إذا قررت ألا تسلك الطريق السيار نحو مراكش من أجل الوصول لاحقا إلى قلعة السراغنة، فإنك ستجد نفسك وحيدا كما لو أنك في كوكب لم يصله أحد قبلك. الطريق العادية تكاد تخلو من السيارات والبشر،
والقرى المعزولة بين ثنايا الجبال تبدو نائية وموحشة، وهناك علامات تشوير نادرة نحو قرى ومناطق تقرأ أسماءها ولا تعرف أين هي.
الحقول الشاسعة تبدو سعيدة بكل هذا المطر، لكن الواقع ليس رومانسيا إلى هذا الحد، لأن زخة مطر واحدة تجعل آلاف السكان في مناطق بعيدة لا يستطيعون الدخول أو الخروج من قريتهم، وينقطع التلاميذ عن الدراسة، وتصبح حياتهم مرهونة بتوقف المطر والثلوج.
في الطريق الرابطة بين بن جرير وقلعة السراغنة، يظهر فجأة حاجز للدرك كأنه انبثق فجأة من تحت الأرض. يوقفك الدركي ويكتشف أن أوراقك سليمة، فيقرر أن يتهمك بتجاوز شاحنة في خط متصل. تحاول، عبثا، أن تقنع ذلك الدركي الصارم بأنك لم تر تلك الشاحنة في صحوك ومنامك، لكنه يتهمك بتكذيب المخزْن، ويطلب غرامة 700 درهم، وعليك أن تفكر وتقدر. ولكي يزيد في التنكيل بك يضع أوراق السيارة في قبعته ويخفيها فوق صلعته حتى تتدفأ قليلا بمنأى عن صقيع الثلوج. هكذا تصبح القضية وجودية، فتقرر أن تبحث عن حل غير معتاد. وعندما يكتشف الدركي أنك صحفي تختفي الشاحنة من الوجود ويتحول الخط المتصل إلى خط منفصل ووديع. القانون، إذن، مسألة نسبية في بلاد يجب على كل مواطن فيها أن يتعلق برائحة نفوذ.
قلعة السراغنة تدخلها كما لو أنك عثرت فجأة على شيء لم تكن تتوقع وجوده.. هي مدينة خيرٌ لك أن تراها عوض أن تسمع بها. سكانها طيبون، قبلوا مصيرهم في تلك الحياة الرتيبة والمنعزلة والهادئة، لكن عزلتهم القاسية ستصبح مستقبلا في خبر كان بعد أن صار سعر المتر المربع من أرض تـُجزِّئها «شركة عقارية» يتجاوز الأربعة آلاف درهم.. إن «الشركة» إذا دخلت قرية أفسدتها وجعلت أعزة أهلها أذلة.
لا حاجة إلى أن تتعب كثيرا حتى تكتشف متاعب بسطاء قلعة السراغنة؛ فالنهر الذي كان يأتي بالماء من بعيد جفَّ لأن سدا بـُنيَ على مخرج المدينة، وبذلك سَتهلكُ الآلاف من أشجار الزيتون، ومكانَها ستقام التجزئاتُ السكنية التي تدر ذهبا. تسأل السكان: وهل رآها العامل؟ فيجيبون: وهل العامل أعمى حتى لا يراها؟
في طرف المدينة محطة كهربائية للضغط العالي، وتحتها مباشرة أقيمت قاعة أفراح كبيرة يمكنها أن تتحول، في أية لحظة، إلى قاعة أتراح ويصبح العرس جنازة.. هذه تناقضات لا تحدث سوى في قلعة السراغنة. تسأل: وهل سمع بها العامل؟ فيجيبون: وهل العامل أصم حتى لا يسمع بها؟
في قلب المدينة مصنع كبير لمواد البناء، وعندما تبدأ آلات المصنع في الهدير في الخامسة صباحا، على السكان أن يستيقظوا أيضا. لقد نظموا احتجاجات كثيرة وراسلوا عدة جهات بدون فائدة. تسأل السكان: وهل قرأ العامل مراسلاتكم؟ فيجيبون: وهل العامل أمّي حتى لا يقرأها؟
في قلعة السراغنة أفضل أنواع الزيتون وزيته، لكن الناس ينصحونك بألا تشتريه من أي مكان، ويكررون: لا تشتر من أي مكان، وكأنهم يدفعونك إلى التسوق من «سوق ممتاز».
في هذه المدينة «سوق ممتاز» كبير وأبراج عملاقة لشركات الهاتف وفروع أبناك كثيرة. الأبناك تشم رائحة المال أينما كان. وهناك، مثلا، مناطق في شمال المغرب لا توجد بها طرق ولا مدارس، لكن توجد بها أبناك كثيرة لأنها شمت رائحة المال. الأبناك مثل قطط جائعة لا تفرق بين رائحة الزيتون ورائحة الحشيش.
لا مكان للتهريب والممنوعات في قلعة السراغنة، لكنّ للمدينة أغنياءها الذين يقررون مصيرها. الناس يعرفونهم واحدا واحدا ويقولون إن أصحاب الزيتون هم الذين يتحكمون في المدينة.
الناس يقولون أيضا إن عامل الإقليم زين المدينة بكثير من الحدائق لأنه يملك شركة مختصة في هذا المجال، لكنهم لا يملكون دليلا. عموما، فإنهم يسخرون من العامل ويقولون إن ذلك طبيعي، وهم يحتاجون مستقبلا إلى عامل يملك شركة للوادي الحار وآخر يملك شركة لجمع الأزبال.. وهلم جرا.
الخروج من قلعة السراغنة ليس كدخولها. في الطريق حاجز للدرك. يقف دركي شاب ووسيم كما لو أنه قفز من مسلسل تركي. يتحدث بطريقة غاية في التأدب ويتمنى لك سفرا سعيدا وهو يقدم تحية وديعة. تنسى الدركي الذي أخفى الأوراق في القبعة وتقول في نفسك: هذه بلاد عجيبة.. فيها من يكـْوي.. وفيها من «يبُخّ».
والقرى المعزولة بين ثنايا الجبال تبدو نائية وموحشة، وهناك علامات تشوير نادرة نحو قرى ومناطق تقرأ أسماءها ولا تعرف أين هي.
الحقول الشاسعة تبدو سعيدة بكل هذا المطر، لكن الواقع ليس رومانسيا إلى هذا الحد، لأن زخة مطر واحدة تجعل آلاف السكان في مناطق بعيدة لا يستطيعون الدخول أو الخروج من قريتهم، وينقطع التلاميذ عن الدراسة، وتصبح حياتهم مرهونة بتوقف المطر والثلوج.
في الطريق الرابطة بين بن جرير وقلعة السراغنة، يظهر فجأة حاجز للدرك كأنه انبثق فجأة من تحت الأرض. يوقفك الدركي ويكتشف أن أوراقك سليمة، فيقرر أن يتهمك بتجاوز شاحنة في خط متصل. تحاول، عبثا، أن تقنع ذلك الدركي الصارم بأنك لم تر تلك الشاحنة في صحوك ومنامك، لكنه يتهمك بتكذيب المخزْن، ويطلب غرامة 700 درهم، وعليك أن تفكر وتقدر. ولكي يزيد في التنكيل بك يضع أوراق السيارة في قبعته ويخفيها فوق صلعته حتى تتدفأ قليلا بمنأى عن صقيع الثلوج. هكذا تصبح القضية وجودية، فتقرر أن تبحث عن حل غير معتاد. وعندما يكتشف الدركي أنك صحفي تختفي الشاحنة من الوجود ويتحول الخط المتصل إلى خط منفصل ووديع. القانون، إذن، مسألة نسبية في بلاد يجب على كل مواطن فيها أن يتعلق برائحة نفوذ.
قلعة السراغنة تدخلها كما لو أنك عثرت فجأة على شيء لم تكن تتوقع وجوده.. هي مدينة خيرٌ لك أن تراها عوض أن تسمع بها. سكانها طيبون، قبلوا مصيرهم في تلك الحياة الرتيبة والمنعزلة والهادئة، لكن عزلتهم القاسية ستصبح مستقبلا في خبر كان بعد أن صار سعر المتر المربع من أرض تـُجزِّئها «شركة عقارية» يتجاوز الأربعة آلاف درهم.. إن «الشركة» إذا دخلت قرية أفسدتها وجعلت أعزة أهلها أذلة.
لا حاجة إلى أن تتعب كثيرا حتى تكتشف متاعب بسطاء قلعة السراغنة؛ فالنهر الذي كان يأتي بالماء من بعيد جفَّ لأن سدا بـُنيَ على مخرج المدينة، وبذلك سَتهلكُ الآلاف من أشجار الزيتون، ومكانَها ستقام التجزئاتُ السكنية التي تدر ذهبا. تسأل السكان: وهل رآها العامل؟ فيجيبون: وهل العامل أعمى حتى لا يراها؟
في طرف المدينة محطة كهربائية للضغط العالي، وتحتها مباشرة أقيمت قاعة أفراح كبيرة يمكنها أن تتحول، في أية لحظة، إلى قاعة أتراح ويصبح العرس جنازة.. هذه تناقضات لا تحدث سوى في قلعة السراغنة. تسأل: وهل سمع بها العامل؟ فيجيبون: وهل العامل أصم حتى لا يسمع بها؟
في قلب المدينة مصنع كبير لمواد البناء، وعندما تبدأ آلات المصنع في الهدير في الخامسة صباحا، على السكان أن يستيقظوا أيضا. لقد نظموا احتجاجات كثيرة وراسلوا عدة جهات بدون فائدة. تسأل السكان: وهل قرأ العامل مراسلاتكم؟ فيجيبون: وهل العامل أمّي حتى لا يقرأها؟
في قلعة السراغنة أفضل أنواع الزيتون وزيته، لكن الناس ينصحونك بألا تشتريه من أي مكان، ويكررون: لا تشتر من أي مكان، وكأنهم يدفعونك إلى التسوق من «سوق ممتاز».
في هذه المدينة «سوق ممتاز» كبير وأبراج عملاقة لشركات الهاتف وفروع أبناك كثيرة. الأبناك تشم رائحة المال أينما كان. وهناك، مثلا، مناطق في شمال المغرب لا توجد بها طرق ولا مدارس، لكن توجد بها أبناك كثيرة لأنها شمت رائحة المال. الأبناك مثل قطط جائعة لا تفرق بين رائحة الزيتون ورائحة الحشيش.
لا مكان للتهريب والممنوعات في قلعة السراغنة، لكنّ للمدينة أغنياءها الذين يقررون مصيرها. الناس يعرفونهم واحدا واحدا ويقولون إن أصحاب الزيتون هم الذين يتحكمون في المدينة.
الناس يقولون أيضا إن عامل الإقليم زين المدينة بكثير من الحدائق لأنه يملك شركة مختصة في هذا المجال، لكنهم لا يملكون دليلا. عموما، فإنهم يسخرون من العامل ويقولون إن ذلك طبيعي، وهم يحتاجون مستقبلا إلى عامل يملك شركة للوادي الحار وآخر يملك شركة لجمع الأزبال.. وهلم جرا.
الخروج من قلعة السراغنة ليس كدخولها. في الطريق حاجز للدرك. يقف دركي شاب ووسيم كما لو أنه قفز من مسلسل تركي. يتحدث بطريقة غاية في التأدب ويتمنى لك سفرا سعيدا وهو يقدم تحية وديعة. تنسى الدركي الذي أخفى الأوراق في القبعة وتقول في نفسك: هذه بلاد عجيبة.. فيها من يكـْوي.. وفيها من «يبُخّ».
Partager