HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة
تصفحوا العدد 328 من جريدة حقائق جهوية الكترونيا pdf






واقع الأزمة القانونية للمجلس الوطني للصحافة والنشر


رضوان الحيان
الجمعة 16 يونيو 2023




يكاد يجمع أهل السياسة على أن النظام الديموقراطي هو النظام الذي يتصف بتعايش السلطات وتعاونها، وأصبح عرفا أن نقول أن شكل الدولة يتأسس على ثلاثة سلطات تنفيدية وتشريعية وقضائية، وهناك من يضيف سلطة رابعة ويرمزون بذلك للصحافة باعتبارها صاحبة القوة في توجيه وتأطير الرأي العام.

فالصحافة أساسا ماهي إلا حرية تعبير مقننة وأداة لتنظيم النقاش العمومي وزيادة منسوب الوعي الجمعي والثقافي لدى الأفراد ونقل الأخبار بشكل واضح تفاديا لانتشار الإشاعة.


ومادام أن الصحافة هي دائمة الالتصاق بمفهوم الحرية، فقد عملت مجموعة من الأنظمة السياسية على إتاحة كافة الضمانات لهذا القطاع الحيوي، وذلك بالتنصيص على الحماية القانونية لها في دساتيرها، وتركيزها على ضمان استقلالية الصحافة عن أي توجيه من أية سلطة أخرى.

وبالرجوع لدستور المملكة الصادر سنة 2011، نجده ينص في فصله 28 على أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وهو الفصل الذي جاء في الباب الثاني من الدستور المعنون بالحريات والحقوق الأساسية، وذات الفصل يتحدث على طريقة تنظيم قطاع الصحافة، حيث خاطب الدستور السلطات العمومية بضرورة تشجيعها على تنظيم قطاع الصحافة في احترام تام لمبادئ الاستقلالية والديموقراطية، وبذلك صدر القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة سنة 2016 بعد نقاش موسع شمل كافة المتدخلين في منظومة الصحافة ثم مرت الانتخابات وتم تنصيب المجلس والذي لم يبدأ الاشتغال فعليا إلا بعد المصادقة على نظامه الداخلي ونشره بالجريدة الرسمية سنة 2020 التي تزامنت مع حالة الطوارئ الصحية لوباء كورونا الشيئ الذي أضعف منسوب اشتغال المجلس، حيث لم يستعد عافيته إلا بعد تحسن الأوضاع الصحية بالبلاد وهو ما جعله يفقد من ولايته الانتدابية الوقت الكثير الذي كان يفترض فيه طرح نقاش حول مستقبل ما بعد انتهاء ولاية المجلس الانتدابية.

فبحكم أن تجربة التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر بالمغرب تعتبر نموذجية وحديثة العهد، فلا يمكن إلا أن تطالها مجموعة من العيوب والفراغات خاصة في التنظيم القانوني لقانون المجلس الوطني للصحافة، والذي بسبب هذه العيوب التشريعية نتجت أزمة تنظيمية داخل المجلس مرتبطة بالانتخابات جراء انتهاء الفترة الانتدابية الأولى، وهو ما فتح باب التأويلات والاجتهادات لتجاوز الأزمة الحالية بتدخل لعدة أطراف وجهات، وفي هذه المداخلة المختزلة سنتطرق لسيرورة الأزمة التشريعية الحالية والحلول المقترحة لتجاوزها عبر 3 محاور.

المحور الأول: ضعف الصياغة التشريعة لقانون المجلس الوطني للصحافة

بالعودة للقانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة، نجد الكثير من الإشكالات التشريعية، سنقتصر في الحديث عما يتعلق بالانتخابات الانتدابية لعضوية المجلس وأساسا فئة الناشرين وفئة الصحفيين، ولو أن رئاسة المجلس يجب أن تناط لشخصية محايدة نظرا لتضارب المصالح بين رب العمل والأجراء، فالتوافق في المرحلة التأسيسية كان هو الغالب، ومبدأ التوقع لم يكن حاضرا لدى معدي القانون المنظم للمجلس سواء في شق التناقض بين الفئتين وكذا في شق مفهوم التمثيلية لدى نقابات الصحفيين وكذا لدى ممثلي الناشرين، وكان أيضا التوافق بالنسبة للتمثيلية هو سيد الموقف، والأصل في التوافقات المذكورة هو التوافق الأساسي حول القانون عند إصداره، حيث لم تتم مناقشة هذه الفرضيات الممكن تحققها عند تطبيق القانون، وهو ما جعل القانون لم يتطرق بدقة لتنظيم عملية الانتخابات وكذا لتحديد مفهوم الأكثر تمثيلية خصوصا أن المشهد التمثيلي لدى النقابات والناشرين تغير بدخول أطراف جديدة.


والراجع للقانون سيجد أن المادة 54 التي تتحدث عن الانتخابات ولو بشكل سطحي، تم اقحامها في الباب السادس المعنون بأحكام انتقالية، والمعلوم أن الأحكام الانتقالية في التشريع هي تلك القواعد القانونية المنظمة لمرحلة ما بين القانونين أي القديم والجديد، وهو العيب التشريعي الذي جعل البعض يعتبر أن القانون بذلك لم يشر بشكل مطلق لتنظيم الانتخابات لأن الأحكام الانتقالية تم تجاوزها زمنيا بتنصيب المجلس في صيغته الأولى، وإرهاصات ذلك اتضحت بمجرد وفاة عضو للمجلس الوطني للصحافة سنة 2020 والذي لم تتم عملية تعويضه بعضو جديد عبر آلية الانتخاب، وهو ماكان يفرض على المجلس والحكومة التدخل لمعالجة الخلل التشريعي في حينه بدل الانتظار إلى حين انتهاء المدة الانتدابية وتوقف المجلس عن العمل.

والأعقد من ذلك هو أن المادة 9 بدورها التي كان يفترض فيها أن تكون قارب النجاة لوضعية توقف المجلس وذلك بتشكيل لجنة مؤقتة لتصريف المهام وتنظيم الانتخابات نجدها معيبة بالكامل، أولا لربط تفعيلها بحالة فريدة وهي امتناع أغلبية أعضاء المجلس عن حضور الاجتماعات وهو ما لا يوجد على أرض الواقع، ثانيا لإحالتها على اللجنة المنصوص عليها في المادة 54 وهي التي سبق وأن قلنا أن مفعولها انتهى بمجرد تنصيب المجلس التأسيسي لأنها تدخل في باب الأحكام الانتقالية.

فالحكومة وأساسا الأمانة العامة الخاصة بها، وبعدما درست القانون المنظم للمجلس وفي الغالب حسمت في أن الاستناد عليه لتنظيم الانتخبات هو أمر غير مصاغ، قررت بذلك خلق حل ترقيعي وهو تمديد مدة انتداب المجلس المنتهية ولايته لمدة 6 أشهر وذلك ما تم بمرسوم بمثابة قانون في أكتوبر 2022 لترك مجال تنظيم الانتخابات للمجلس نفسه مادام أن الحكومة تعتبر أمر تنظيم الانتخابات ليس من اختصاصها، لكن الذي جعل الأمر يزداد تعقيدا هو أن مكونات المجلس الوطني للصحافة اعتبرت أنه لا وجود لسند قانوني يعطيها شرعية تنظيم الانتخابات، وانتهت المدة والانتخابات لم تنظم، رغم تحفظنا الشديد على المرسوم بمثابة المرسوم بقانون رقم 2.22.770 الخاص بسن أحكام خاصة بالمجلس الوطني للصحافة، والذي يقضي بتمديد مدة انتداب أعضاء المجلس الوطني للصحافة لستة أشهر، الذي وضعته الحكومة باعتباره لا يستند على أي نص قانوني بالمطلق يعطي للحكومة حق تمديد ولاية مجلس منتخب ومستقل وقانونه موجود، وذلك ما جعل طرف ثالث يتدخل في الأزمة وهي السلطة التشريعية التي عقدت ندوات لنقاش واقع تنظيم الانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، وبرز للوجود مقترح قانون لتعديل القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة بالكامل تقدمت به بعض الفرق النيابية بمجلس النواب، وهو ما لا يمكن القبول به لأننا أمام أزمة قانونية تحتاج لحل سريع وليس إعادة النظر في قانون بشكل شمولي وهو ما يحتاج للتدقيق كي لا يقع ما وقع عند إعداد القانون الحالي للمجلس الوطني للصحافة، وأمام كل ذلك سحبت الفرق البرلمانية مقترح القانون، وتدخلت الحكومة مرة أخرى عبر مشروع قانون رقم 15.23 بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر الموجود قيد الدراسة بمجلس النواب وهو ما سنتطرق لإشكالاته في المحور الموالي.

المحور الثاني: إنعدام الشرعية الدستورية والقانونية لمشروع اللجنة المؤقتة

الملاحظ من خلال مشروع قانون إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، أنه أنجز على عجل نظرا لوضعية المجلس المتوقفة والتي معها توقفت أعمال التحكيم والتأديب والولوج للمهنة وهي الاختصاصات التي من شأن عدم تفعيلها المساس بالمراكز القانونية لعدة أطراف، فعنوان مشروع القانون لوحده يثير الاستغراب فكيف لنا أن نقوم بإحداث لجنة لتسيير مجلس منظم بقانون، وهو الأمر غير المستصاغ قانونا، لأن الدستور حسم في التنظيم الذاتي للمهنة وجعل نظام الانتخاب ملزما للحكومة وليس نظام التعيين المراد تفعيله عبر اللجنة المؤقتة، وهو ما يجعلنا بالقول بأن خلق هيئتين لتسيير قطاع واحد والانتقال من الانتخاب الى التعيين أمر مخالف لمقتضيات للدستور وأساسا الفصل 28 منه.


وبتفحص للورقة التقديمية لمشروع قانون اللجنة المؤقتة نجده دون أية مرجعية قانونية يستند عليها لمنح الحكومة أحقية خلق لجنة مؤقتة، كما كان الأمر سابقا مع المرسوم بقانون لتمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة، بل أن الحكومة في المادة الأولى من المشروع قامت باعتبار سند إحداث اللجنة المؤقتة كلجنة لتدبير الأمور الضرورية وتصريف المهام الجارية لمدة محددة هو صيغة استثنائية من أحكام القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة، دون أن توضح ماذا تقصد هنا بالاستثناء بالضبط، رغم أن هذا الاستثناء سيزول واختصاصات اللجنة ستتسع عندما نعاين باقي مواد مشروع القانون، حيث ستعطى إلى للجنة اختصاصات توفير الشروط الملائمة الكفيلة بتطوير قطاع الصحافة والنشر كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى، وستشير المادة الرابعة الى اختصاص وضع تقييم شامل للوضعية الحالية لقطاع الصحافة والنشر بل واقتراح الاجراءات الهادفة إلى دعم أسسه التنظيمية وهي الصلاحيات التي يفترض أنها تكون للمجلس المنتخب الذي يعبر عن تمثيلية قطاع الصحافة والنشر، وليس إلى لجنة معينة منتقاة بطريقة غير مفهومة وهو الواضح من خلال رؤساء اللجان ممن أبقت عنهم الحكومة في اللجنة المؤقتة، حيث نجد غياب باقي اللجان والتي تعتبر أساسية خصوصا لجنة الوساطة والتحكيم، ومما يثير الاستغراب هو أن الحكومة أعطت إلى للجنة المؤقتة اختصاص تقييم القطاع واقتراح البدائل وهي الأمور التي تتماشى مع اشتغال كل من لجنة التكوين والدراسات والتعاون ولجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع.

وكما هو معلوم في سياق إحداث نظام اللجان المؤقتة هو وجود طابع حصر الاختصاصات وليس توسيعها، ووضع برمجة زمنية سريعة وهو ما نجد عكسه في المادة الثانية من مشروع القانون التي حددت مدة اللجنة المؤقتة في سنتين أي نصف ولاية المجلس المنتخب مما يعتبر من عيوب هذا المشروع، حيث سيؤدي إلى خلق اللاثقة في الانتخابات التي ستجرى بحكم أن سنتين هي المدة نفسها المشروطة للتسجيل في لائحة الناخبين حسب المادة الخامسة من القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة ومقتضيات المادة الأولى من القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، حيث المفترض في اللجنة المؤقتة هو الحياد عن باقي المتنافسين في الانتخابات وهو عيب تشريعي تم تكريسه في القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة وكذلك في مشروع اللجنة المؤقتة.

وبدلك نخلص إلى عدم وجود حصانة قانونية ودستورية لمشروع قانون اللجنة المؤقتة في صيغته الحالية التي تناقش بمجلس النواب، وستخلق هذه اللجنة الكثير من الاشكالات القانونية عند تفعيلها، مما يحتم ضرورة إما سحب هذا المشروع من المناقشة أو على الأقل تعديله وهو ما سنعالجه في المحور الموالي.

المحور الثالث: حلول عملية لتجاوز الأزمة التشريعية القائمة

هي عديدة الحلول الاستعجالية الممكن تدراسها لتجاوز الأزمة الراهنة والتي يمكن أن تكون بمبادرة من الحكومة أو عن طريق الفرق النيابية بالبرلمان عبر مقترح قانون تعديل القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة أو تعديلات في مشروع قانون اللجنة المؤقتة والتي سنوردها حسب التدريج:

الحل الأول: سحب مشروع قانون اللجنة المؤقتة وطرح مشروع أو مقترح قانون حسب الجهة المقدمة له، قصد تعديل القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة، وذلك بتغيير مقتضيات كل من المادة 9 بحذف عبارة “بسبب امتناع أغلبية أعضائه المنتخبين عن حضور اجتماعاته”، وترك إمكانية اللجوء إلى مقتضيات المادة 54 مفتوحة أمام جميع الحالات التي يتوقف فيها المجلس عن الاشتغال والتي من بينها انتهاء مدة انتدابه، مع ضرورة تعديل المادة 54 بتحديد دقيق لمفهوم “الأكثر تمثيلية”، كي لا يكون هناك اختلاف عند تنزيل مقتضيات التعديل.
الحل الثاني: الاعتماد على مشروع قانون اللجنة المؤقتة المحال على مجلس النواب، وتعديل مقتضيات مشروع القانون بحصر نطاق اختصاصات اللجنة في تدبير الأمور الجارية وتصريف المهام الضرورية وتنظيم الانتخابات وحذف باقي الاختصاصات التي تم منحها إلى اللجنة، مع ضرورة تعديل تركيبة أعضائها في شخصيات محايدة بدون انتماءات مهنية أو نقابية كي لا تؤثر في عملية الانتخابات.
وبذلك بعد انتخاب أعضاء المجلس الجديد هم من سيتكلف بفتح النقاش بشكل هادئ حول تعديل القوانين المنظمة لقطاع الصحافة والنشر وخلق الانسجام بينها داخل مدونة للصحافة والنشر جامعة لكل النصوص القانونية المتعلقة بالمجال، وكذا فتح الأفق حول إعداد قانون إطار لمنظومة الصحافة والنشر يحدد المعالم الكبرى للقطاع.

باحث في الدراسات القانونية

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير