المغرب يمشي بسرعتين، هذه ليست جملة عابرة بل توصيف حاد لواقع يزداد وضوحًا يوماً بعد يوم. فمن جهة هناك مغرب الواجهة، مغرب يقدَّم كنموذج في إفريقيا: قطار فائق السرعة يربط البيضاء بطنجة، ميناء طنجة المتوسطي الذي ينافس أكبر الموانئ العالمية، استثمارات أجنبية في الطاقات المتجددة وصناعات السيارات والطائرات، ومدن تتحول إلى أقطاب اقتصادية حديثة. ومن الجهة الأخرى، هناك مغرب الظل، مغرب لا يُرى إلا في مواسم الانتخابات أو نشرات الكوارث الطبيعية: قرى معزولة بلا طرق، شباب يقطعون عشرات الكيلومترات للبحث عن فرصة عمل أو لقمة عيش، فتيات ينقطعن عن الدراسة لأن المدرسة بعيدة والنقل منعدم، ومستشفيات لا تملك حتى أجهزة إسعاف.
هذا الانقسام ليس مجرد تباين طبيعي بين المركز والهامش، بل هو نتاج سياسات تنموية غير متوازنة ركزت على ما هو استعراضي وجاذب للاستثمار، وأهملت البعد الاجتماعي والعدالة المجالية. فبينما استثمرت الدولة مليارات في مشاريع عملاقة، بقيت القرى تنتظر مستوصفًا صغيرًا أو مدرسة ابتدائية. وكأن التنمية في المغرب تعيش مفارقة: سباق عالمي نحو الحداثة في المدن الكبرى، وتقهقر محلي في الهامش.
خطر السير بسرعتين يتجاوز الأرقام والإحصائياات، لأنه يولد شعورًا بالظلم العميق لدى شريحة واسعة من المواطنين. فحين يرى المواطن البسيط أن بلده ينظم تظاهرات كبرى ويستقبل استثمارات أجنبية بملايين الدولارات، بينما هو يعجز عن علاج ابنه أو تعليم ابنته، فإن الفجوة تتحول من مجرد تفاوت اقتصادي إلى أزمة ثقة سياسية واجتماعية. هذه الهوة قد تعمّق الإحباط وتفتح الباب أمام نزعات احتجاجية أو هجرات جماعية نحو المدن أو خارج الوطن.
المطلوب اليوم ليس إيقاف عجلة التحديث، بل جعلها شاملة. المطلوب مغرب لا يعرف "السرعتين" بل يعرف مسارًا واحدًا عادلًا، حيث تصل ثمار التنمية إلى القرى كما تصل إلى المدن، حيث يشعر كل مواطن أن له مكانًا في مشروع وطني موحد. العدالة المجالية ليست رفاهية بل ضرورة استراتيجية لبقاء التماسك الاجتماعي، لأن لا فائدة من قطار فائق السرعة إذا كان نصف الشعب يقطع طريقًا ترابية ليصل إلى أقرب مستشفى.
المغرب أمام لحظة حاسمة: إما أن يعالج هذا الانقسام بجعل التنمية متوازنة وحقيقية، وإما أن يظل يعيش بانفصام يضاعف الفوارق ويهدد كل ما تحقق من إنجازات.
هذا الانقسام ليس مجرد تباين طبيعي بين المركز والهامش، بل هو نتاج سياسات تنموية غير متوازنة ركزت على ما هو استعراضي وجاذب للاستثمار، وأهملت البعد الاجتماعي والعدالة المجالية. فبينما استثمرت الدولة مليارات في مشاريع عملاقة، بقيت القرى تنتظر مستوصفًا صغيرًا أو مدرسة ابتدائية. وكأن التنمية في المغرب تعيش مفارقة: سباق عالمي نحو الحداثة في المدن الكبرى، وتقهقر محلي في الهامش.
خطر السير بسرعتين يتجاوز الأرقام والإحصائياات، لأنه يولد شعورًا بالظلم العميق لدى شريحة واسعة من المواطنين. فحين يرى المواطن البسيط أن بلده ينظم تظاهرات كبرى ويستقبل استثمارات أجنبية بملايين الدولارات، بينما هو يعجز عن علاج ابنه أو تعليم ابنته، فإن الفجوة تتحول من مجرد تفاوت اقتصادي إلى أزمة ثقة سياسية واجتماعية. هذه الهوة قد تعمّق الإحباط وتفتح الباب أمام نزعات احتجاجية أو هجرات جماعية نحو المدن أو خارج الوطن.
المطلوب اليوم ليس إيقاف عجلة التحديث، بل جعلها شاملة. المطلوب مغرب لا يعرف "السرعتين" بل يعرف مسارًا واحدًا عادلًا، حيث تصل ثمار التنمية إلى القرى كما تصل إلى المدن، حيث يشعر كل مواطن أن له مكانًا في مشروع وطني موحد. العدالة المجالية ليست رفاهية بل ضرورة استراتيجية لبقاء التماسك الاجتماعي، لأن لا فائدة من قطار فائق السرعة إذا كان نصف الشعب يقطع طريقًا ترابية ليصل إلى أقرب مستشفى.
المغرب أمام لحظة حاسمة: إما أن يعالج هذا الانقسام بجعل التنمية متوازنة وحقيقية، وإما أن يظل يعيش بانفصام يضاعف الفوارق ويهدد كل ما تحقق من إنجازات.