HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

الحكومة المغربية و الإنقلاب على الدستور


البدالي صافي الدين
السبت 6 سبتمبر 2025





تعيش البلاد هذه الأيام وضعا مختلفا من التناقضات و الفوضى في تدبير الشأن العام المحلي و الوطني. و تتجلى هذه الفوضى في تنامي ارتفاع الأسعار في المواد الغدائية و في الخدمات، سواء منها في المطاعم أو الفنادق بكل أصنافها، مما جعل المغرب يصبح موضوع انتقادات من طرف السياح الأجانب و من طرف المواطنين والمواطنات، مما يدل على أن هذا القطاع لم يعد له من يراقبه . بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية و تنامي المضاربات العقارية و استمرار مظاهر الفساد لتصبح القاعدة في الحياة العامة، هذا بالإضافة إلى اللامبالاة الحكومية فيما تعيشه مناطق قروية من خطر العطش في أقاليم أزيلال و آسفي و قلعة السراغنة و غيرها . و مما جعل الوضع العام يزداد تعقيدا هو التناقض الذي يعيشه المجتمع المغربي في هذه الأيام حيث تمت ترجمة مسيرات العطش إلى مهرجانات التبوريدة التي استقطبت حتى الجماهير المتضررة من زوال مياه الشرب والسقي في عدة مناطق ( إقليم أزيلال ، إقليم آسفي ، إقليم قلعة السراغنة) و في مناطق بالحوز. إن هذه المهرجانات المفتعلة تهدف الى محاولة إخفاء معالم جريمة تبديد المال العام والثروات المائية في مخططات لا تنموية، بل مدمرة للثروة المائية والبيئية ( المخطط الاخضر ) و متسببة في زوال أشجار الزيتون في عدة أقاليم منها إقليم قلعة السراغنة عاصمة إنتاج الزيتون والزيوت الممتازة و تشكل مناخا للاستثمار والتشغيل.بالاضافة إلى هذا المشهد هناك تنامي مظاهر الفساد و الجريمة وانتشار المخدرات بكل أنواعها و أصنافها حتى القاتلة منها، حيث تحول المغرب إلى سوق عالمية لترويج هذه السموم و يشهد على ذلك عدد الأطنان التي تم حجزها من طرف الأمن الوطني والدرك الملكي . إن هذه المشاهد لم تأتي صدفة بل هي ضمن توجه تسعى من خلاله الحكومة المغربية التطبيع مع كل مظاهر الفساد و مظاهر الغش و التزوير و و الإثراء غير المشروع . إن تنامي مظاهر الجريمة في المدن و القرى و في البوادي، رغم ما تقوم به أجهزة الأمن و رجال الدرك من مجهودات، مرده إلى تفشي ظاهرة البطالة وسط الشباب و غياب ارادة حكومية من أجل استراتيجية أمنية هادفة ومندمجة من أجل الحماية الأمنية ،لكن صرع الانتخابات،بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش و إسناد عملية التحضير للانتخابات لوزارة الداخلية ثم التوجيهات الملكية بالنسبة للبرامج التنموية التي عهد بها للولاة و العمال بدل الجماعات المحلية والمجالس الجهوية و الإقليمية ، جعل كل المسؤولين الحكوميين و المنتخبين يصيبهم الصرع الانتخابي ، حيث تخلوا عن واجبهم الوطني.فالحكومة تطلع بقوانين غير دستورية، المسطرة الجنائية نموذجا، و مشروع قانون الصحافة إلى غير ذلك من القوانين التي تهدف إلى التراجع عن المكتسبات .و في المدن والقرى انصرف المستشارون الجماعيون إلى الحملة الانتخابية قبل الأوان
تاركين مسؤولية تأمين حياة المواطنين و المواطنات إلى القدر المحتوم ، بدل أن يسهروا على تنظيم الجولان و تحرير الملك العمومي ومحاربة البناء العشوائي و الحد من ظاهرة التسول و من ارتفاع عدد المشردين والمختلين عقليا بالشوارع، توجهوا إلى الإعلام المأجور ليطلوا من خلال نافذته على المواطنين و المواطنات و تنطلق ألسنتهم بعدما ظلت مصابة "بعقال اللسان" منذ 2021 و يجدون ضالتهم في هذه المواقع التي تنوب عنهم لتقوم لهم بحملة انتخابية سابقة لأوانها دون احترام القانون .
فما هي أسباب هذه الأوضاع التي تزداد مأساوية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات ؟
إن ما أدى إلى هذه الأوضاع ليس هو الرأسمال المادي أو الرأسمال البشري أو شح الموارد الطبيعية و إنما هو الانقلاب على الدستور . لأن
الدستور في كل بلد يعتبر القانون الأسمى لهذا البلد و هو الذي يحدد طبيعة نظام حكمه وينظم العلاقات بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، كما ينظم العلاقات بين الأفراد و الجماعات و بين الإدارة و المواطنين و المواطنات ،فهو الناظم القانوني والشرعي الذي يضمن الحقوق والحريات والواجبات الأساسية للمواطنين و المواطنات. و كل دستور حينما يعرض على الاستفتاء يصبح بعد المصادقة عليه القانون الأسمى و أعلى سلطة في البلاد الذي يفصل في قضايا المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الأمنية و الاستراتيجية ، وكل مساس به يعتبر انقلابا على شرعيته مما سيعرّض البلاد إلى مخاطر متعددة و منها:
-فقدان الحقوق والحريات الأساسية والعدالة،
- عدم المساواة،
- عدم الاستقرار الاجتماعي، -تقويض سيادة القانون والمبادئ الدستورية مثل فصل السلطات والمساواة بين المواطنين والمواطنات أمام القانون .
إن كل خروج عن نطاق الدستور يعتبر تمردا على المجتمع و يضرب في العمق الاستقرار الاجتماعى و يشجع مظاهر الفساد و الرشوة و الإثراء غير المشروع و اقتصاد الريع و المحسوبية و الزبونية و تضارب المصالح و الإفلات من العقاب.
إن ما تعيشه بلادنا في ظل حكومة أخنوش هو انقلاب على دستور 2011، إذ عم الفساد في جميع مناحي الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية، و تؤكد ذلك هو المؤشرات التنموية من جهة و الأداء الحكومي من جهة ثانية ، حيث لا زال المغرب يحافظ على المرتبة 120 عالميا، من أصل 193 دولة، في مؤشر التنمية البشرية السنوي ضمن تقرير عام 2025 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. و هو ما يعني بأن الحكومة لم تستطع الالتحاق بدول أقل موارد بشرية و معدنية من المغرب ؛ مثل تونس و الجزائر و ليبيا و الجابون ولبنان . و هذا راجع إلى عدة عوامل منها :
-عدم تحسين مؤشر الرأسمال البشري، الذي يعتبر الركيزة الأساسية في التنمية . و تعتبر جودة رأس المال البشري على التنمية أمراً ضرورياً،" وفقًا بنك التنمية الدولي" . وأن استمرار ضرب المدرسة العمومية و الارتجالية في البرامج التعليمية و اغراقها في التجارب المستوردة زاد من عزلة المدرسة العمومية و إقصائها من البرامج التنموية عبر تعليم وطني جيد وهادف. و إن الفجوة التي لا زال يعرفها التعليم زادت من فشل البرامج التنموية و من
التفاوتات الاجتماعية بين مختلف الجهات .
إن حكومة أخنوش وضعت دستور 2011 في الثلاجة لأن ما جاء به من مبادئ ومرتكزات في مجال الحقوق و الحريات و المحاسبة و المساءلة و تخليق الحياة العامة وإشراك المجتمع المدني في الحياة العامة السياسية والاجتماعية والثقافية لا يناسبها ، لأنها حكومة ريعية و حكومة تضارب المصالح و راعية للفساد .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير