HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة
تصفحوا العدد 329 من جريدة حقائق جهوية الكترونيا pdf




الأكثر تصفحا


تقرير إخباري: اعتقال مبديع.. الشجرة التي تخفي غابة الفساد والإفلات من العقاب بالمغرب


حقائق بريس
الجمعة 28 أبريل 2023





أعاد خبر متبابعة الوزير السابق والبرلماني محمد مبديع في حالة اعتقال على خلفية متابعته في قضية فساد، موضوع تبديد المال العام والإفلات من العقاب إلى واجهة النقاش العمومي بالمغرب، حاملا معه ملفات لا تزال تنتظر كلمة القضاء منذ سنوات طويلة، وأخرى صدرت فيها أحكام مخففة لا تتناسب مع الجريمة، أو إدانات بالسجن مع وقف التنفيد رغم خطورة الجرائم.

وبالرغم من توالي المطالب والتوصيات بالضرب بيد من حديد على المفسدين وناهبي المال العام، للتقليص من حدة الفساد الذي ينخر البلاد بشهادة مؤسسات رسمية، إلا أن المسجل هو سيادة الإفلات من العقاب، وتأخر البت في الكثير من ملفات “النافذين”، والتساهل مع المتورطين في هذه القضايا، رغم أن الفساد يكلف المغرب حوالي 5% من الناتج الداخلي الخام، أي حوالي 5000 مليار سنتيم سنويا، حسب حماة المال العام.

مبديع وعليوة وأخشيشن وآخرون

ولعل من بين أبرز ملفات “الفساد” المرتبطة بالإفلات من العقاب، ملف رئيس بلدية الفقيه بنصالح، محمد مبديع، الذي تمت متابعته مؤحرا في حالة اعتقال على خلفية شكاية من الجمعية المغربية لحماية المال العام منذ 2020، وبالرغم من المطالب المتكررة لهذه الجمعية بإخراج هذا الملف من غرفة الانتظار، والبت فيه، خاصة وأن المعطيات والوثائق تؤكد وجود شبهات على تورط المعني في تهم جنائية، إلا أن القضاء لم يتحرك إلا بعد مرور ثلاث سنوات.

ويعتبر “حماة المال العام” أن قضية مبديع عنوان عريض على عدم سواسية المواطنين ورؤساء الجماعات أمام القانون، وعلى الإفلات من العقاب، وغض الطرف عن الفساد والمفسدين، ففي الوقت الذي يتم فيه عزل رؤساء جماعات في قضايا لا تصل إلى حجم هذه القضية، ظل مبديع في منصبه على رأس بلدية الفقيه بنصالح منذ 1997 دون أن تتحرك وزارة الداخلية وتسلك مسطرة العزل طبقا للقانون.

مبديع الذي تطاولة شبهات حول عدة قضايا فساد، تقرر إيداعه السجن بعد قرار متابعته بتهم تشمل الاختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها، وجاء اعتقاله بعدما شكل انتخابه رئيسا للجنة العدل والتشريع بداية نهايته، خاصة مع انتقادات تحويل البرلمان إلى مكان لاحتماء الفاسدين.

ملف حسن الدرهم ومن معه

ومن بين ملفات “الفساد” الأخرى التي لا تزال تنتظر انقشاع الغمام عنها، ملف حسن الدرهم رئيس جماعة مرسى العيون السابق، الذي قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، إجراء تحقيق في مواجهته رفقة 16 متهما آخر، وتقررت متابعته في فبراير 2022 بجنايات تضم اختلاس وتبديد أموال عامة وتزوير محررات رسمية واستعمالها، ولا يزال ملفه ينتظر البت.

كما أن رف ملفات الفساد والتبديد الكبيرة في السنوات الأخيرة، يضم ملفا ثقيلا بحجم ملف البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، والذي أحيل جزء منه فقط على محكمة الإستئناف بفاس، لكن الباقي يجهل مصيره رغم أن البحث التمهيدي قد انتهى، وقد قرر قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال في فبراير الماضي إحالة 18 متهما على غرفة الجنايات الإبتدائية لدى ذات المحكمة، ضمنهم مديرين للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس بولمان سابقا ومسؤولين وموظفين آخرين.

ورغم أن البرنامج ابتلع 44 مليار درهم، وشابته جملة من الاختلالات المرتبطة بتبديد واختلاس أموال عمومية، إلا أن الوزير المسؤول عنه أحمد اخشيشن والوزيرة لطيفة العابدة ظلا خارج نطاق المحاسبة هما ودائرتاهما الضيقتان، وهو ما انتقده حماة المال العام بشدة، واعتبروه دليلا على أن المحاسبة لاتصل إلى الكبار، فالوزيران لهما علاقات متداخلة مع بعض الدوائر التي توفر لهما الحماية.

كما تعد قضية الوزير السابق خالد عليوة عنوانا بارزا للإفلات من العقاب بالمغرب في جرائم تبديد “المال السايب”، وهو الذي خرج من السجن برخصة لدفن والدته ولم يعد بعدها للزنزانة، حيث تحولت متابعته من حالة اعتقال إلى حالة سراح، بل وتم دفن ملفه، بقدرة قادر.

ملفات في غرفة الانتظار

وتعدد الجمعية المغربية لحماية المال العام جملة من ملفات الفساد وتبديد الأموال العمومية التي تعرف تأخرا ملحوظا في الحسم فيها، ومنها ملف المجلس الإقليمي لوزان وملف المجلس الإقليمي للجديدة وقضية تبديد الرصيد العقاري العمومي وتفويته لذوي النفوذ بجهة مراكش آسفي بثمن زهيد في عهد الوالي عبد الفتاح البجيوي وهي قضايا بيد الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، إضافة لقضية المجلس الإقليمي للخميسات لدى الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط، وقضية جماعة أيت ملول عمالة إنزكان لدى الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، وغيرها. والقضية التي كان يتابع فيها عبد الوهاب بلفقيه، البرلماني والرئيس السابق لجماعة كلميم، على خلفية الاشتباه في تورطه مع آخرين في قضايا فساد وتبديد أموال عمومية، وهي القضية التي يعتقد انها كانت وراء انتحار بلفقيه عام 2021، عندما كان قرار متابعة المشتبه بهم في حالة اعتقال واردا. ومع انتحار ه تم اقبار القضية.

قضايا الفساد المالي بالمغرب مقابل الإفلات من العقاب والعقوبات المخففة، ليست حكرا على السياسيين فقط، بل تمتد لمسؤولين في مؤسسات أخرى، كما هو شأن الذي خان الأمانة في 580 مليون سنتيم وأدين بستة أشهر موقوفة التنفيذ، وغرامة 1000 درهم، قبل أسابيع.

موضوع تبديد الأموال العمومية والإفلات من العقاب، يدفع أيضا لاستحضار ملفين آخرين، أولهما مرتبط بعبد المولى عبد المومني الرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، الذي أغلقت في وجهه الحدود، والذي تحوم حوله شبهات اختلاس أموال عمومية وخيانة الأمانة والتزوير في محررات عرفية واستعماله واتلاف وثائق إدارية وغيرها من الجرائم.

وثانيهما ملف محمد الفراع الذي أفلت من قضاء العقوبة الحبسية بعدما تم قبول ملفه في النقض منذ حوالي عقد من الزمن، حيث أدين بشبهة تبديد مبلغ 117مليار سنتيم من التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، لما كان رئيسا لمجلسها الإداري، ولا يزال ينعم بالحرية.

ولم تقف شبهات الفساد والتبديد التي تحوم حول الفراع عند هذا الحد، بل إن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، قرر في 2022 إجراء تحقيق في مواجهته بصفته الرئيس الأسبق لبلدية الصويرة، من أجل جناية تبديد أموال عمومية، وذلك على خلفية شبهة اختلالات تدبيرية وقانونية ومالية، شابت التدبير العمومي بالصويرة، وخاصة ما يتعلق بالصفقات العمومية، وهي ملفات تنتظر جميعها من ينفض عنها الغبار.

الفساد طاول حتى مجال الرياضة، حيث مازالت فضيحة التلاعب بتذاكر مونديال قطر تنتظر الكشف عنها ومحاسبة المتورطين فيها، ومن بين الأسماء المشتبه بتورطها في هذه الفضيحة التي اتخذت طابعا دوليا، البرلماني وعضو المكتب المديري للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والرئيس السابق لفريق “الرجاء” محمد بودريقة، الذي سبق أن صدر في حقه حكم بالسجن موقوف التنفيذ على خلفية قضية إصدار شيكات بدون رصيد.

إقرار بتفشي الفساد والإفلات من العقاب

تقارير رسمية وغير رسمية تؤكد أن الفساد واختلاس الأموال العمومية ينخر المغرب، ويقابل في الغالب بالإفلات من العقاب أو عقوبات مخففة، ورغم توالي المطالب والتوصيات بزجر المفسدين إلا أن الوضع لا يزيد إلا تدهورا، وترتيب المغرب في مؤشر مدركات الفساد يتراجع.

الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الرشوة تؤكد في تقاريرها أن جرائم الفساد الكبرى المتميزة بالتعقيد والتواطؤ لا تجد طريقها للقضاء،وتشير إلى أن الإفلات مـن العقـاب والرغبـة في الثراء السريع يشـكلان الأسباب الرئيسـية لتفـشي الفسـاد في المغرب.

كما أن المغرب، حسب الهيئة، مـا زال يصنـف ضمـن البلـدان التـي تعـرف اسـتفحال آفة الفسـاد، ولم يصـل بعـد إلى المستوى الـذي يسـمح بانتشـاله مـن خانـة الـدول التـي مـا زالـت مجهوداتهـا في مكافحـة الفسـاد غيـر كافيـة وغـير فعالـة، خاصة في ظل عـدم فعاليـة القوانيـن، مما يجعل التجربة المغربية في مجال مكافحة الفساد مـا زالـت تعـاني مـن بعـض الأعطاب.

ونبهت في تقريرها الأخير الصادر في نونبر الماضي إلى تغلغل الفساد بقوة في المغرب والصعوبات الكبيرة التي تعيق مكافحته، وانعكاس الفساد السلبي على التنمية وتمتع المواطنين بمختلف حقوقهم، ما يجعل المغرب ضمن خانة الدول التي تعرف منحنيات متردية للفساد، لا سيما وأن البيئة المغربية ملائمة لتنامي الفساد وتثبيت معاقله.

ومن جهتها، تؤكد الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي” أن المغرب يعيش وضعية فساد عامة، دون وجود آفاق للخروج من هذه الوضعية، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للبلد حبرا على ورق ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع.

وتؤكد ترانسبرانسي العلاقة المترابطة بين محاربة الفساد و الديمقراطية، فهذه الخرب تكون عبر مؤسسات ديمقراطية، وتفعيل دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يغيب عن المغرب.

مطالب بتطبيق القانون والتصدي للفساد

ويبقى الوضع بالمغرب متسما بكثرة ملفات الفساد التي تثيرها تقارير رسمية كالمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للداخلية، وهيئات مدنية كالجمعية المغربية لحماية المال العام، وقضايا أخرى لم تجد طريقها للقضاء.

وتطالب الجمعية المغربية لحماية المال العام ورئيسها محمد الغلوسي بشكل مستمر بربط المسؤولية بالمحاسبة، والقطع مع الإفلات من العقاب، مع دعوة النيابة العامة المختصة بالتدخل طبقا للقانون، من أجل الحرص على سيادة القانون، وتحقيق العدالة، ورفع أي تشكيك، أو التباس بخصوص سواسية الناس أمام القانون.

يشدد الغلوسي على أن السلطة القضائية مطالبة بأن تكون حريصة على الوفاء بأدوارها وصلاحياتها المنوطة بها دستوريا، وقانونيا، وذلك بالتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهي مرتكزات، ومبادئ لا غنى عنها لبناء دولة الحق والقانون.

ولفت الغلوسي في عدة تدوينات إلى أن الجمعية التي يرأسها تقدمت بعدة شكايات إلى الجهات القضائية، لها صلة بتبديد، واختلاس أموال عمومية، وغيرها من جرائم الفساد المالي، معززة بأدلة توثق حصول تجاوزات جسيمة للقواعد القانونية الموضوعية والمسطرية في العديد من الجماعات الترابية، والمؤسسات العمومية، تكتسي صبغة جرمية يعاقب عليها القانون الجنائي لكن هذه الشكايات استغرقت وقتا أطول في البحث التمهيدي، والتحقيق، والمحاكمة، وهذا زمن قضائي مهدور، رغم أن الدستور يؤكد ضرورة البت في القضايا المعروضة على القضاء ضمن أمد معقول.


         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير