اثار صدور الحكم الجمعة ، على الصحفي سليمان الريسوني بالسجن النافذ خمس سنوات بعد إدانته بـ”اعتداء جنسي”، وفي ردود فعل قوية على منصات التواصل الإجتماعي.
واستغرب الكثير من المعلقين قساوة الحكم، خاصة بعد أن رفضت المحكمة إحضار الريسوني إلى المحكمة، مما يجعل الحكم في منزلة “الغيابي”، خاصة أن الريسوني ظل يؤكد على لسان دفاعه “تشبثه بالحضور شريطة نقله في سيارة إسعاف وتمكينه من كرسي متحرك”.
ووما زاد من تعاطف المعلقين مع سليمان الريسوني أن الحكم عليه بالسجن، جاء في وقت يخوض فيه إضرابا طويلا عن الطعام دخل يومه الـ 94 وسط مخاوف المتضامنين معه من وفاته في أية لحظة داخل محبسه.
وفي هذا السياق تساءل محمد الزهاري، الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوزق الإنسان، “لماذا كل هذا الحقد والتوظيف البين للقضاء في تصفية الحسابات مع الاصوات المعارضة والممانعة والمنتقدة؟ لماذا ضاقت الصدور ولم تعد تتسع لمن يخالف ما يرسم ويعد ويخطط له؟”.
“عنوان للإنتقام”
وأضاف الزهاري في صفحته على فيسبوك “خمس سنوات سجنا نافذة في حق سليمان الريسوني رئيس تحرير يومية “اخبار اليوم ” حكم بهذه القسوة عنوان للانتقام مع سبق الاصرار والترصد”.
من جانبه كتب عبد الرزاق بوغنبور، منسق لجنة التضامن مع الصحفي الريسوني، “كيف يمكن أن تتواجد في وطن لا تستطيع فيه إبداء رأيك في السياسات العمومية المتبعة فيه ومن يدبرها؟”.
وتساءل بوغنبور في تدوينة نشرها على صفحته على فيسبوك “أي معنى لدولة أصبح فيها المواطن يتخوف في أي لحظة أن يُطرق فيها باب بيته من أجل اعتقاله أو دعوته للفرقة الوطنية للشرطة القضائية من أجل الاستماع إليه في تهمة يجهلها ؟”.
وختم بوغنبور تساؤلاته بالقول “هل ضعفت الدولة إلى درجة أصبحت مذعورة من كتابات صحفية لتوفيق بوعشرين وسليمان الريسوني وعمر الراضي وأخرون، لم تعد تستصيغ ” خربشاتهم ” في وسط غير قارئ ، هل ازعج نورالدين العواج بتعبيراته الجسدية وحضوره في كل الوقفات الاحتجاجية التضامنية الدولة، لدرجة اعتقاله ومتابعته؟”.
إلى ذلك تنظم يوم السبت وقفة احتجاجية وطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين بالعديد من المدن المغربية، تحت شعار “الظلم والحكرة ليستا قدرا”.
والوقفة دعت لها هيئة مناصرة المعتقلين السياسيين في المغرب، ومن المفروض أن تنظم في عذة مدن مغربية، وستكون وقفة الرباط أمام البرلمان على الساعة السادسة والنصف بعد الظهر.
مطالب بإطلاق سراح الريسوني
ومنذ أن اعتقل الريسوني (49 عاما) في ماي 2020، في قضية يعتبرها “مفبركة”، طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية وأحزاب سياسية مغربية ومثقفون في عرائض وبيانات سابقة بالإفراج عنه، بينما تشدد السلطات في مواجهة هذه المطالب على استقلالية القضاء وسلامة إجراءات المحاكمة.
وغاب الريسوني عن الجلسات الأخيرة من محاكمته منذ منتصف ونيو، مؤكدا في الوقت نفسه على لسان دفاعه “تشبثه بالحضور شريطة نقله في سيارة إسعاف وتمكينه من كرسي متحرك”، وسط مخاوف المتضامنين معه من تدهور صحته.
لكن المحكمة قررت المواصلة في غيابه، ليحتج دفاعه بالانسحاب من الجلسات الأخيرة.
ومساء الجمعة أعلن القاضي أمرا بإحضار الصحافي الذي اشتهر بافتتاحياته ذات النبرة النقدية، لكنه رفض، ليتم النطق بالحكم في غيابه. وينص الحكم أيضا على أداء تعويض 100 ألف درهم لفائدة المشتكي.
إضراب عن الطعام
يثير استمرار الريسوني في إضرابه عن الطعام قلقا بالغا لدى عائلته والمتضامنين معه، حيث ناشد دفاعه المحكمة في جلسة سابقة الثلاثاء نقله إلى المستشفى “لإنقاذ حياته”، مؤكدين أنه “محب للحياة، لم يختر الإضراب عن الطعام، لكنه فرض عليه بسبب إحساسه بظلم فظيع”.
في المقابل قللت إدارة السجون المغربية في مناسبات عدة من خطورة الوضع، وأكدت لوكالة الأنباء المغربية الثلاثاء أن “الإضراب المزعوم عن الطعام (…) مناورة تكتيكية يروم من ورائها دفع القضاء إلى إطلاق سراحه”، و”استدرار تعاطف الرأي العام”.
وكان الريسوني ظهر آخر مرة في المحكمة مطلع يونيو حيث دخل القاعة متمايلا لا يقوى على المشي، وبدا نحيلا، ما أثار ذهول الحاضرين وبكاء أفراد عائلته.
وجاء اعتقاله بعدما نشر المشتكي، وهو ناشط في الدفاع عن حقوق أفراد “مجتمع الميم” (المثليون والمثليات ومزدوجو الميول الجنسية ومتحولو النوع الاجتماعي)، تدوينة على فيسبوك يتهمه فيها بالاعتداء عليه جنسيا.
وقررت النيابة العامة ملاحقته بتهمة “هتك عرض شخص باستعمال العنف والاحتجاز”، بعدما تم الاستماع للمشتكي.
وظل رهن الاعتقال على ذمة التحقيق لتبدأ محاكمته في فبراير.
“انفراج حقوقي”
على أثر اعتقاله، طالب متضامنون معه، بينهم نشطاء حقوقيون ومثقفون وسياسيون من مشارب مختلفة، بالإفراج عنه منددين في عريضة “بأسلوب استهداف الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان المنتقدين للسلطة الذي أصبح نمطا قائم الذات، لارتكازه على تهم الاعتداء الجنسي بشكل متكرر”.
وتزامنت محاكمة الريسوني مع محاكمة أخرى يمثل فيها زميله الصحافي والناشط الحقوقي عمر الراضي (34 عاما) بتهمتي “تخابر” و”اعتداء جنسي”، بعد شكاية قدمتها ضده زميلة له في العمل.
وتواصلت هذه الأخيرة الجمعة في جلسة مغلقة على أن تستأنف الثلاثاء.
وخلال الأشهر الفائتة انضمت أحزاب سياسية، بينها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، إلى المطالبين بالإفراج عن “الصحافيين المعتقلين”، داعية إلى تحقيق “انفراج في أوضاع حقوق الإنسان” بالمملكة.
أثناء اعتقال الريسوني، توقفت صحيفة أخبار اليوم التي كان يرأس تحريرها، عن الصدور لأسباب مالية في مارس.
كما سبق أن دينت الصحافية في الجريدة نفسها هاجر الريسوني، وهي قريبة سليمان، العام 2018 بالسجن عاما بتهمة الإجهاض وإقامة علاقة غير شرعية، في قضية أثارت ضجة كبيرة قبل أن يتم الإفراج عنها بموجب عفو ملكي.
أما مؤسس ومدير هذه الصحيفة توفيق بوعشرين فدين هو الآخر بتهم “اعتداءات جنسية” و”اتجار بالبشر” بحق ثماني ضحايا، في قضية قسمت الرأي العام. وظل بوعشرين ينفي هذه التهم، في حين أكدت السلطات سلامة إجراءات المحاكمة.
ويقضي منذ اعتقاله في 2018 عقوبة بالسجن شددت في الاستئناف من 12 إلى 15 عاما.