HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

الصحافة الوطنية: أي خيارات لمواجهة التحديات الجديدة و كسب رهان التأهيل؟


حقائق بريس
الخميس 13 يناير 2022




الصحافة الوطنية: أي خيارات لمواجهة التحديات الجديدة و كسب رهان التأهيل؟

تدخل رئيس المجلس الوطني للصحافة يونس مجاهد في اللقاء التشاوري

السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل، المحترم
السيد الوزير المنتدب لوزارة المالية و الاقتصاد، المحترم
السيدات والسادة مسؤولي المنظمات المهنية في الصحافة والإعلام، المحترمين
السيدات والسادة مسؤولي قطاع التواصل، المحترمين
الحضور الكريم
يطيب لي في البداية، باسم المجلس الوطني للصحافة، أن أعبر عن امتناني لتنظيم هذا اللقاء، الذي يشكل بالنسبة لنا فرصة لتقديم رؤيتنا لموضوع نعتبره حيويا، ليس بالنسبة للقطاع نمثله، فحسب، بل أيضا للمجتمع المغربي، الذي ككل المجتمعات المعاصرة، تلعب فيه الصحافة ووسائل الإعلام والتواصل، أدوارا محورية.


و لا نخفي عليكم أننا كنا متطلعين إلى هذا النوع من اللقاءات، سواء بهذه الصيغة أو بصيغ أخرى، لنبسط وجهة نظرنا ونتحاور مع الحكومة ومختلف الأطراف المعنية، بخصوص التحديات التي تواجه الصحافة المغربية.

وقبل تشخيص الوضع الحالي، كما نراه في المجلس، لابد من التذكير باللقاء الذي نظم في الصخيرات، سنة 2005، والذي شاركت فيه الهيآت المهنية، في الصحافة، إلى جانب الحكومة، و صدرت عنه قرارات وتوصيات، شكلت خارطة طريق لهذا القطاع، من أهمها تعميم الدعم على الصحف، في الوقت الذي كان مقتصرا فيه على الصحافة الحزبية، وتوقيع اتفاقية جماعية بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والإتفاق على إخراج مؤسسة لتقديم خدمات إجتماعية للصحافيين، ومراجعة القوانين المؤطرة للقطاع، مع اعتماد مشروع هيأة وطنية للتنظيم الذاتي.

ويمكن القول إن مختلف هذه المشاريع قد تم إنجازها، منذ ذلك التاريخ، في الوقت الذي قام بالمراجعة والتقييم، الذي كان شاملا، في إطار الحوار الوطني “الإعلام والمجتمع”، الذي دام حوالي سنة، تم تجاهله، بعد انتخابات 2011، رغم أنه كان مؤسسا وغنيا.

اليوم نحن أمام وضع جديد، قام المجلس بتشخيصه، في تقرير شامل، إعتبر أن الأزمة الهيكلية للصحافة المغربية، ظهرت ملامحها الأولى منذ سنة 2013، إلا أن حدتها ازدادت واستمرت، مع ظهور الجائحة.


فقد بلغ المعدل اليومي لمبيعات الصحف الوطنية، خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2020، 76 ألف نسخة، ثم تراجع إلى حدود نهاية السنة إلى 38,500 ألف نسخة، ولا زال في التراجع إلى غاية اليوم.

و لم يعد من الصحف الورقية للصدور، إلى حدود نهاية 2020، إلا حوالي نصف ما كان يصدر قبل الجائحة. ولم تنج الصحافة الرقمية من مظاهر الأزمة.

فقد تأثر قطاع الإشهار بهذا الوضع، حيث نزلت الإعلانات التجارية، خلال فترة الحجر الصحي، لتصل نسبة الاستثمارات إلى أقل من 40 ٪، وكان الخاسر الأكبر في هذا الوضع هي الصحافة الورقية.

و تؤكد المعطيات التي توصلنا إليها، أن 32٪ من المعلنين توجهوا للتواصل الرقمي كأولوية سنة 2020، وأن 92٪ منهم توجهوا إلى الشركات الرقمية العملاقة.GAFAM”.

ومن الطبيعي أن يتأثر قطاع مطابع الصحف والتوزيع بهذا الوضع.

فما هي الحلول الممكنة لمعالجة هذه الأزمة، التي بدأت كما تؤكد المعطيات، قبل ثماني سنوات؟

إننا أمام أزمة بنيوية، أسبابها متعددة، تظافرت عدة عناصر في تكريسها، مثل ضعف معدلات القراءة، ومشاكل التوزيع، و توجهات قطاع الإشهار، وأيضا المنافسة القوية لوسائل التواصل الحديثة، وهو واقع يعرفه كل العالم.

إن تدهور الصحافة الورقية ليس سببه الوحيد في المغرب هو التحول الرقمي، لأن الصحافة الرقمية بدورها مأزومة وتحتاج إلى هيكلة وتنظيم وتأهيل، ولكنه يعود أيضا، إلى عدم توفر الصحافة المغربية بشقيها على نموذج اقتصادي ملائم لخصوصيتها ولواقع محيطها، إضافة إلى هشاشتها، ونقص رأس مالها، وقلة مواردها البشرية، وضعف منسوب حكامة وحسن تسيير أغلبها.

وقد تبرز المؤشرات المتعلقة ببنيات المقاولات الصحفية المغربية بعض هذه المظاهر.

فحسب المعطيات المتوفرة للمجلس من خلال طلبات البطاقة المهنية هناك 731 مقاولة صحافية منها 447 إلكترونية (أي61٪) و284 ورقية (أي حوالي39٪) منها الوطنية والجهوية.

بالنسبة للصحافة الورقية، أكثر من 53 ٪ من مقاولاتها تشغل أقل من 5 صحفيين؛ و أكثر من 28٪ منها تشغل صحفيا واحدا وهو نفسه مدير النشر ورئيس التحرير.

أما بالنسبة للصحافة الرقمية، ف 86 ٪ من مقاولاتها تشغل أقل من 5 صحافيين.

و حوالي 47٪ منها تشغل شخصا واحد وهو نفسه مدير النشر ورئيس التحرير وصاحب المشروع.

غير أنه بالإضافة إلى هذا العنصر الذي يكشف هشاشة البنيات، في نسبة هامة من المقاولات، فإن هناك عناصر أخرى تستحق الدراسة، بالنسبة لأغلب المقاولات الورقية والرقمية، تخص طرق التسيير والتدبير، فكم منها تتوفر على مديريات أو أقسام أو مصالح للموارد البشرية، تهتم بالجوانب المهنية والأكاديمية، وليس الإدارية والمالية، فقط، وكم منها لديه مجالس للتسيير، كما هو الشأن في شركات أخرى، وكم منها يتوفر على برامج وميزانيات للتكوين المستمر، ولو حتى في تعاون مع مؤسسات أخرى، وكم منها لديها مخططات لتطوير المنتوج الصحافي والإعلامي والموارد البشرية والتلاؤم مع حاجيات السوق والتحولات الحاصلة في مجالات التواصل، وغيرها من العوامل المؤثرة في الصناعة الإعلامية…

أمام هذا الوضع الذي يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق، ما هي الحلول الممكنة لهذه الأزمة البنيوية؟

لقد تضاعف هذا الدعم حوالي مرتين خلال عقدين (2005-2019)، و استفادت منه الصحافة الورقية والصحافة الرقمية.

وساهمت الدولة، إلى حدود نهاية سنة 2020، بغلاف مالي استثنائي بقيمة 235 مليون خصصت لدعم الأجور، والمقاولات الصحفية الحاصلة على الملائمة، ولشركة التوزيع ولإعادة رسملتها، وللمطابع التي تسحب أكثر من 500 ألف نسخة سنويا، وللإذاعات الخاصة.

من بين المحاور التي من الضروري التعرض لها في هذا اللقاء، هو كيف يمكن ملاءمة الدعم العمومي مع قانون الصحافة والنشر، وبالأخص المادة 7 منه، الذي ينص على الأهداف التالية، تنمية القراءة وتعزيز التعددية ودعم الموارد البشرية، وكذا مع مرسوم مارس 2019، فإنه يؤكد صراحة على تخصيص الدعم ل”تنمية القدرات البشرية والتكوين والمواكبة من أجل التأهيل وتعزيز التعددية وتحديث الإنتاج والتجهيز والطباعة والتوزيع”.

أي كيف نجعل من الدعم العمومي، حافزا من حوافز إصلاح الإختلالات البنيوية، التي اشرنا إلى بعض ملامحها، والتي يشكل حسن التسيير والتدبير ووضع الموارد البشرية، في الإدارة والتحرير والمجالات التقنية، على رأس الأولويات.

إن التقرير الذي أنجزه المجلس حول واقع الصحافة بعد الحجر الصحي، تضمن عدة إقتراحات في محاولة لتجاوز الأزمة، من بينها، العمل على إخراج صندوق تنمية القراءة، و تكثيف حملات التحسيس، وإعادة النظر في تكوين الصحفيين والانتقال من مفهوم التخصص إلى مفهوم الصحفي المنتج للمضامين لفائدة الوسائط المتعددة، واعتماد التكوين في تسيير المقاولات الإعلامية لمسايرة التحولات والتحديات التي يشهدها قطاع الإعلام خصوصا بالنسبة للمواقع الإلكترونية الجهوية. بالإضافة إلى عدة اقتراحات تهم الطبع والتوزيع غير أنه من الواضح صعوبة إحداث أي تغيير جذري في ظل البنية الحالية، حيث أن الأغلبية الساحقة من المقاولات، هي صغيرة أو متوسطة، كما أن المحيط الاقتصادي العام، الذي تشتغل في ظله، لم يتطور، لأنه مازال تقليديا.

ورغم الآفاق الواعدة التي فتحتها تكنولوجيات التواصل الحديثة، إلا أنها لم تستثمر بالشكل الكافي من طرف المقاولات الصحافية، حيث استعملتها بشكل مبسط، دون أن تنظر لها كفرصة لتطوير استثمارات كبرى، مندمجة وذات قيمة مضافة عالية، في الصحافة والإعلام والفنون والثقافة وغيرها…

لا يمكن تصور أية قدرة على المنافسة الجهوية والقارية، في مجالات الصحافة والإعلام والتواصل، دون تجاوز البنية الحالية، من خلال العمل على خلق وحدات كبرى، مندمجة، تضم الصحافة الورقية والرقمية، كجزء من منظومة أشمل، في استعمال تكنولوجيات التواصل الحديثة، تستثمر في كل ما تتيحه من إمكانات هائلة، في التواصل المرئي والمسموع، مما يسمح بتنويع المضامين والمواد.

من الممكن اختصار المسافات، التي تفصلنا عن بلدان أخرى، سبقتنا في قطاعات الصحافة والإعلام والتواصل، عبر الإستفادة من الفرص التي توفرها التكنولوجيات الحديثة، بشرط ان تتوفر بلادنا على استراتيجية واضحة، تهدف إلى تقوية بنية هذه القطاعات، على مختلف المستويات، البشرية والصناعية والتجارية… وجعلها في خدمة منظومة وطنية، متنوعة وتعددية، ذات مصداقية، تعتمد على كفاءات متطورة.

بالإضافة إلى الموارد الذاتية، مثل التسويق والإشهار، تحتاج هذه البنية الجديدة إلى منظومة دعم عمومي بشروط محددة ومتعاقد بشأنها، لتحقيق أهداف إستثمارية وتطوير كفاءات وتقديم منتوج جيد.

فالنموذج السابق للدعم العمومي، لم يحقق إلا هدف إعانة المقاولات، لبقائها على قيد الحياة، رغم أنه سطر بعض الأهداف، لكنها لم تكن أبدا ضمن أولويات هذا النموذج، كما أن مراقبة تحقيقها كانت ضعيفة.

إن النموذج الصناعي الحالي، في الصحافة، غير قادر على بلوغ هذه الأهداف، لأنه مجزأ ومحدود الإمكانات ومحصور في إنتاج بطريقة تقليدية، في أغلبه، كما أن واقع التسويق والتوزيع لا يساعده على التطور.

ولتجاوز هذه الوضعية، من الممكن التفكير في نموذج بديل، يقوم على تشجيع الإستمثارات في مجمعات كبرى، قادرة على المنافسة الإقليمية والقارية والدولية، عبر آليات متعددة، بالدعم العمومي، والتسهيلات، كما حصل مع قطاعات أخرى.

ونفس النموذج يمكن أن ينطبق على تجارب أغلب الصحافة الرقمية والجهوية، والتي لا قدرة لها، حاليا، على القيام بالأدوار التي من المفترض أن تقوم بها، لأنها بنيات صغيرة، و من الصعوبة بمكان أن تعتبر “منشآت”، كما يسميها القانون، رغم أنها تتكاثر، سنويا، على الصعيد الكمي.

لذا، من اللازم دمجها ضمن مخطط شامل في الدعم العمومي، بشروط تساهم في إخراجها من دائرة الهشاشة والعشوائية، في إطار التجميع، على شكل تعاونيات أو شركات مساهمة، مع التفكير في احتضان تجارب جهوية، من طرف مقاولات كبرى.

ويظل الهدف هو أن تتوفر بلادنا على أدوات صحافية وإعلامية، متقدمة، ومن مختلف الأصناف، في إطار إستراتيجية وطنية لتقوية المقاولات المغربية، على الصعيدين الوطني والجهوي، كرافعات أساسية للديمقراطية والتعددية وحرية التعبير و لكل نموذج تنموي ناجح، ودرع فعال للدفاع عن التوجهات الكبرى لبلادنا.

لذلك، هناك إقتراحات ومشاريع، من الممكن أن يشارك فيها المجلس الوطني للصحافة، خاصة وأن القانون المحدث له، يخول له الصفة الإستشارية في كل ما يهم القوانين والمراسيم والتدابير التي تهم الصحافة والنشر، كما أن دوره في ترشيد وتطوير الدعم المقدم للصحافة، بحكم تشكيلته، سيكون مفيدا جدا، لكن بالإضافة إلى كل هذا، فإن المجلس من خلال تجربته لحوالي ثلاث سنوات، وقف على عدة اختلالات في قانون الصحافة والنشر والقانون الأساسي للصحافيين المهنيين، وكذا في القانون المحدث له، وهو مستعد للحوار بشأنها وتقديم رأيه، عندما ينطلق هذا الورش، في احترام للآليات المنصوص عليها في قانونه.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير