منذ أسابيع والأحزاب السياسية تشكو من الاستعمال المفرط للمال في استمالة الناخبين، وتؤكد على ضرورة تحلي المواطنين بروح المسؤولية وعدم بيع أصواتهم، معتبرة أن وعي المواطن هو الحل الوحيد لمجابهة الأموال الكثيفة التي تستعمل في الانتخابات الحالية.
وعلى الجهة الأخرى يزعم بعض المرشحين في تصريحات لوسائل إعلام مغربية أن عددا من المواطنين لا يسألون عن البرنامج أو المشاريع، وإنما يسألون عن المال، فهل طبع المغاربة مع المال كمقابل للتصويت في الانتخابات؟
سلوك ترسخ في الثقافة الانتخابية
وفي هذا الصدد، قال رشيد جرموني أستاذ علم الاجتماع السياسي إن بيع الأصوات ليس عملية جديدة في الحياة السياسية والانتخابية بالمغرب، بل بات مترسخا في الثقافة والسلوك الانتخابي المغربي، وإن ليس بشكل معمم.
وأشار جرموني إلى أن هذا السلوك يحضر خاصة في المناطق المهمشة ولدى بعض الفئات غير المهتمة بالسياسة، وذات مستويات دراسية متدنية، إضافة إلى بعض الشباب العاطل.
وأوضح المتحدث أن عددا من المواطنين الذين يجنحون لهذا السلوك، يعتبرون الانتخابات لحظة لا تفرز من يعبر عنهم، ولا تعالج مشاكلهم، بل هي موسم للاستفادة، وبالتالي يتعزز سلوك الرشوة الانتخابية، وهو ما تزكيه أحزاب لا تتوفر على عمق شعبي، فيفضل بعض المواطنين الفوز بمبلغ مالي معين عوض ألا يستفيد أي شيء.
وفسر جرموني وجود هذا السلوك لدى الناخبين المغاربة بغياب ثقافة ووعي سياسي، وعدم لعب الأحزاب دورها في المجتمع، بل على العكس تقوم بسلوكات تعيد إنتاج الأزمة.
كما أن سلوك المال مقابل الصوت، يضيف الباحث في علم الاجتماع، يسائل في العمق العملية الانتخابية والديمقراطية في المغرب، فالمجتمعات التي قطعت أشواطا في الديمقراطية قطعت مع هذا السلوك، وأصبح التصويت بناء على البرامج التي يحق للمواطن انتقادها.
وأبرز جرموني صعوبة القطع مع هذا السلوك، خاصة وأن بعض الأحزاب أو المرشحين لا يزالون يعتمدون على المال، ويدفعون الناس للرشوة، ويحولون الانتخابات إلى سوق، ما يجعل هذه الأحزاب هي المسؤولة في آخر المطاف عن هذا السلوك.
وانتقد الباحث الاهتمام بالانتخابات في المغرب لتلميع وجه الديمقراطية، دون الاهتمام بالسلوكات المنحرفة التي تصاحب هذه العملية، ما يقتضي إعادة النقاش حول الديمقراطية في المغرب والإجابة عما إذا كانت الانتخابات غاية أم وسيلة، فإفراز أشخاص عن طريق الرشوة ودون كفاءة يعني تشكيل حكومة موازية أو تقنقراطية، أو مؤسسات موازية هي التي تنفذ ما ينبغي أن ينفذه المرشحون والأحزاب من مشاريع تنموية.
فئات ضعيفة يغريها المال
ومن جهته، قال حسن قرنفل أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن تصويت المغاربة مقابل المال ليس مبدأ، ولا يمكن تعميمه، فالناخبون تختلف منطلقاتهم ومبادئهم، وسلوك المال مقابل الصوت يظل محدودا، وتعميمه فيه نوع من الإهانة للمواطنين.
وأشار قرنفل في تصريح لموقع “لكم” إلى أن حقيقة عدم عمومية هذا السلوك، لا تنفي وجود فئات ضعيفة أمام إغراءات المال تبيع أصواتها بمقابل مادي، كما هو الشأن لدى بعض الشباب المهمش بدون آفاق وبوضعية اجتماعية غير قارة.
وأبرز أستاذ علم الاجتماع السياسي أن هناك تطبيعا مع الغش في قطاعات كثيرة بالمغرب، لذا لا ينبغي التفاجؤ بتسرب هذا السلوك للعملية الانتخابية.
وسجل المتحدث أن عملية بيع الأصوات تتم في الخفاء كما هو الشأن بالنسبة لكل المخالفات القانونية، وعدم علانية هذا السلوك تجعل من الصعب تحديد حجمه، خاصة في ظل غياب دراسة علمية تثبت وجود تعاطي مكثف للمال في الانتخابات، واقتصار الأمر على أنباء يتم تداولها دون دليل.
ورغم أن جهودا بذلت للتقليص من هذه العملية، يضيف قرنفل، كالحرص على عدم تسريب الأوراق الانتخابية، إلا أن بعض العقول المتمرسة على عملية الغش تتوصل لحلول جديدة لاستخدام المال في الانتخابات، مؤكدا استحالة مراقبة المصوتين، فهذه العملية تظل مرتبطة بقناعات شخصية وبالثقافة السياسية العامة في البلاد.