HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة
تصفحوا العدد 328 من جريدة حقائق جهوية الكترونيا pdf




الأكثر تصفحا


المغرب فــي مــواجهة التتــار الريعي


ذ.محمد الحجام مدير نشر جريدة ملفات تادلة
الاحد 27 يناير 2013




المغرب فــي مــواجهة التتــار الريعي
بعدما عرفت موجة محاربة الفساد لمدة طويلة، وتحديدا منذ الصيف الماضي ركودا ملحوظا، حيث لم يستطيع صقور بنكيران إنجاز الأوراش التي فتحوها في هذا الشأن، ابتداء بدفتر التحملات لإصلاح الإعلام، وضم ورقة إصلاح القضاء ضمن الهيئة العليا، مرورا بلائحة المستفيدين من كريمات وانتهاء برخص الصيد في أعالي البحار و ... طالعت علينا الحكومة في شخص وزير التجهيز عزيز رباح بنشر لائحة لما سمي بالمستفيدين من المقالع (رملية أو رخامية أو غيرها).

حيث أن نشر هذه اللائحة في هذا التوقيت بالذات، يثير كثيرا من التساؤلات المشروعة.

فقد تزامن هذا النشر مع الإعداد لقانون المالية للسنة المقبلة 2013، وذلك في ظل أزمة قطاعية وبنيوية خانقة. لقد أثبتت كل المؤشرات الاقتصادية والمالية على أن مالية الدولة واقتصادها يغوصان في بحر من المشاكل الظرفية منها والمزمنة والداخلية منها كذلك والخارجية.

فقد جفت السيولة المالية وشحت الإستثمارات إلى درجة مخيفة وبلغ العجز التجاري واحتياط العملة الصعبة درجة تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا فزعا لما قد يترتب عن هذه الوضعية من تبعات اجتماعية، تنذر بالانفجار- أو اللااستقرار، حيث أصبح جليا أن حجم ميزانية الدولة غير قادر على الاستجابة للحاجيات الأساسية حتى لقطاع الخدمات بل حتى لو رصدت كلها لقطاع واحد فإن الخصاص يبقى قائما ! كما تزامن نشر لائحة أصحاب ريع المقالع مع شد الحبل الذي ميز العلاقة بين الدولة وبين الباطرونا في شخص الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب.

لقد اتسمت هذه العلاقة بالتوتر والتشنج الشديدين ينذر بقطيعة بين الطرفين. إلا أنه من الملاحظ ان الحوار الذي يدور بينهما يكاد يكون حوار الصم.

فلا الحكومة في قانون المالية رسمت معالم واضحة للخروج من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها البلاد، ولا الكونفدرالية تقدمت بمقترحات جادة ودقيقة حول تصورها لتشريح الأزمة وتقديم مقترحات عملية للخروج منها، اللهم ما يحفظ المصالح الخاصة، بدليل بقاء النقاش والتوتر على هامش عمق أزمة تطور المقاولة المتمثل في خنق فضاء المنافسة بسبب سيطرة اقتصاد الريع الاحتكاري وغير المنتج على أهم خيرات وثروات البلاد، ومن تم التمدد في التحكم في اللعبة السياسية لينتج سياسة الريع التي أفرغت الأحزاب والعمل السياسي بشكل عام من محتواه ليس الفكري بل حتى الوطني، وبالتالي تطليق الشعب لللعبة السياسية ككل، والتي أصبح احتكاريي الريع يتحكمون في خيوطها، لأن الاحتكار في الاقتصاد هو الوجه الثاني للاستبداد في السياسة، ولأن الديمقراطية السياسية كذلك هي الوجه الثاني للمنافسة الاقتصادية.

كما تزامن كذلك نشر لائحة المقالع إلى ما يشبه شد الحبل بين حزب الاستقلال وبين حزب العدالة والتنمية الذي يتولى رئاسة الحكومة.

فالأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، حميد شباط، منذ انتخابه على رأس هذا الحزب وهو يحاول أن يبرر وجوده تارة في خلخلة الحزب والطعن في الوزراء الذين يمثلونه في الأغلبية الحكومية، وتارة أخرى في إزعاج حزب العدالة والتنمية وتهديده بتعديل حكومي (أضيف له مؤخرا تهديد العنصر كذلك).

إلا أن مناورات حميد شباط، الغارقة في الشعبوية، لم يطعن في العمل الحكومي بقدر ما يهمه خلخلة التوازن الحكومي في منظور ضيق يكتسي طابعا شخصيا محضا وليس مؤسساتيا.

فإلى حد الآن لم يبد حميد شباط ما يكفي من الاستعداد الفكري والسياسي ليقدم طروحات بديلة، إن على مستوى العمل الحزبي أو على مستوى الأداء الحكومي، خصوصا في موضوع محاربة الفساد واقتصاد وسياسة الريع المدمرين للبلاد والعباد.

من خلال هذه الملاحظات يبقى التساؤل عن الجدوى الحقيقي من نشر لائحة المستفيدين من ريع المقالع والمدى الذي يمكن أن تصل إليه، (خصوصا إذا استحضرنا خنق وتوقيف سيرورة اللوائح التي سبق الكشف عنها في المجالات السابقة الذكر)، إذ من جهة لم توضع اللائحة الأسماء الحقيقيين لهؤلاء المستفيدين من المقالع التي تبلغ حسب بلاغ الوزارة 1885 مقلعا، والمستفيدون في أغلبهم يتخفون وراء شركات مجهولة الاسم أو خلف أسماء مستعارة، حيث بالتالي فإن هؤلاء المستفيدين المجهولي الهوية لا يمكن أن يتعرف عليهم الرأي العام وبالأحرى متابعتهم.

إن الشعب يعلم بكل التفاصيل كيفية منح رخص استغلال المقالع والمناجم والصيد في أعالي البحار، والجهات المستفيدة منها والتي تكون لوبيا صلبا، بعيدا عن سلطة الحكومة ومجلس المنافسة مشلولا إزاءه، فكيف يمكن أن يكون في متناول المتابعة القضائية رغم المتابعة الشعبية.

إذن فالأزمة ستظل جاثمة على الشعب المغربي، وسيبقى الفساد مستقويا وعصيا، خصوصا أنه منذ الدستور الجديد وإعلان تدشين المغرب لمرحلة الإصلاح والتنزيل الديمقراطي ووصول حزب المصباح لرئاسة الحكومة والتي شيئا فشيئا ما عادت دفاعاتها تقوى على مقاومة هذا اللوبي الريعي.

فهل يمكن بناء اقتصاد الدولة في ظل هذه المعطيات؟، الجواب لا يمكن أن يتكهن به أحد إلا أن أول خطوة نحو الخلاص، هو الوعي والتوعية، بهذا التتار الجديد الذي أقسم أن يستأصل كل أوصال الخير والجمال من وطننا، وأن لا يرضى بديلا غير تعميم الذبول والتفقير.

ومن المؤكد أن درجة وعي الشعب عالية جدا، وذاكرته لا تمحى وتسجل كل من أساؤوا وأفسدوا في ثروة وتاريخ وأمن البلاد والعباد.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير