HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

لا عدل!؟ لا أمن ….و لا تراب


هند عروب
الخميس 21 يناير 2021




لو ساد العدل من بلاد تازة إلى بلاد غزة لأُكرم الإنسان و لاستتب الأمن و لاتحد التراب، و لا ما احتاج المغرب للمقايضة على صحرائه التي لا تساوم باستعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني المستوطن. إذ لم يستثمر المغرب صلا ته التاريخية باليهود المغاربة و غيرهم الاستثمار الحكيم، فلقد كان في مرتبة تميزه عن باقي” المطبعين الجدد” في إطار ما بات يعرف بالاتفاقات الابراهيمية،. و معروف أن علاقات المغرب و اسرائيل قائمة منذ ما يقرب من 60 سنة لعب خلالها المغرب دور الوسيط و المضيف لسلسلة من اللقاءات السرية و العلنية بين أطراف عربية و اسرائيلية قبل أن تخرج اتفاقات المتفاوضين إلى العلن. و تواصلت العلاقات المغربية –الاسرائيلية لتعرف منعرج توقيع اتفاق التطبيع سنة 1994، و إحداث المكتب المغربي للاتصالات بتل ابيب و إقامة نظيره الاسرائيلي بحي السويسي في العاصة الرباط ، و حتى بعد توقف العلاقة رسميا سنة 2002 أي سنة اندلاع الانتفاضة الثانية، تواصلت اللقاءات و المباحثات بشكل غير معلن و رسمي. قلنا – إنه- كان باستطاعة المغرب انتزاع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في فصل تام عن استعادة الصلات بالكيان الاسرائيلي.

إن خروج الاتفاق ثلاثي الأضلاع “الأمريكي – الاسرائيلي- المغربي” للعلن في هذه الآونة، حشر – للأسف- المغرب في خانة المهرولين الجدد إلى ملعب صفقة ترامب / كوشنر. فالهرولة إلى سوق صفقة القرن – و إن تمت باسم الواقعية البراغماتية التي تسوس العلاقات الدولية – أفقدت الصحراء المغربية شرعيتها التاريخية. لقد كان بإمكان المغرب الضغط لصياغة الاتفاق في اتجاه انتزاع الاعتراف بالسيادة على الصحراء و أيضا انتزاع المزيد من الحقوق للشعب الفلسطيني، أما و أن الاتفاق تم بصيغة تمفصل بين مغربية الصحراء و استعادة العلاقة مع اسرائيل و تعزل القضية الفلسطينية، فلن يجلب – أي الاتفاق- في هذه الحالة إلا المزيد من الاستسلام أمام دولة الكيان الصهيوني القائمة على العصبية الدينية و العنصرية و التجسس و الحرب.

و بالرغم من أن اسرائيل أضحت واقعا يفرض نفسه- والفلسطينيون أنفسهم قبلوا بحل الدولتين و وقعوا اتفاقات ” سلام” مع اسرائيل- إلا أنه كان باستطاعة الدول العربية المضي نحو طاولة المفاوضات الاسرائيلية كرجل واحد وإملاء شروطهم وضمان حقوق الفلسطينيين و تحديدا الحق في الأرض و العودة. و لو أخذت الدول العربية هذا المنحى لتوقيع اتفاقاتها مع اسرائيل لحازت أشياء كثيرة لنفسها و للفلسطينيين، و ليس الوهم الذي تحصلت عليه حاليا .فمن البادي الجلي، أن كل هذه “التطبيعات” في عمقها صفقات سياسية و اقتصادية و أمنية في بعدها العسكري و الاستخباراتي فقط. و ما هرولة الحكام العرب صوب هذه التطبيعات إلا حفاظا على كراسيهم، فهي مجرد صفقات سيُسدل عليها الستار يوم تمل اسرائيل من هذا الشطر الجديد من مسرحية التطبيع الذي و في جميع الأحوال لن يوقف غاراتها و رصاص قناصتها و دباباتها التي تدك البيوت الفلسطينية دكا فوق رؤوس أهاليها و تنبت المستوطنات الصهيونية. فما جناه الفلسطينيون من اتفاقات أوسلو ( 1993) و غزة و أريحا (1994) سيجنيه باقي العرب من اتفاقاتهم الحالية، إن اسرائيل لا تفاوض بل تفرض، و لا تلتزم بل تُلزم، فمن يحاسبها ؟ لا أحد.

و لأن لا أحد يحاسب إسرائيل بفضل الدعم الأمريكي و الغربي الدائم و اللامشروط لها، و حرصا على الرباط الأمريكي و الاسرائيلي المقدس، فإن إدارة جون بايدن ستبقي على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، و ذلك في إطار الحرص الأمريكي على المصالح الاسرائيلية و أمنها القومي من ناحية و من ناحية أخرى تعزيز المصالح الاقتصادية الأمريكية خارج أمريكا و تحديدا في منطقة شمال إفريقيا حيث يتموقع المغرب جيواستراتيجيا كبوابة عسكرية و اقتصادية و جيو سياسية لأمريكيا صوب الغرب الافريقي تحديدا. و قد ترجمت أمريكا استراتيجيتها على أرض الواقع بافتتاح قنصلية أمريكية بالداخلة، وتوقيع صفقة تسلح ضخمة و أيضا إطلاق مشاريع استثمارية كبرى في منطقة الصحراء بمحيطها البري و البحري ( الاستثمار في أعالي البحار-الداخلة كونكت- نفق جلب الغاز من نيجريا و الذي يمر صوب أوروبا عبر الصحراء المغربية، و الأكيد أن أمريكا مستفيدة من هذا المشروع….إلخ.)، هذا بالإضافة إلى مراقبة أمريكا للمنطقة عسكريا حتى تترصد الحركات الإرهابية التي تتخذ من منطقة الساحل مجالا لتحركاتها.

و صحيح أنه يحق لبايدن وفق الترسانة القانونية الأمريكية، التراجع عن اعتراف ترامب و لكن أمريكا كأخت كبرى لإسرائيل تظل وفية لوعد بلفور و للمشروع الاسرائيلي في المنطقة العربية التي فتتها اتفاق سايكس بيكو، و نهبتها القوى الامبريالية، و أنهكتها حروب الوكالة و الحدود والأعراق و المعتقدات، و فوق كل هذا و ذاك دكتها ديكتاتوريات حكامها . ديكتاتوريات تناظر الكيان الصهيوني في لهاثه نحو البقاء و في ارتعابه من الاندثار، فاسرائيل تخشى الإنمحاء كما يخشى حكامنا تبخر عروشهم، إذ الاثنان شريكان في سيكولوجية الخوف من الانقراض و من حتمية يقظة الشعوب التي يلخصها الشاعر أحمد مطربقوله:” اثنان في أوطاننا يرتعدان خيفة من يقظة النائم: اللص و الحاكم”. –

و تقر اسرائيل صراحة بهشاشة وجودها، إذ ما ينفك التقرير السنوي للمركز الاسرائيلي الخاص بالدراسات المتعلقة بالأمن القومي لإسرائيل بالتذكير بهشاشة الكيان الصهيوني داخل المنطقة العربية ، مؤكدا أن كل ما تقوم به اسرائيل من حرب و استيطان و إبرام للمعاهدات والا تفاقات تصب في اتجاه تحصين وجودها من الانقراض. أما حكامنا الذين تخونهم الشجاعة للاعتراف بهشاشة وجودهم، فما عليهم إلا الاعتصام بحبل الشعوب والعدالة، فليس لهم سوى الحكم بالعدل هذا المضاد الحيوي الداعم لوجودية العروش، فلطالما كتبت أن الشعوب أبقى من العروش، و لكن العروش إن قوت شعوبها بالعلم و المعرفة و العمل و العيش الكريم و أنصفتهم باقتسام الثروات و احترام حقوقهم و توعيتهم بواجباتهم ، لدامت دونما خوف أو لجوء إلى الاستقواء بالآخر الغربي الذي افترستنا مصالحه الانانية، و الذي لا تستقيم له علاقة بالمنطقة العربية إلا على أساس استدامة أجندات النزاع القائمة على بيع السلاح و استعار الحروب و الاستيلاء على الثروات و مباركة الحاكم المرتشي.

في ظل هذا الوضع الراهن، لم يتبق لفلسطين و شعبها سوى نبذ الفرقة و الخلافات الايديولوجية و التلاحم عصبة واحدة و مواصلة الكفاح حتى تحرير الأرض و عودة الشعب، و بعدها يمارسون اختلافاتهم السياسية ضمن مؤسساتهم الوطنية.

إن أقصى ما يتمناه المناضل الحر من تازة إلى غزة إدراك وطن حر عزيز لا تابع و لا محتل، و أرض موحدة و حاكم عادل و شعب قوي مستنير و حر بفكره و كلمته، لا يتدور جوعا و لا يلفحه البرد و لا يتوسل مستقبلا خارج دياره و لا يُلقى بشبابه في غياهب المعتقلات و لا يُلقي بنفسه في عرض البحار و لا الانتحار. و يبقى هذا الحلم مشروعا مادام طفل بلاد غزة يستغيث من قصف الصواريخ و طفل بلاد تازة يستغيث من قساوة الثلج.

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير