا يتعلق برغبة محضة من المشرع الدستوري أو محرري الوثيقة، بل بتفاعلات سياسية فرضتها احتجاجات 20 فبراير، التي أعادت النقاش حول الملكية البرلمانية إلى الواجهة. وأشار إلى أن دراسة أجراها أظهرت أنه بين 27 يناير و20 فبراير 2011 صدرت عن الحركة سبعة وثائق رئيسية “تدافع بشكل أو بآخر عن ملكية متنورة أو ملكية برلمانية ضمنية أو حتى بالمعنى الصحيح”، مما منح الحركة، في بداياتها، “مصداقية لدى الرأي العام ولدى الخصم السياسي”.

لكن المدني نبه إلى أن هذا المسار سرعان ما تم تطويقه بسبب مواقف الفاعلين السياسيين الأساسيين، حيث أكد أن “الملكية، منطقيا، لا يمكن أن تتنازل عن صلاحياتها طوعا، ليس هناك نظام يقول فجأة: تعالوا احكموا مكاني”، كما أن حزب العدالة والتنمية، الذي كان في موقع قوي خلال تلك المرحلة، “لم يتبن مطلب الملكية البرلمانية”، أما جماعة العدل والإحسان “فموقفها معروف، وهي لم تكن لتمنح هدية مجانية للنظام”، على حد قوله. وبالتالي، فإن هذا المفهوم ظل شعارا عالقا في المتن الدستوري دون أن يجد طريقه إلى التفعيل المؤسساتي.

وانتقل المدني إلى مناقشة مفهوم فصل السلطات، حيث أشار إلى أن الدستور المغربي ينص على أن النظام الدستوري يقوم على أساس “فصل السلطات وتوازنها وتعاونها”، لكن في الواقع، فإن هذا الفصل يتم بطريقة “تقنية ووظيفية”، تسمح بوجود “ملكية حاكمة تتوفر على صلاحيات واسعة”. وعلق قائلا: “الهدف الرئيسي من فصل السلطات، كما ورد عند مونتسكيو وفي الفكر الليبرالي الديمقراطي، ليس هو التنظيم التقني، بل هو الحد من السلطة المستبدة”، معتبرا أن فصل السلطات كما هو ممارس في المغرب لا يحقق هذا الهدف.

كما تناول المدني مفهوم السيادة الوطنية، مشيرا إلى أن الدستور يعيد إنتاج التعريف الديمقراطي الكلاسيكي لمفهوم الأمة باعتبارها “مجموع المواطنين”، لكنه يضيف إليه دلالة أخرى تتجاوز الحدود الجغرافية، لتشمل المجال الرمزي لإمارة المؤمنين. وقال في هذا السياق: “الأمة في الدستور تُعطى في آن واحد معنى مدنيا حديثا، ومعنى دينيا واسعا، يرتبط بالوظيفة الدينية للملك كأمير للمؤمنين، وهي وظيفة لا تتحدد جغرافيا بل تمتد حسب تصور الدولة لدورها”.

وفي مستوى آخر من التحليل، تناول المدني ما سماه “الوظائف الثلاث” التي تمارسها الملكية في المغرب، مستلهما هذا التقسيم من أعمال جورج دوميزيل حول المجتمعات الأندو-أوروبية في القرون الوسطى. وهذه الوظائف، كما أوضح، هي: الحربية، والدينية، والاقتصادية. فالدستور يمنح الملك صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، ورئيس المجلس الأعلى للأمن، وصاحب قرار إعلان الحرب في المجلس الوزاري، إلى جانب سلطات استثنائية في حالات الحصار والطوارئ، ما يؤكد استمرار الوظيفة الحربية بشكل واضح في البنية الدستورية.

أما الوظيفة الدينية، فقد اعتبر المدني أنها تندرج ضمن ما سماه فوكو بـ”الحكم الرعوي”، حيث “يُنظر إلى الملك باعتباره راعيا مسؤولا عن رعيته، ليس فقط من حيث الأمن المادي، بل أيضا من حيث التوجيه الروحي”، مشيرا إلى أن هذه الوظيفة تهدف إلى “ضمان الأمن الروحي للرعية، بمعنى أن تسير في الطريق المستقيم كما تتصوره السلطة”.

وبخصوص الوظيفة الاقتصادية، شدد المدني على أن الملكية “تتحكم في القرار الاقتصادي”، من خلال السيطرة على البنك المركزي، والمؤسسات العمومية الاستراتيجية، والمجلس الوزاري الذي يحدد التوجهات العامة لسياسة الدولة، بما في ذلك مشروع قانون المالية. وأوضح أن “الحكومة، حتى حين تمارس بعض الصلاحيات القطاعية، فإن رئيسها مطالب بإطلاع الملك على خلاصات مداولات مجلس الحكومة”، مما يعني استمرار مركزية القرار الاقتصادي بيد المؤسسة الملكية.

وفي جانب آخر من المداخلة، تحدث المدني عما سماه “إعادة صياغة مبادئ التدبير العمومي الجديد” ضمن النص الدستوري، وهي الصياغة التي أدت، حسب تعبيره، إلى “استعمال مضاد للأغلبية” المنتخبة. وركز على مفاهيم مثل “الحكامة الجيدة” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”، التي اعتبر أنها تُستخدم في سياق مغربي يختلف عن السياقات التي نشأت فيها هذه المفاهيم. وقال إن الحكامة الجيدة أصبحت “تيمة مركزية” في الدستور المغربي، إذ وردت من الديباجة إلى الفصل 167، لكنها تُترجم، في الواقع، إلى “هيئات تنافس الحكومة المنتخبة في أداء وظيفتها السياسية”.

وأبدى المدني استغرابه من تكرار شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” في الخطاب الدستوري، قائلا: “لم أفهم إلى اليوم معنى هذا الشعار. في الديمقراطيات الحديثة، المسؤولية تكون سياسية، وتخضع للمحاسبة عبر صناديق الاقتراع، لكن في الدستور المغربي، أُفرغت هذه المسؤولية من بعدها السياسي، وتحولت إلى محاسبة إدارية أو تقنية، تشرف عليها هيئات مثل المجلس الأعلى للحسابات”. وخلص إلى أن هذا التحوير “يُغيب المسؤولية السياسية للحاكمين من الدرجة الأولى، أي الذين لا يُسألون أمام المؤسسات التمثيلية”، في حين تُحمل الحكومة المنتخبة وحدها تبعات التدبير.

وتناول المدني أيضا الدور المتزايد الذي أصبح يلعبه القضاء الدستوري، مشيرا إلى أنه تحول إلى “فاعل انتخابي بامتياز”، حيث “لا تُنشر نتائج الانتخابات النهائية إلا بعد المرور من شوط الطعون أمام المحكمة الدستورية”، مما يعني أن العملية الانتخابية لا تنتهي عند التصويت، بل تستمر داخل ردهات المحكمة، وقد تتغير نتائجها هناك. وأضاف أن هذه الظاهرة عالمية، لكنها “في الديمقراطيات الحقيقية تُمارس ضمن تقاليد قضائية صارمة واستقلال فعلي للسلطة القضائية”، في حين أن الأمر في السياقات السلطوية يثير أسئلة حول استقلال القرار القضائي.

وشدد محمد المدني على أن دستور 2011 ليس نصا تقنيا فقط، بل هو “نتاج لتوازنات سياسية وصراعات وتوافقات تمت في لحظة تاريخية محددة”، وأبرز أن “الفاعل السياسي المغربي يعرف جيدا ماذا ينتظر الطرف الآخر، والعكس صحيح، ولهذا جاءت الوثيقة الدستورية محملة بتوافقات ضمنية تسعى لإرضاء الجميع دون حسم في القضايا الجوهرية”.

وأوضح أن “مآل الدستور المغربي سيبقى رهينا بتغير الوضعيات السياسية والانتظارات الاجتماعية”، مؤكدا أن ما حصل في 2011 لم يكن قطيعة، بل استمرارية لخط تاريخي طويل، وأن “التحول الحقيقي لا يتم فقط بإدخال مفاهيم جديدة إلى النص، بل بتغيير الشروط التي تحكم التأويل والتفعيل”.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير