HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

عن الهوية و أشياء أخرى


سلمى ميحند
الاثنين 15 يناير 2018




عن الهوية و أشياء أخرى



يعتقد كل فرد منا أنه يدرك لفترة طويلة من حياته هويته ، لكن ما أن يطرح سؤال "ما الهوية ؟" و يتم ربطها مباشرة بجواب عن الإسم أو الجنس أو الإنتماء الإجتماعي أو الديني حتى يكشف حجم الجهل و اللاوعي و محدودية النظرة لكلمة هوية . لأن هذه المحددات المتداولة في الجواب عن هذا السؤال هي محددات قالبة للتغيير في كل زمان و مكان . لذلك من الضروري على الشخص التعرف على نفسه و إدراك هويته قبل إبداء رغبته في الحصول على صديق أو شريك للحياة تتناسب صفاته مع متطلبات الحفاظ على الهوية و في الوقت نفسه الإنفتاح على القيم الثقافية العالمية الحديثة .
هذه الرغبة في الحصول على هذا الشخص بناءا على هذا المبدأ الذي أسلفنا ذكره هو اختيار يطمئننا من جهة و يدحض فكرة من جهة أخرى ؛ يطمئننا لأنه يشير إلى كيفية الحفاظ على هويتنا دون أن نشعر أننا في المؤخرة ، مؤخرة الركب الحضاري و من جهة أخرى يدحض الفكرة التي تتبنى أن القيم الثقافية العالمية الحديثة و العولمة و ما إلى ذلك هي مفاهيم تلاحق الهوية و تحاصرها بل و تتغذى عليها و من ثمة تذهب بها إلى الفناء . فاختيارنا لأصدقائنا أو شركاء حياتنا بناءا على مبدأ التوازن بين ما هو متعلق بالهوية و الأصل تارة و ما هو متعلق بالحداثة و الإنفتاح على الآخر تارة أخرى يفرض على كل منا طرح سؤال ما الهوية ؟ (ما هي هوية كل واحد منا ؟) و اجتناب الأخد بالأجوبة المتداولة التي نتبناها دون أدنى تفكير .
إن الغوص في سبر أغوار الجواب عن مثل هذا السؤال الحساس يساهم بطريقة أو بأخرى في صناعة قتلة يدافعون و يقاتلون بإسم هذه الهوية التي أضحت بدورها قاتلة و التي عادة ما تختزل في عنصر أو انتماء واحد ، فمن الظلم فعلا أن يختزل مفهوم الهوية هكذا في عنصر دونا عن غيره لأنها مزيج من العناصر المتداخلة و المترابطة فيما بينها . لكننا نحس دائما أننا مضطرين للاختيار ، فلماذا يقع الاختيار على عنصر واحد بالظبط ؟ ببساطة لأننا نعيش في مجتمع عنصري لا يقبل إلا بالأنموذج ، مجتمع ولاءه ولاء للعقيدة و الدين و العرق.. فمن المخيف فعلا أن تتحول الهوية إلى وسيلة أو أداة للقتل؛ أداة تبيح المجازر و المذابح و تساهم في إراق الدم ببرودة و دون أي تأنيب للضمير.
فشخصيا، أتبنى موقف الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف و أجزم أن الهوية صديق مزيق قابل لأن يتحول إلى أداة حرب في أي لحظة، لذلك لست مهتمة بأن تكون صفات صديقي أو شريك حياتي صفاتا متناسقة مع قيم الهوية أو منفتحة على قيم الثقافة العالمية الحديثة لأنه و ببداهة مفرطة حين نختار صديقا أو شريكا في الحياة تصبح مثل هذه الأمور أشياء متجاوزة لأن هناك أمورا أهم في مثل هذه العلاقات من جهة و من جهة أخرى لأن الانسان ابن عصره ؛ فربما نجد مع عابر سبيل أجنبي أشياء مشتركة أكثر مما نجدها مع أبناء مجتمعنا ، ليس فقط على مستوى المظهر أو الملبس أو طريقة الكلام، بل يتعدى الامر ذلك إلى طريقة التفكير و المفاهيم الأخلاقية و القيم المتبناة .
فعلا، يجب على كل منا أن يفهم أن الحياة ليست بهذه السطحية التي يعيشها أغلبيتنا ، ليست بأن نفرض على أنفسنا قالبا نتبناه هوية لنا ، ليست بأن نكون مضطرين للاختيار بسبب ذلك التزمت الذي يختزل الهوية في عنصر واحد و يدفع بالجميع إلى الانصهار في بوثقة واحدة . فعلى سبيل المثال و استنادا على واقع مجتمعنا في المغرب ، حتى و إن اختزل المواطن هويته في الجنسية " في أنه مغربي" . في نظري ، هو مجرد تحديد سطحي للهوية لأنه لا يحس صدقا بوطنيته رغم أنه نظريا و من الغايات الكبرى للمدرسة الوطنية غرس قيم المواطنة و حب الوطن و الاعتزاز بالهوية المغربية ، لكن الحقيقة أننا نلاحظ ضمور هذا الشعور تدريجيا مع الاجيال ؛ فالمشكلة في نظري تكمن في الهوة السحيقة بين ما يتم تعلمه في المدرسة و بين حقيقة ما يعيشه المواطن من عدم الشعور بالامن الاجتماعي و الكرامة، الشيء الذي يؤدي مباشرة إلى التخلي عن تلك الجمل العريضة من الوطن و الهوية ، و يجعلها مضحكة أحيانا و سخيفة . و هنا أتذكر مقطعا جميلا لأحمد مطر يقول فيه :
"أبي الوطن أمي الوطن
يتيم أبشع اليتم أنت إذن
لا أمك احتوتك بالحضن
و لا أبوك حن . "
و هكذا يتخلى هذا الشخص عن الهوية كجنسية في بعض الأحيان ، ليتبنى الانتماء الديني هوية له ؛ ربما لأنه أنصف في نظره و ربما لأن آمن أكثر و مسكن بعيد المدى ،علما أن اليوم و في مجتمعاتنا العربية ،أصبح هذا الانتماء هو العنصر الأبرز في هويتنا بعدما كان التأكيد عليه في الماضي أمرا متجاوزا و غير مهم .
صفوة القول ، إذا أردنا السلام ، إذا أردنا مستقبلا أخف سوءا و قتلا و إرهابا، إذا أردنا أن نرجع بلدان مهد الحضارة إلى حضارتها ، إذا أردنا أن لا نكون وحوشا تبيد أطفالها ، يتوجب علينا بطريقة أو بأخرى تجاوز هذا التزمت في فكرة اختزال هذا المفهوم(الهوية) دائما في عنصر واحد و من ثمة تحويله إلى سلاح مهرق للدم كما أسلفنا الذكر .. كما يتوجب علينا أيضا تجاوز فكرة ضرورة توافق صفات الأخر ( سواء الحبيب أو الصديق أو الزوج أو ..) مع أشياء غير ثابثة و قابلة للتغيير لأن مثل هذه العلاقات هي علاقات وجدانية روحانية أعمق بكثير من هذه النقط و العناصر التي نركز عليها هكذا ، هي علاقات ليست أبدا بهذه السطحية التي نعيشها ، لأنها علاقات قائمة على الحب و الانسانية قبل شيء ، علاقات تتجاوز اختلاف الافكار و الديانات و المذاهب و الطوائف .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير