HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

في الذكرى 20 لحكومة التناوب المجهضة


ذ. محمد الحجام*
الاربعاء 7 فبراير 2018




في الذكرى 20 لحكومة التناوب المجهضة




أشرف الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي على أربعينية المناضل إبراهيم الباعمراني ببني ملال، بعد عودته من المنفى رفقة المناضل لفقيه البصري، وفي مأدبة عشاء الأربعينية جالست اليوسفي الذي سألني عن أجواء اللقاءات الحزبية والجماهيرية التي أطرتها في بعض المدن، في موضوع مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة (حيث كنت مسؤولا حزبيا)، كان جوابي: إن الرأي العام والحزبي خصوصا، يعتبرون مشاركة الحزب في الحكومة، مقامرة ومغامرة ورهان، إن لم نربحه سيفقد الحزب رأسماله الرمزي، أجابني بسرعة: مقامرة n’appartient pas au dictionnaire politique وبعد برهة تابع مغامرة و رهان نعم، وإن لم نربحه وهذا ما لا نتمناه، ليس الحزب فقط من سيفقد رأسماله بل الوطن كله سيدخل المجهول.


وفعلا جرت الانتخابات وتشكلت حكومة التناوب التوافقي على أرضية التأسيس لانتخابات 2002 لإفراز حكومة ومرحلة التناوب الحقيقي المبني على حكم من يحصل على أغلبية صناديق الاقتراع، كما صرح اليوسفي في المهرجان الخطابي بخريبكة الذي انعقد تحت شعار من وادي زم إلى اسكيكدة حيث قال: إننا نحترم قادة الأحزاب الأخرى ونحتكم لصناديق الاقتراع، في حين اعتبر لفقيه البصري أن المرحلة تقتضي حماية وتمتين وحدة الدولة المركزية وفي نفس الوقت عدم تركها تنحرف، لأن الشعوب تمر بمراحل حكومات إنقاذ ولا يجب تسميتها بالضرورة مرحلة انتقال ديمقراطي.


ترأس اليوسفي حكومة التناوب التوافقي التي أنجزت فيها عدة إصلاحات أهمها مؤسسة الوزير الأول ووضوح صلاحيات الجهاز التنفيذي والتشريعي وحل عدة إشكاليات لتشجيع الاستثمار وإنعاش أوراش التنمية، في هذه الظرفية توفي الراحل الملك الحسن الثاني واعتلى العرش بسلاسة لافتة وريثه الملك محمد السادس، الذي وعد في خطاباته بتطليق السلطة المخزنية لصالح مفهوم السلطة الجديدة المبنية على دولة المؤسسات وإمارة المؤمنين.


في انتخابات 2002 احتل الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى، وبدل الانتقال إلى التناوب الحقيقي، تم تعيين ادريس جطو من خارج الطيف السياسي وزيرا أول، ليغلق التناوب، مما دفع اليوسفي إلى إعلان الخروج عن المنهجية الديمقراطية، واتخاذ قيادة الحزب لقرار المشاركة في حكومة جطو بحجة الاستمرار في استكمال إنجاز الأوراش المفتوحة، فكان هذا القرار بمثابة رصاصة الرحمة على رأسمال الحزب، بعد معاكسة موقف اليوسفي الواضح، وهكذا طويت مرحلة المصالحة التاريخية والمراهنة على دمقرطة الدولة والمجتمع ضد المفهوم المخزني التقليدي في الحكم، الذي انتصر في تعميم ومأسسة المخزنة، وهو ما انعكس في انتكاسة نسبة المشاركة في انتخابات 2007، ومنذ ذلك الحين لم تعد للسياسة في المغرب موضوع، وعمت المقاربات الأفقية وغابت المقاربات العمودية من برامج الأحزاب رغم تجربة التراكتور التسخينية لإعادة الروح للانتخابات، حتى جاءت 20 فبراير للتأكيد أن الشعب المغربي حي وتاريخي وأنه غير تابع للأحزاب إلا لمن سانده وغير موالي للسلطة التي لازالت عاجزة عن توفير الخدمات العامة بما فيها الحقوق الأساسية في الحياة : الطب، التعليم، العدل، الشغل، وما تلاه من دستور 2011 والحكومة الملتحية، وتأجيل مشروع التراكتور، وصولا الى حكومة اخنوش عفوا العثماني.


ومنذ ذلك التاريخ يتجه المغرب نحو القطيعة الاجتماعية بين فئة صغيرة تمتلك أغلب الثروة والخدمات وأغلبية شعبية تزداد فقرا ومرضا وبطالة بما فيها الطبقة الوسطى، أليست هذه هي بنية الهرم المقلوب أو المجتمع الأوليغارشي، رغم مظاهر التطور والتقدم والرقي والتي لا تنعكس أثارها على الأغلبية الشعبية.


إننا أمام حياة سياسية مكونة من حقل رسمي لا تتجاوز قاعدة أحزابه 20% وحقل شعبي لا يدين بالولاء لأحد وتتسع قاعدته باستمرار في نسبة 80%، لكنه حي ومليء بالحركات الاحتجاجية والمطلبية الأساسية في جو سلمي يعكس وعيا وطنيا وصدقا أكثر وضوحا من وعي وصدق الحقل الأول.


كانت هاته مجرد خاطرة تملكتني بعد مجالستي الأخيرة للأستاذ عبد الرحمان اليوسفي بدار المحامي بالدار البيضاء في حفل تكريم المجاهد الكبير اسعيد بونعيلات يوم السبت 27 يناير 2018، أي بعد 20 سنة من مجالستي لليوسفي ببني ملال، أي بعد 20 سنة من حكومة التناوب التوافقي التي أجهض تحولها إلى تناوب حقيقي، وأضاعت البلاد والعباد فرصة ذهبية يصعب إيجاد شروطها مستقبلا في ظل عولمة العواصف.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير