HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

عربة خضار تطيح بعرش بن على


يوسف صبري
السبت 15 يناير 2011



غريبة هذه الدنيا في كل جوانبها ،لم يكن نظام بن علي يخشى الأقوياء فما بالك بان يعير الضعفاء أو الرعاع بالمفهوم السياسي الناقص ،شاب من الجنوب عاطل عن العمل يملك عربة خضار استطاع أن يطيح بعرش واحد من أقوى رؤساء شمال إفريقيا ضراوة ودكتاتورية ،فلو حاولنا أن نتدارك ما لا يمكن أن يتماشى مع منطق التاريخ وصيرورته


عربة خضار تطيح بعرش بن على
لكان بن علي اليوم أهدى كل ثروته مقابل أن يظل فوق رؤوس الشعب التونسي رزحا من الزمن ،ولكن ما لم يفهمه القائمون على مثل هذه البلدان أن أهون الكائنات أحيانا هي من يصنع النصر، والتاريخ البشري شاهد على ذلك ولكن بن علي وعمر البشير وبوتفليقة وأمم من الحاكمين بالدول العربية قاطبة لا تعي الأمر أهميته ، يحكمون في غير الاكتراث إلى أنفاس الشعوب ،موظفين آلة قمعية :الشرطة والجيش متناسين أن الغرب الذي يمثل روح الشرائع أدرك أن مثل تلك الأدوات لا تفلح مع إرادة الشعوب ساعة الخروج الأعظم في السودان يتشبث البشير بالحكم والبلد أسفل قدميه قد تمزق كل ممزق وهو بعد لا يدري انه لم يعد يحكم موزعا ابتسامات خادعة لنفسه ولمن حوله ،كان الأجدر أن يتنازل عن الحكم عندما أدرك انه لا يستطيع أن يوحد البلد وانه لا يملك ذلك البعد( ألدني -الكاريزمي) الذي يثير لعاب الشعوب ويجعلها تترفع عن هفوات حاكمها حينما يكون شخص الحاكم لا يملك أدوات الحكم الجدية الطاهرة ( البسالة والإخلاص والجرأة وروح المبادرة وحب الوطن ) ولكن الظاهرة العربية لا تفهم ،عالجت كتابات كثيرة لمفكرين عرب نظام الحكم في العالم العربي سلامة موسى في كتابه :ماهية النهضة /كذاك محمد سبيلا في :للسياسة بالسياسة وكتابات لعبد الله العروي وعابد الجابري وعلي عبد الرازق في أصول الحكم وطه حسين في علي وبنوه الفتنة الكبرى والقائمة طويلة جدا بين دراسات أكاديمية وابحات كلها خرجت مصدومة من أن العربي يحلم بالتشريف أكثر من التكليف عكس التجارب الإنسانية في الغرب ،حيت ينتهي دور الحاكم ويعود إلى صفوف الجماهير كما قال جمال عبد الناصر بعد هزيمته واندحار الجيش المصري ،بعدها لم نسمع برئيس اوحاكم فعل نفس الشيء ،ادن لم تنفك الديمقراطية المزيفة التي صنعها بن على أن تدوم طويلا ،ووحده بن معزوز كان قادرا على أن يتفوق على كل الكيانات في بلده تونس ولو أن هذا الشاب قد دفع ثمنا باهضا بحرق نفسه بالوقود أمام رجال الشرطة (أدوات النظام).فتضحية بمثل الذي حصل لابد وان تكون الثمن الذي لا بد وان يدفع مقابل التحرر ،وكيفما كان الحال فان سقوط 50 قتيلا أو100 مائة يعد ثمنا زهيدا مقابل حرية الناس وساعة المخاض عند المرأة هي التي تصنع الجنس البشري ولابد منها ،ادن لا تتريب أن في ذلك ، يمكن القول أن عصر الجماهير قد اقبل وان انفتاح الكوكب الأرضي عن بعضه يبشر الطغاة الظالمين أينما وجدوا أن ساعة الصفر قد اقتربت وان الشعوب المغلوبة لم تعد قادرة على أن يستمر مثل هؤلاء الحاكمون أو سمهم عروش من العجين ورثة لخيرات ومدخرات البلدان التي يديرونها بقوة الحديد والنارالكدب والطغيان .
كنا نعتقد أن بن علي ونظام حكمه الفاشي النازي المستبد لا يمكن أن يفنيه حريق مواطن بسيط يقبع على بعيد من قصر الحاكم المبجل في تونس العاصمة ،ولكن لا ننسى أن أبو القاسم الشابي عندما قال في بيته الشعري المشهور :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
في المفهوم الايتولوجي الميتافيزيقي فان الاستجابة هي الضرورة التاريخية ،وبذلك يكون ابوالقاسم قد أوعد ولم يخلف .

هناك اليوم سخافات كبرى لا تزال تعيشها إجمالا معظم البلدان العربية محكومة أحيانا بالحق الإلهي (ملكيات- اماراة) أو بالخوف أو مستندة إلى وصفة تجتمع فيها الديمقراطية بالدموية والعنف ،واحسب أن اغلب البلدان التي تملك رصيدا رصينا في المفاهيم الإنسانية النبيلة لم تعرف مثل هذه الوصفات التي يتفنن فيها الحاكم العربي ويصنعها على منواله ومقاس زوجته وبنيه ومافيا محيطة به تتغذى على خيرات ومدخرات البلدان التي يحكمونها ،يجب أن يعي الحاكمون أن الثورة العلمية في أوروبا والعالم المتحضر ستعمل كل يوم على تحريض المشاعر ودغدغة القلوب في الجنوب العربي وضفة المتوسط ،وانه لم يعد هناك شعب ساذج أو شعب لا يفهم في الوصفات ،فالديمقراطية الغربية سهلة الفهم والهضم تكفل الحقوق والحريات من غير قيد اوشرط ،وان العربي يتفرج عن قرب بما توفره الشبكة العنكبوتية من المعارف كما أن القنوات الإعلامية العملاقة تعمل هي الأخرى في اتجاه ادكاء روح الشعوب المغلوبة مما يفند كل الاحتياطات والحذر والأقطاب السمعية البصرية التي لا تزال الدول العربية تتحكم في المشاهد عبرها ،لقد انتهت أجيال حقبة السبعينيات وبات الرضوخ إلى إرادة الشعوب أمرا مطلوبا حتى لا يغادر الحكام إما هربا من غير كرامة أو يقتادوا إلى المحاكم أو يحاصروا في بلدانهم ،والإشارة هنا إلى عمر البشير ونظام صدام والهارب زين العابدين الذي تبين أن حكمه كان مجرد حكم رخو كالهواء ضعيف غارق في الغباوة وان شابا استطاع تحرير امة بكل طاقاتها ومفكريها وأعلامها وكوادرها ورب قائل :لاتبخسوا الناس أشياءهم
على كل يجب ن يفهم الباقون على الكراسي أن الشعب العربي بقي الأخير بين شعوب المعمور التي لم تتحرر بعد ،نعم كان التحرر بالأمس من أيدي الاستعمار الأجنبي ما لبت أن تحول إلى استعمار داخلي حكم بثنائية الخوف والأمل الذي تجيده معظم هذه النظم ،ظل الحاكمون يقنعون شعوبهم أن التهديد الخارجي وارد وان أملا في الرخاء والثورة نحو الغد المشرق قريبة جدا ،لم يحصل من كل هذا غير ارتهان الإرادات وقتل كرامة الناس وامتصاص وقت ومقدرات هذه الشعوب دون الإدراك أن الألفية الثالثة لن ينفع نفس المنوال فيها ،حان أن تعود الأمور إلى نصابها وان تستعيد البلاد العربية حركيتها التاريخانية وان توظف إراداتها الفردية والجماعية في الاتجاه الذي نفهمه جميعا دولة الحق والقانون والديمقراطية من غير كسكسة ممرقنة أي خليط الكسكس والمرق بمكعبات البنة من لحم الخنزير ثم تقدم إلى فقراء هده البلاد ويسمونها الديمقراطية .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير