HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

حين نفشل في التحرّر


سعيد ناشيد
الاحد 21 أكتوبر 2018




حين نفشل في التحرّر




حين نفشل في التحرّر ماذا نفعل؟ الجواب : لا نعود إلى نفس الوضع السّابق، بل نتدهور ونتقهقر نحو الأسوأ. هذا في تجارب الشّعوب والأفراد على حد سواء.
كنتُ في مدينة فاس عندما طرق باب بيتي ذات يوم نجل أحد أقطاب الحركة الإسلامية بالمدينة. كنت أعرفه ويعرفني لكن المعرفة بيننا كانت سطحية. أخبرني بأنه هجر بيت والده بعد شجار معه ولا مكان يأويه. أدخلته ورحّبت به. في مساء نفس اليوم طلب مني مرافقته إلى الخمّارة. وقبل أن أجد صيغة للاعتذار، طوّقني بالأسئلة : أيّ الخمارات أفضل؟ وفي أي منها قد نجد الفتيات الحسناوات، والمرقص الحافل…؟ شعرت بأن هناك سوء تفاهم في الموضوع.
حاولت تحوير النقاش في بادئ الأمر، لكن الفتى ظل مصرا. هنا أدركتُ بأن الواجب يستدعي أن أرفع اللبس، فقلت له بكل هدوء: بالنسبة إلي الأمور ليست بهذا النحو، مثلا، فإن وجود الخمارات والمراقص والملاهي ليس من أجل الذهاب إليها يوميا ولا حتى أسبوعيا، وإذا كنت تريدني أن أرافقك إلى إحداها فأشترط أن نؤجل الأمر، ثم نختار المكان والزمان المناسبين، ولم لا المناسَبة المناسِبة؟.
طيلة ثلاثة أسابيع من معاشرته لم أفلح في لجم اندفاعاته، وحسبتُ أني في ورطة كبرى، فقد عانيت الأمرّين، وكان همي الأساس ألا أمنح لوالده وللإسلاميين فرصة إشاعة أن “العلمانيين” قد غرروا بأحد أبنائهم “البررة الصالحين”. لكن الفتى جاوز المدى الذي أتحمله. وكم مرّة دخلت إلى خمارة سيئة السمعة فقط لكي أخرجه منها.
في إحدى المرات التقيته مخمورا يتمايل على جنبات الشّارع، وما إن رآني حتى عانقني على طريقة المعربدين وهو يُردد بأعلى صوته: مساكين أنتم أيّها العلمانيون، والله أنتم مظلومون، يظنون أنكم جوقة من الإباحيين والسكارى والمنحلين.. والله لا نعيم لكم في الدنيا ولا نعيم في الآخرة.
في هذه الأثناء فهمت الصورة : كان والده يحذره من العلمانيين ويصور له عوالمهم المنحلة كما لو أنها مجون وفجور وحور عين وخمور وما لا عين رأت ولا أذن سمعت. ومن حيث لا يدري فقد كان يلقي في قلبه شوقا إلى تلك العوالم. وعندما لجأ الولد إليّ فقد كان يظن بأنه سيلج إلى “جنة الفسق” التي رسمها له والده ومعه بعض أقطاب الحركة الإسلامية.
عندما لم يجد مراده عندي تركني ومضى بعيدا، مضى أبعد من كل المسافات، لم أعد أراه، لم أعد أصادفه. ثم أخبروني بعدها بأنه تعرف على فتاة مدمنة على المخدرات فابتلي بما ابتليت به، وشوهدا مرارا يسوقان السيارة بنحو جنوني.
تركتُ فاس لعدة سنوات، وعندما عدت مؤخرا في إحدى المناسبات سألت عنه فقيل لي: لقد تعرض لحادثة سير نجا منها بأعجوبة، ثم “تاب إلى الله” توبة عجيبة، إذ أصبح أكثر تشدّدا من والده.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير