HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

ساحل أسفي..الإنذار الأخير


فؤاد غفران
الاربعاء 15 ماي 2019




ساحل أسفي..الإنذار الأخير

اضحت مظاهر تلوث البيئة الساحلية، في مدينة أسفي تبدو واضحة للعيان، فمن خلال جولة بمحاذاة شواطئها الصخرية والرملية، يمكن ملاحظة تغير لون مياه البحر التي فقدت زرقتها الطبيعية، واختفاء الغلاف النباتي، ووجود متعضيات ميتة، ومواد صلبة طافية، ومرد ذلك طبعا هو كون الواجهة البحرية للمدينة تمثل مطرحا مفضلا للنفايات الحضرية والصناعية، التي أصبحت تداعياتها السلبية على الأوضاع السوسيو-اقتصادية، الصحية والبيئية، تسترعي وتفرض التدخل المستعجل أكثر من أي وقت سابق، لمختلف الأطراف المعنية، في ظل استفحال تجليات تخريب المنظومة الساحلية المحلية، التي تنذر بالأسوء في قادم الأيام، خاصة مع غياب برامج ومشاريع تتغيا الحد من صيرورة هذا التدهور.

وحتى تكون ملامسة ظاهرة التلوث الساحلي في أسفي موسومة بالواقعية، والعلمية سيتم تناول هذا الموضوع بناءا على نتائج أبحاث ودراسات ميدانية ومخبرية اعتمدت على تحليل عينات من ماء البحر أخذت من نقط محددة، وفي أوقات مختلفة، للوقوف على مستوى الأضرار وحجم الاختلالات التي لحقت التوازنات الطبيعية لمجال المعاينة، بحيث سيركز هذا العمل على التدمير الذي طاله من جراء طرح النفايات الصناعية المختلفة، خاصة في الجزء الجنوبي من المدينة، حيث تتركز الوحدات والأنشطة الإنتاجية المتعلقة خصوصا، بالصناعات الكيماوية المرتبطة بالفوسفاط، والصناعات التحويلية للأسماك، التي تصرف مخلفاتها السائلة مباشرة في البحر، وتتسبب في تدني جودة مياهه، وتخريب وسط عيش كائناته الحية النباتية والحيوانية، بفعل عوامل يمكن إجمالها في:
-ارتفاع درجة حرارة المياه: التي يمكن أن تصل إلى 70 درجة، وذلك على مستوى أماكن طرح النفايات السائلة، التي تتكون من المياه المستعملة في تبريد محركات الآلات، وفي مراحل التصنيع التي تتطلب درجة حرارة مرتفعة، ويؤدي إلى تناقص نسبة الأوكسجين في الماء، ومنه اختلال آلية عمل الأنزيمات التنفسية عند الكائنات الحية البحرية، وابتعاد وهجرة الحيوانات التي تفضل درجة حرارة منخفضة.
-اختلال معدل الحموضة: الذي يعبر عنه علميا بال PH (اختزالا لعبارة القوة أو الأس الهيدروجيني) والذي يستعمل للدلالة على تركيز ايونات الهيدروجين، بحيث تشير التحاليل إلى انخفاض معدل الحموضة بشكل مثير، قرب مكان طرح نفايات الصناعة الكيماوية، التي تتكون من الحامض الفوسفوري والحامض الكبريتي، حيث يصل الى 3.5 وهو مؤشر على نسبة حموضة، عالية إذا ما قورنت بالمعدل العادي 8.15. ويؤدي الإخلال بالتوازن الحمضي القاعدي لمياه البحر إلى اضطرابات في الوظائف البيولوجية للكائنات الحية، فالوسط الأكثر قاعدية، أو الأكثر حموضة، يعيق وظيفة التوالد خاصة لدى الكائنات ذات الإخصاب الخارجي إذ يبيد الأمشاج الذكرية والأنثوية قبل التقائها.
- تركز المعادن الثقيلة: المرتبطة أساسا بالصناعات الكيماوية، حيث تستعمل كحوافز للحصول على تفاعلات كيماوية معينة، وعند طرحها في البحر تتسبب في تسميم الكائنات الحية المشكلة لسلسلة غذائية يتربع الإنسان على قمتها، والذي له تداعيات صحية خطيرة التي لا تظهر في الحال و بشكل لحظي، إنما بعد أن تتجاوز نسب المواد السامة في الجسم عتبة الضرر.
- تزايد كمية المواد العالقة: التي أبانت التحاليل عن وجود نسبة كبيرة منها في نقط الطرح يصل تركيزها إلى 31200 ملغ/اللتر، والتي تحد من تسرب أشعة الشمس إلى الأعماق البحرية، ويمنع النباتات من القيام بعملية التركيب الضوئي لتتمكن من إنتاج الأوكسجين والمواد العضوية.
وفي عملية قياس درجة تلوث مياه البحر لتبيان خطورة الوضعية الراهنة بساحل أسفي تم المقارنة بين القيم المقبولة، ومثيلاتها المسجلة في نقط طرح النفايات، التي أبانت عن بون وفرق كبير، يوضحه الجدول الآتي:
ساحل أسفي..الإنذار الأخير

ساحل أسفي..الإنذار الأخير

كل هذه العوامل تتضافر لتساهم مجتمعة في تدهور الوسط الساحلي، دون إغفال دور المياه العادمة التي مصدرها الصرف الصحي، والفضلات البشرية التي تتفسخ وتتحلل بواسطة متعضيات مجهرية لتتحول لأملاح معدنية تتغذى عليها النباتات البحرية، لكن تراكمها في بكميات كبيرة في حيز محدود يؤدي لاستهلاك كمية كبيرة من الأوكسجين، وهو ما يعبر عليه علميا بالطلب البيولوجي على الأوكسجين ،وتتحول هذه المواد العضوية في النهاية إلى أوحال مختزلة سامة تصيب الكائنات النباتية والحيوانية بالاختناق والموت.
ساحل أسفي..الإنذار الأخير

ناهيك عن مصدر التلوث الجديد المتمثل في محطة الطاقة الحرارية المستغلة في توليد الكهرباء والتي تعتمد على حرق الفحم الحجري، الذي يعتبر من أكثر الملوثات، حيث بدأت نشاطها منذ حوالي سنة ونصف. وكمثال حي على التداعيات السلبية للتلوث على الحياة البحرية في مدينة أسفي، يمكن استحضار التراجع الخطير لإنتاج السمك، والسردين خصوصا بعدما كان قد سجل أرقاما قياسية في السبعينات، عندما احتلت أسفي رتبة أول ميناء لصيده على مستوى العالم، وتأثيراته على الأوضاع السوسيو-اقتصادية باعتبار تضرر فئة مهنيي الحرف المرتبطة بالبحر، ومعامل تصبير السمك التي أضحت محدودة العدد، وتراجعت قدرتها على استيعاب يد عاملة مهمة.
ساحل أسفي..الإنذار الأخير


وأمام هذا الوضع المستفحل المنذر بكوارث خطيرة، يقترح البيئيون عدة ترتيبات وإجراءات وقائية، تشخيصية، وعلاجية، للحد والتحكم في اختلالات الوسط الساحلي لأسفي وانعكاساتها يمكن اختزالها في الاتي:
- معالجة النفايات قبل طرحها في البحر.
-تجنب إنشاء وحدات صناعية متقاربة للتخفيف من تركز الملوثات.
-تجنب استعمال المواد غير القابلة للتفسخ.
-تطبيق القوانين الخاصة بالمحافظة على البيئة.
-استغلال المقتطعات الضريبية على التلوث في المحافظة على البيئة محليا.
هذه الجهود من شانها في حال تفعيلها، المساهمة في التوفيق بين الرغبة في تحقيق النمو الاقتصادي الذي يعتبر النشاط الصناعي من أهم ركائزه، وضمان حق الساكنة في بيئة صحية، وهو ما يستدعي التنسيق بين مختلف الفاعلين والأطراف المعنيين من مصالح حكومية مركزية، سلطات محلية، منتخبين محليين، أرباب الوحدات الإنتاجية سواء كانوا اشخصا معنويين أو ذاتيين، ومنظمات المجتمع المدني، في سبيل الحد هذا النزف الذي تعاني منه البيئة الساحلية في أسفي.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير