HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

فاتح ماي و الأجنحة المنكسرة


البدالي صافي الدين
الاثنين 12 ماي 2025




، عرفت مسيرات فاتح ماي هذه السنة 2025
التي نظمتها بعض النقابات بالمغرب بالمناسبة عدة انتقادات وتعليقات على المواقع الاجتماعية و منها؛ الحضور الباهت في هذه المسيرات و ترديد شعارات أغلبها فئوية و مألوفة و منهم من وصف النقابات أنها فقدت دورها الريادي في الساحة الجماهيرية خاصة بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، المركزيات الأكثر تمثيلية ، و لا أحد تناول الموضوع بالاعتماد على الموضوعية والعقلانية ، بل تم تناوله تارة بالتهكم و تارة بالتشفي .و لم يقف أحدهم عند الأسباب الموضوعية والذاتية للفعل النقابي بشكل عام في علاقة مع الواقع السياسي و الديمقراطي في البلاد. ذلك لأنه لا يمكن فصل النقابي عن الديمقراطي والسياسي إطلاقا، كما ظل البعض يرفع شعار المطالب "الخبزية”، بعيدا عن المطالب السياسية، منذ تأسيس أول نقابة بالمغرب بعد الاستقلال، الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955، التي كانت تعتبر من أقوى النقابات في إفريقيا. حيث كانت الإطار الحقيقي للطبقة العاملة و قوة فاعلة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، مما أدى بالنظام إلى اختراقها من أجل إضعافها من الداخل ومحاولة احتوائها ، لأنها شكلت قوة تنظيمية لكل القطاعات الاستراتيجية. و كانت تحمل شعار المرحلة التاريخية في بداية الاستقلال ، أي الجماهيرية لتكون بذلك نقابة مناضلة من أجل الحقوق العمالية و تحقيق الحرية و استكمال وحدة التراب الوطني. ولقد ضمت في صفوفها رجال المقاومة و جيش التحرير و أصبحت درعا نقابيا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، مما أدي إلى توالد النقابات الحزبية ، الاتحاد العام للشغالين الدراع النقابي لحزب الاستقلال في 20 مارس 1960، اتحاد نقابات العمال الأحرار ،أسسه حزب الحركة الشعبية سنة 1963،الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيؤسس اتحاد نقابات القوى العاملة سنة .1964 . لقد كان للنظام يد في تفريخ نقابات حزبية
بغية تمييع المشهد النقابي و استغلال التناقضات الداخلية لكل تنظيم نقابي و منه الاتحاد المغربي للشغل بتأجيج الصراع بين جناحين ، لما لم يتم تقدير مبدأ الديمقراطية الداخلية ، مما أدى إلى انسحاب مجموعة من القطاعات و تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية سنة 1978 . و كان دورها هو نفض الغبار وإعادة الاعتبار لأحد أهم الأسلحة العمالية و هي الإضراب العام. منه الإضراب العام تضامنا مع الشعب الفلسطيني [30 مارس 1979]، و الإضراب العام في أبريل 1979 دفاعا عن مطالب الشغيلة بشكل عام حيث تم التنكيل بالمضربين من رجال التعليم و الصحة و من عمال بالدار البيضاء و تم توقيف عدد منهم عن العمل . كانت ضربة قاسية ، لكنها لم تمنع من إعلان عن إضراب عام دفاعا عن القدرة الشرائية للكادحين [20 يونيو81]، وعن الملف المطلبي [14 دجنبر1990]. هذه الإضرابات التي كانت الشرارة التي لانتفاضة شعبية بالدار البيضاء و فاس. وكانت الكدش خلال سنوات النضال هاته فضاء لديمقراطية نسبية تسمح بوجود توجهات سياسية داخلها ونقاشات فعلية. وهي ديمقراطية اتسعت بقدر ارتفاع درجة الكفاحية والعكس بالعكس. وكان الاتحاد المغربي للشغل يفتح أبوابه لكل القطاعات حتى غير المهيكلة منها في القطاعين العمومي و الخاص، منه المعلمون العرضيون ، و النقل بكل أصنافه . كان النظام يدرك بأن النضال النقابي الحقيقي يساهم بشكل أساسي في تأجيج الصراع الطبقي، فأصبح يشكل عنده كابوسا و عند الأوليغارشية، أي أن العمل النقابي المكافح لابد أن يتم تقزيمه و تمييع مشهده بشتى الوسائل و منها الاختراق و الاحتواء و تحويله إلى أداة الحوار الاجتماعي لتحقيق المطالب . مع العلم أن” لا تحقيق للمطالب دون صراع حقيقي”، فالأحداث التاريخية تشهد على ذلك. لقد استغل النظام كل التناقضات داخل الكدش و ا.م.ش لتنمو التنسيقيات حول ملفات مطلبية خاصة ،(المتعاقدون ، الإداريون التربويون ، أساتذة سد الخصاص ، الزنزانة 9 ، المتقاعدون إلخ ...) وأصبحت كل فئة تنفرد ببرنامجها النضالي في استقلالية عن النقابات و عن الهيئات السياسية ، مما ساهم في ضرب العمل الوحدوي و تجزيء العمل النضالي. و أيضا في تراجع الانخراط النقابي ، حتى أصبح الانخراط مرتبط بملف شخصي حتى ولو كان في عدة نقابات . إنه وضع لا يمكن فصله عما يعرفه المشهد السياسي من ميوعة و من نشر ثقافة الميوعة و البؤس ومن تبخيس دور المجتمع المدني ومن عرقلة العمل النقابي الذي يتجلى في حماية مصالح الطبقة العاملة و حلفائها ، و يستمر النظام في فصل المركزيات النقابية التاريخية عن الجماهير الشعبية و عن مطالبها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و ضرب كل تماسك نضالي وحدوي الرامي إلى بناء الثقة بين المؤسسات و المجتمع لتحقيق التنمية . إنه في هذا السياق يأتي فاتح ماي هذه السنة منكسر الأجنحة حيث تراجعت قوته في هذه المناسبة . لذلك لا يجب أن نوجه السهام إلى النقابة بل إلى الذين يريدون نقابة تكافح من أجلهم وهم نيام .
عاشت النقابات المكافحة المناضلة من أجل حقوق العمال و العاملات و حقوق كل الذين يتم استغلالهم في المؤسسات العمومية و الخصوصية.
البدالي صافي الدين
من مؤسسي ك.د.ش بالقلعة ثم ا.م .ش

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير